تداعيات الاستفتاء على إقليم كردستان العراق
| أحمد ضيف الله
منذ أن حددت رئاسة إقليم كردستان العراق بتاريخ 7 حزيران 2017، يوم 25 أيلول 2017 لإجراء الاستفتاء في إقليم كردستان والمناطق الكردستانية خارج إدارة الإقليم، على الاستقلال، دخلت حكومة الإقليم في دوامة من الصراعات والمناكفات الداخلية بينها وبين الحكومة الاتحادية من جهة، وبينها وبين باقي القوى السياسية في الإقليم من جهة أخرى، وما زالت.
وأفقدت القرار حكومة الإقليم أغلب المكاسب التي كانت تتمتع بها في إدارة الإقليم «شبه المستقل» عن الحكومة المركزية العراقية، حين شنت القوات الاتحادية عملية مفاجئة بتاريخ 16 تشرين الأول 2017، مجبرة قوات البيشمركة على الانسحاب من أغلب المناطق المتنازع عليها، مستعيدة السيطرة على محافظة كركوك، ومعظم حقول النفط، فارضة حظراً جوياً على رحلات مطاري أربيل والسليمانية الخارجية، وبذلك نجحت الحكومة العراقية تفادي أخطر المنعطفات السياسية التي كادت تطيح بوحدة أراضيه وشعبه.
إن تداعيات الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان العراق، لا تزال مستمرة وحاضرة بقوّة، وبخاصة بعد انطلاق التظاهرات الحاشدة والعنيفة في محافظة السليمانية بتاريخ 18 كانون الأول 2017، التي استمرت خمسة أيام، وشارك فيها الآلاف، بينهم معلمون وموظفون وناشطون مدنيون، وحتى عناصر من قوات البيشمركة، مطالبين بدفع رواتبهم التي كانت قد خفضت إلى أقل من النصف، ولم يتسلموها منذ نحو 3 أشهر، وفقاً لقرار «الادخار الإجباري» المعمول به منذ أكثر من عامين في الإقليم، محملين الحزبين الحاكمين: الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، مسؤولية الأزمة المالية والفساد القائم بتقاسمهما إيرادات النفط، إضافة إلى تحميلهما التداعيات التي خلفها تنظيم الاستفتاء على «الاستقلال»، وخسارة المناطق المتنازع عليها لمصلحة حكومة بغداد.
ومما لا شك فيه أن حدة التظاهرات المعارضة في الإقليم، التي استهدفت للمرة الأولى أكثر من 20 مقراً للأحزاب الرئيسة الخمسة، بالحرق دون تفريق، وهي الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني الحاكمين، إضافة إلى حركة التغيير والجماعة الإسلامية المعارضين، والاتحاد الإسلامي الكردستاني، ما يعد أعنف تحرك شعبي للأكراد منذ تظاهرات 2015، هي انعكاس للقلق الذي يخيم على الشارع الكردي من استمرار القطيعة مع بغداد في ظل تفاقم الأزمة السياسية والمالية الخانقة في الإقليم، وانهيار قطعات اقتصادية واسعة، إثر التراجع الحاد في الإيرادات الناجمة عن الإجراءات العقابية التي اتخذتها الحكومة الاتحادية ضد خطوة الاستفتاء تلك، التي كان من أبرزها غلق مطاري أربيل والسليمانية أمام الرحلات الخارجية، وعدم قدرة الإقليم على الاستفادة من عائدات تصدير النفط نتيجة الإجراءات العقابية المتخذة، ما فاقم من تدهور وضعه الاقتصادي.
بالتوازي مع تظاهرات الشارع الكردي احتجاجاً على إخفاق حكومة إقليم كردستان في أداء واجبها، تحاول «حركة التغيير» و«الجماعة الإسلامية الكردستانية» المعارضتان الهروب إلى الأمام، بالإعلان عن انسحابهما من حكومة نيجيرفان بارزاني بتاريخ 20 كانون الأول الماضي، في محاولة لركوب موجة الغضب الشعبي، لكسر الثنائية الحاكمة، باستثمار أكبر شريحةٍ شعبيةٍ ممكنةٍ، كذلك أعلن حزب الاتحاد الإسلامي الكردستاني بتاريخ 24 الشهر ذاته، بأنه قرر «إعطاء الحكومة مهلة لا تتجاوز منتصف الشهر المقبل»، و«حينها سنتخذ قراراً حاسماً في شأن بقائنا في الحكومة من عدمه».
وعلى حين تشكل مسألة رواتب موظفي الإقليم أحد الملفات العالقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان وصل إلى العاصمة بغداد بتاريخ 3 كانون الثاني الماضي وفد مشترك من الأحزاب الكردية المعارضة لحكومة الإقليم، من حركة التغيير، والجماعة الإسلامية المنسحبتين من حكومة الإقليم، إضافة إلى التحالف من أجل الديمقراطية والعدالة الذي يرأسه برهم صالح، واجتمعوا مع كل من رئيس الجمهورية فؤاد معصوم، ورئيس الوزراء حيدر العبادي، ورئيس المجلس النيابي سليم الجبوري، مشددين على ضرورة حل كل الإشكالات بين بغداد وأربيل، مؤكدين أن «الوفد الكردستاني لم يكن وفداً تفاوضياً بل نقل معاناة الشارع الكردي التي تتمثل في رواتب الموظفين ومستحقات الفلاحين التي هي بذمة الحكومة الاتحادية».
