مقامرة ملكية خاسرة
باسمة حامد
ربما لم ينتبه الملك الأردني أن شهر نيسان قد ولّى بكذباته وإشاعاته ودعايته الإعلامية وأن المنطقة بحلول أيار دخلت فعلياً في المسار الجدّي، فهو ما زال يكرر الكذبة الأميركية التركية السخيفة ذاتها بخصوص «تحالف النظام السوري» مع «داعش»، ويتبرأ من مسؤولية انتشار الجماعات التكفيرية!!
ومن المثير للسخرية حقاً أنه إحدى الأدوات المنفذة للحرب على سورية وأكثرها تآمراً عليها، ومع ذلك يرفع حاجبيه مستغرباً لأن «النظام»- بحسب زعمه- «قصف الجميع ما عدا داعش لإيجاد طرف أسوأ منه بحيث يميل الرأي العام إليه»، ووقف موقف «المتفرج» على التنظيم الإرهابي بداية تشكله في الرقة!!
«فالنظام» لم يكن له أي يد في تأسيس التنظيم الإرهابي حتى باعتراف مراكز بحثية وأمنية وعسكرية أجنبية متخصصة شرحت ضلوع الولايات المتحدة بدعم التنظيمات الإرهابية على اختلاف تسمياتها.. بل سعى «بنفس طويل» لإظهار الإرهاب إلى الرأي العام بهدف الإضاءة عليه كآفة سرطانية مستشرية وظاهرة خطيرة عابرة للحدود، وليس لدفع الغرب إلى اختيار «الأسوأ» على أساس المفاضلة بينهما كما زعم ملك الأردن في مقابلته الأخيرة لمحطة CNN الأميركية، والصحيح أنه نجح في ذلك (وهذا حلال عليه) مستفيداً من غباء وتعنت حكومات غربية عدة كانت تشكل رأس حربة في الحرب على سورية كفرنسا وبريطانيا، ومستثمراً تراجعها وإعادة حساباتها من الأزمة على خلفية توحش «داعش» بدرجة غير مسبوقة.
وعلى كل حال، إن دهشة (عبد اللـه الثاني) بسبب ما اعتبره «سماح النظام لمقاتلي البغدادي بتعزيز وجودهم داخل الأراضي السورية» لا تقدم إجابات شافية عن أسئلة جوهرية باتت تطرح نفسها بقوة في الشارع الأردني في إطار موقف الملكة الهاشمية من الملف السوري من قبيل:
• لماذا يتحدث قادة الإرهاب اليوم علناً وبثقة عن وجود «أعداد كافية من المقاتلين للسيطرة على الأردن»؟!
• ومع التذكير بما نشرته وكالة (الأسوشيتد برس) الأميركية حول حقيقة أن الحرب في سورية: «منحت متطرفي الأردن خبرة في ساحة المعركة، إذ إن أكثر من ألفي أردني يقاتلون بصفوف المتمردين في سورية والعراق وأغلبهم يشكلون فصائل متطرفة».. ما خطط المملكة لمواجهة المد الإرهابي في ظل البطالة وارتفاع الأسعار وانفصال النخبة الحاكمة عن الواقع، وقيام السلطات الأردنية في معان بإزالة مظاهر التأييد «لداعش» من على جدران وأسطح المدينة الصحراوية مؤخراً؟!
• وبالنظر إلى أن خسائر الأردن وصلت حتى الآن إلى 282 مليون دولار بسبب الأحداث الجارية في سورية، و211 مليون دولار بسبب الأوضاع في العراق.. هناك تساؤلات تُطرح حول مسؤولية الحكومة الأردنية بخصوص إغلاق معبر نصيب الحدودي الذي أثار احتجاجات شعبية واسعة للخسائر الكارثية التي فُرضت على التجار والمزارعين الأردنيين بعد أن تعرضت بضائعهم للسلب والنهب وفقدوا الأسواق التي اعتادوا تصريف منتجاتهم الزراعية فيها، وبدأت الصادرات الأردنية إلى السوق العراقية تواجه مصاعب كبيرة بسبب التحديات الأمنية وارتفاع رسوم الشحن البري بين البلدين!!
وثمة جواب وحيد وواقعي عن كل ما سبق يؤكد أن الملك الأردني «قامر» بعلاقاته مع دمشق انسجاماً مع سياسات واشنطن والدول الخليجية التي تغذي بلاده اقتصادياً، لكنها مقامرة خاسرة بكل المقاييس، ومن الأجدى له – بدلاً من «التفلسف» على «النظام السوري»- البحث في خيار التنسيق والتعاون معه كما يفعل أصدقاؤه الغربيون، فالهجمات الانتحارية الأخيرة على منافذ حدودية أردنية تثبت أن الإرهاب عدو للجميع بلا استثناء.