مقاربات في المسألة السورية
| مازن بلال
ظهر في مدينة سوتشي المكون السوري بشكل غير مسبوق، فبغض النظر عن أهمية المؤتمر والمواقف المتباينة منه، فإنه قدم صورة المجتمع السوري في بقعة جغرافية محددة، ويمكننا مشاهدة وقائعه خارج النمط المألوف للمواقف السياسية المعتمدة، وعلى ما يبدو فإن روسيا كانت مهتمة بتقديم هذا المكون الذي غاب عنه الأكراد، وفي الوقت نفسه أظهر مفارقة في طرق النظر إلى الحل السوري السوري.
كان السؤال المرافق لوقائع يوم واحد، ليس غياب المكونات السياسية القادمة من تركيا، بل نوعية الترف عند الحديث العام عن مفاوضات لحل الأزمة، والعجز أيضاً عن تكوين مساحة لوجود السوريين لمواجهة حقيقة التناقض بين الشكل السياسي المعتمد في جنيف، والمكون الاجتماعي العام في سورية، فأناقة قاعات الأمم المتحدة غير قادرة على فهم النسيج العام الذي يستطيع جمع السوريين، فالمسألة ليست في أي بنود للاتفاق السياسي، بل أولاً وأخيراً في قدرة أي حل سياسي على ترسيخ بقاء النسيج السوري وعدم تفتته.
عملياً كان التماس الذي وفره مؤتمر سوتشي عاملاً للنظر لمقاربتين في مسألة الحل السياسي:
الأولى هي أن التنوع السوري ليس عنواناً عريضاً بل تفاصيل من الصعب الهروب منها، فالقضية تبدو في أن النسيج الاجتماعي هو دوائر متقاطعة بشكل مكثف، فالسوريون ليسوا فقط أدياناً متداخلة وعشائر يصعب وصف علاقتها بشكل واضح مع القرار السياسي الداخلي أو الإقليمي، إنما بناء ثقافي مركب ولا يتوافق مع المعايير التي يمكن اعتمادها دولياً في حل الأزمات.
يبدو هذا التداخل في العلاقة فعالاً في ذروة الحدث، لأننا لا نتحدث عن مكونات متشابكة فقط، بل عن تفاوت ثقافي في كل مكون وعن مرجعيات عميقة، لا يبدو تأثيراها عادياً ضمن الأزمات، لأنها تضع كل التناقضات في لحظة واحدة داخل بنية يمكن أن تتآكل سريعاً وتكسر التوازنات لمصلحة معادلة اجتماعية سياسية جديدة.
الثانية: إن البنود 12 في البيان الختامي لا تختلف عن بنود المبعوث الدولي، ستيفان دي ميستورا، التي قدمها مراراً وتكراراً في جولات المفوضات، والفارق الأساسي هنا هو المواجهة بين «البنود» والمكون السوري بشكل عام.
لم يكن مهما للدول الضامنة طبيعة التمثيل السياسي في سوتشي، لأنها عولت على «التنوع» السوري العام، وهو ما يطرح إشكالية أساسية في من القادر على التأثير في عمق المجتمع السوري: الأحزاب السياسية أو القوى الاجتماعية ومرجعياتها العامة؟ وضمن هذا السؤال يصبح الترفع عن المكونات لإيجاد حل سياسي «فوقي» أمراً صعباً جداً، فالحل السياسي سيحكم كل تعقيدات المكونات التي حضرت سوتشي حتى ولو لم تكن فعالة.
في افتتاح الجلسة الأولى للمؤتمر ظهرت اعتراضات من بعض الكتل بأن كوادرها لم تستطع القدوم لأسباب مختلفة، وربما كان حضورها ضرورياً لاستكمال بانوراما المشهد العام، ولكن أي فارق يمكن أن يحدث بإضافة أعداد أمام هذا النسيج المعقد، فالمعضلة الحقيقية هي أن درجة التشابك الاجتماعي قادرة على كسر أي «سلم أهلي» إذا لم نراع «النسيج القائم».
قدم مؤتمر سوتشي الصورة الأكثر تعقيداً لمسألة المواجهة بين السوريين عموماً والحل السياسي وفق تصورات الأمم المتحدة، وأوضح أن المواجهة القادمة ليست في بنود البيان الختامي للمؤتمر بل في القدرة على خلق سياسية ترسخ هذا النسيج المعقد وتستطيع الارتقاء به، فالنخب السياسية مهما أبدعت وقدمت حلولاً فإنها تحتاج إلى نوع سياسي جديد يخلق حواراً «ارتقائياً» للنسيج الاجتماعي وليس إجراءات سياسية فقط.