وهذه أول زيارة من نوعها لوفد كردي لبغداد لا يشارك فيها ممثلو الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني منذ الاستفتاء على «استقلال» الإقليم، وقد تمحورت اجتماعات الوفد على حث الحكومة الاتحادية بالتعجيل ببدء المفاوضات وحل كل المشكلات والمعوقات مع حكومة الإقليم تحت مظلة الدستور، والإسراع بدفع رواتب موظفي الإقليم، وتشكيل لجنة أمنية مشتركة لإدارة الملف الأمني في قضاء طوز خرماتو التابع لمحافظة صلاح الدين، إضافة إلى تسديد ديون فلاحي الإقليم.
ورغم تزامنها مع الزيارة التي قام بها بافل الطالباني القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني والنجل الأكبر لرئيس الجمهورية السابق جلال الطالباني، إلى بغداد، حيث أجرى لقاءات عدة مع رئيس الوزراء وشخصيات سياسية وحكومية، في محاولة منه، على ما يبدو، سحب البساط من تحت أقدام الوفد الزائر.
تمكن الوفد الكردي المعارض من إقناع رئيس الوزراء بإرسال رواتب موظفي الإقليم التي عجزت حكومة الإقليم عن تأمينها، حيث أعلن حيدر العبادي بتاريخ 9 كانون الثاني الماضي أنه «سنصرف رواتب موظفي الإقليم بطريقتنا نحن وليست بطريقتهم، ونريد إيصالها إلى الموطنين لا الأحزاب».
ومع ذلك أثارت زيارة الوفد الكردي المعارض إلى بغداد انقساماً كردياً، إذ وجّه حزبا الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستان في مؤتمر صحفي مشترك انتقادات إلى الحكومة الاتحادية لاستقبالها الوفد الكردي، بالقول: «كنا نأمل بوفد يمثل جميع الأحزاب وليس ثلاثة فقط، ثم أن التفاوض مع بغداد يجب أن يكون مبنياً على شرعية رسمية، وبناء على ذلك فإن حكومة الإقليم هي المعنية بالتفاوض».
إن انهيار حكومة إقليم كردستان، ما زال أمراً وارداً، لو وضع حزب الاتحاد الإسلامي الكردستاني تهديده موضع التنفيذ، ما يعني أن الإقليم ورئيس حكومته نيجيرفان بارزاني، سيكون أمام منعطفٍ مربك، وأزمة سياسية داخلية صعبة، في سياق إعادة ترتيب البيت الداخلي، الذي تسوده مخاوف من انهيار العلاقات بين القوى والأحزاب السياسية فيه، في ظل الخلافات بشأن نظام الحكم القائم والدعوة إلى تقليص صلاحيات رئيس الإقليم والانتقال إلى نظام برلماني، وسط أزمات اقتصادية كبيرة، زادت من حدتها الإجراءات العقابية التي تتخذها الحكومة المركزية.
إن حل حكومة الإقليم وتشكيل حكومة انتقالية ليس أمراً سهلاً حتى للذين يطالبون به، إذ ما من حكومة تريد أن ترث كل أزمات وديون الحكومة الحالية التي تصل إلى نحو 20 مليار دولار، وخاصة مع استمرار شبه القطيعة بين أربيل وبغداد الساعية إلى كسب الوقت، من أجل انتزاع المزيد من المكاسب على الأرض، وخصوصاً السيطرة على المعابر الحدودية مع إيران وتركيا، بينها معبر فيشخابور الإستراتيجي، الواقع على رأس مثلث حدودي بين الأراضي التركية والعراقية والسورية، الذي يمر منه أنبوب تصدير نفط الشمال الرئيس عبر تركيا.
وما لم تسيطر الحكومة الاتحادية على المنافذ الجوية وكل المعابر الحدودية مع دول الجوار في الإقليم، وتعلن حكومة الإقليم صراحة، إلغاء نتائج الاستفتاء الذي أجرته في 25 أيلول الماضي، وكل النتائج المترتبة عليه مستقبلاً، فإنه من المتوقع أن تستمر الأزمة القائمة بين بغداد وأربيل، فالحكومة العراقية الاتحادية، الطرف الأقوى في المشكلة مع حكومة إقليم كردستان المربكة داخلياً، غير مستعجلة في إنهاء ما ترتب من إشكالات، بانتظار ما ستسفر عنه الانتخابات البرلمانية والرئاسية في إقليم كردستان المتوقعة مبدئياً في آذار 2018، وربما إلى حين إجراء الانتخابات العامة في العراق المتوقعة أيضاً في 12 أيار المقبل، والتي ستقرر من سيتولى رئاسة الحكومة في بغداد.