قضايا وآراء

مثلث أستانا و«مجموعة واشنطن»

| أنس وهيب الكردي

أعادت الولايات المتحدة الحياة إلى مجموعة «أصدقاء سورية»، التي تقلصت إلى حد كبير وباتت تقتصر على خمس دول فقط حيث طرحت مؤخراً وثيقة بخصوص تسوية الأزمة السورية انطلاقاً من صياغة دستور يتبنى نظاماً برلمانياً وذا مركزية موسعة للغاية.
في مقابل هؤلاء تقف روسيا وإيران وتركيا، الشركاء في عملية «أستانا»، التي وضعت الأساس لإنشاء مناطق خفض التصعيد، ومؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي الروسية، وتعتمد هذه الدول الثلاث رؤية للحل تقوم على إصلاح الدستور الحالي، أي المحافظة على النظام الرئاسي القائم، مع توفير سلطات عادلة لـ«الإدارات الذاتية»، وضمن هذا المثلث أرست موسكو تعاوناً فيما بين شريكتيها إيران وتركيا سواء على المستوى الثنائي أو ثلاثي الأطراف، على حين لموسكو وطهران نفس الإستراتيجية وقد صاغتا تعاوناً رفيع المستوى فيما بينهما بخصوص الأوضاع العسكرية في سورية، وهما متفقتان في دعمهما لمواقف الحكومة السورية، كما أنهما جزء لا يتجزأ من انتصارات الجيش السوري في مختلف المناطق السورية، وكانت خلافات تركيا مع الولايات المتحدة حول الدعم الأميركي لمسلحي «وحدات حماية الشعب» الكردية عشية التحضير لمعركة الرقة، وخسارة المسلحين لمعاقلهم في مدينة حلب، قد ساقا أنقرة إلى الانضمام إلى روسيا، ولاحقاً إيران، في مساعيهما لصياغة مفاوضات سورية سورية في العاصمة الكازاخية أستانا، أطلقت مساراً عسكرياً منفصلاً عن عملية جنيف ما لبث أن هيمن على كل المناقشات العسكرية حول سورية.
خلال العام الماضي، عملت روسيا بنشاط من أجل إنشاء مناطق خفض تصعيد في سورية مع دول من المجموعتين متجاوزةً خطوط التقسيم ما بين الدول المؤيدة للحكومة السورية أو المعارضة لها، وتأسست هذه المناطق في غوطة دمشق وريف حمص الشمالي وجنوب سورية وإدلب، نتيجة التعاون ما بين الروس والأميركيين والسعوديين والأردنيين والمصريين والإيرانيين والأتراك.
تعاونت الدول من كلا المجموعتين سواء بشكل مباشر أو غير مباشر في تهدئة القتال ما بين الجيش العربي السوري وحلفائه من جهة، والمجموعات المسلحة، من جهة أخرى، جراء اتفاقها على أولوية القضاء على تنظيم داعش في سورية والعراق، أو بالأحرى التدافع فيما بينها على تقاسم كعكة «دولة الخلافة» المزعومة والمنهارة في الرقة ودير الزور، وكان ذلك حتى على الرغم من التنافس القوي ما بين الجيش السوري وحلفائه الروس والإيرانيين من جهة، و«قوات سورية الديمقراطية – قسد» التي يشكل مسلحو حماية الشعب عمودها الفقري، المدعومة من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، من جهة أخرى، على تقرير مصير محافظة دير الزور الغنية بالنفط، وصلة الوصل ما بين سورية والعراق.
مع انتهاء دولة داعش، جرت عملية إعادة تشكيل للصراع السوري، أطلقت بنتيجتها تركيا، بضوء أخضر روسي إيراني مزدوج، هجوماً عسكرياً ضد مسلحي «وحدات حماية الشعب» في منطقة عفرين، على حين صاغت واشنطن إستراتيجية جديدة لسورية بعد أن مكنت حلفائها من السيطرة على ثلث مساحة البلاد، هدفها تقليص نفوذ إيران في سورية، ومن ثم، ضرب أحد الروافع التي يقوم عليها الموقف الروسي بسورية خصوصاً، والشرق الأوسط عموماً.
هكذا، أخلى التعاون البراغماتي ما بين واشنطن وحلفائها من جهة وروسيا وحلفائها من جهة أخرى، الساحة، ليحكم علاقات هذه الأطراف منطق الصراع المكشوف والشامل، وضمن هذا السياق، أخرجت الولايات المتحدة من جعبتها وثيقة التسوية السورية بالتوازي مع استعداد روسيا وشريكتيها في عملية أستانا، تركيا وإيران، لإطلاق نقلة قد تغير وجه التسوية السورية، ألا وهي مؤتمر الحوار الوطني في سوتشي. وسيكون لتجدد الصراع تأثيرات وتداعيات على المعادلات الحاكمة لمناطق خفض التصعيد في كل من جنوب سورية وغوطة دمشق الشرقية خصوصاً، وأيضاً على مصير المناطق المتقدمة الخاضعة لسيطرة قوى متحالفة مع واشنطن: التنف، الطبقة ومنبج، ليس فقط الدول في مجموعة واشنطن أو الضامنة لعملية أستانا، تبدو مشدودة الانتباه إلى الميدان، بل إن قوى إقليمية مثل مصر أو العراق ستجد نفسها في أتون المعمعة المقبلة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن