قضايا وآراء

قراءة متأنية للأحداث الجارية مؤخراً

عبد المنعم علي عيسى

 

بين الهجوم على إدلب 25/3/2015 والهجوم على جسر الشغور 25/4/2015 قامت تل أبيب بتقديم المؤازرة عبر الغارات التي استهدفت فيها مواقع للجيش السوري في ريف القلمون 23/4/2015 حيث كان من المفترض أن تتكرر تلك الغارات إلا أنها لم تكن كذلك على خلفية تخوّف إسرائيلي نابع عن إيماءات كانت تل أبيب قد رصدتها وهي صادرة عن كل من طهران ودمشق على حدّ سواء.
عمدت تل أبيب على الدوام إلى تسويق نظرية أمنية في الشارع الإسرائيلي تقول إن الفوضى الأمنية السورية وانشغال الدولة السورية بالحرب الدائرة على أراضيها يحتّم استغلال تلك المعطيات واستثمارها بتوجيه ضربات ضد أهداف يمكن لها أن تشكل خطراً آنياً ولاحقاً على أمنها، إلا أن تلك النظرية لا تمثل أرضية صحيحة لقراءة الغارات الإسرائيلية سابقة الذكر على ريف القلمون، حيث تظهر عملية الغوص في التفاصيل الدقيقة التي أحاطت بها بأنها كانت عملية إسنادٍ جوي ناتج عن حالة تنسيق مؤكدة بين الرياض وأنقرة من جهة وتل أبيب من الجهة الأخرى.
ذكر صحفي يعمل في محطة (إن ذي آر) الألمانية نقلاً عن القائد السابق لحلف الناتو (ويسلي كلارك) أن السعودية وفي لقاء جمع استخباراتها والاستخبارات الإسرائيلية جرى في إسبانيا منتصف شهر آذار الماضي كانت قد طلبت من تل أبيب توجيه ضربة قاصمة لحزب الله بالتزامن مع الهجوم السعودي- التركي على جبهتي إدلب وجسر الشغور (لم يكن ذلك الهجوم قد حدث وقت الاجتماع إلا أنه كما يبدو كان قد أقرّ نهائياً).
كان الهجوم التركي- السعودي على الجبهة الشمالية للبلاد والمؤازرة الجوية الإسرائيلية في ريف دمشق يمثل نصف المشهد الذي كان قد أقرّ في اجتماع مدريد وفي غرفةموك وزيارة الشيخ زهران إلى تركيا، فيما كان نصف المشهد الآخر الذي لم يخرج إلى العلن يتمثل بقيام زهران علوش بدور حصان طروادة على أن تتقدم قوة قوامها (45-50) ألف مقاتل من العمق الأردني تحت أي مسمى كان، وليكن القوة العربية المشتركة مثلاً والتي أقرت في قمة شرم الشيخ 28/3/2015، هذا الجزء لم يظهر إلى العلن نتيجة لفيتو مصري وضعته القاهرة على مشاركة قواتها في سيناريو من هذا النوع هذا بالإضافة إلى أن عمّان أيضاً لم تعط إشارة OK لانطلاق تلك العملية لاعتبارات باتت معروفة.
ضاق صدر أردوغان بتلك الدمى السياسية التي تعيش في كنفه ليتلاقى بذلك مع موجة جديدة بات آل سعود يعملون عليها وتتضمن توسيع البترودولار لدوائر استقطابه كبديل وحيد لاستمرار الكيان السعودي وسط هذه الأعاصير التي باتت تتقاذفه من كل حدب وصوب، في الوقت الذي تتزايد فيه أوجاع الرياض بدءاً من تخفيض تصنيفها لتصبح في وزن الريشة ما بعد لوزان 2/4/2015، وصولاً إلى حالة تخلٍّ إقليمية ودولية لم يسبق لها أن كانت بهذا الحجم دفعة واحدة فيما الهواجس السعودية تنبع من أن تكون تلك الحالة ناتجة عن مراجعة عامة أفضت إلى تلك السياسات التي وجدت الرياض نفسها في مواجهتها.
عمد أردوغان إلى تأييد عاصفة الحزم إلا أنه عمد أيضاً إلى إسداء النصح إلى آل سعود الذين أخطؤوا في ذلك الخيار «كأنهم يقاتلون على أرضهم وفي عقر دارهم» على حين إن الخيار الصحيح هو الذهاب بعيداً في خيار الحرب هناك في سورية، ولربما كان لذلك أثر «ما» في ذهاب الرياض إلى الإعلان عن وقف عاصفة الحزم في 21/4/2015 بعدما حققت «أهدافها» والتي قامت من أجلها كما يقول البيان العسكري الصادر في ذلك اليوم، ونحن إذ نؤكد ذلك (تحقيق أهدافها) يمكن لنا أن نسوق دليلاً كبيراً بل قاطعاً على ذلك عندما قام الرئيس اليمني الفار هادي عبد ربه منصور بتوجيه خطاب إلى «شعبه» 22/4/2015 من الرياض كمؤشر لا غبار عليه لنجاح الرياض في إعادة «الشرعية» التي عملت على إعادتها عبر تلك الحرب.
اليوم بات من الممكن القول: إن الهجمة التركية- السعودية قد تم استيعابها واحتواؤها مما يمكن تلمس آلياته في الزيارة التي قام بها وزير الدفاع السوري إلى طهران في 28/4/2015 دون أن يعني ذلك زوال حالة الخطر المتأتية من وقوع آل سعود وكذلك أردوغان في عنق الزجاجة الذي بات يضيق كلما تقدما أكثر.
كشفت عاصفة الحزم عن جيش سعودي يضرب في اليمن ويهدد في سورية وهو لا يفعل الشيء نفسه في مواجهة احتلال إسرائيل لجزيرتي (تيران وصنافير) السعوديتين منذ العام 1967 بل على العكس فقد عمد آل سعود إلى تغييب ذلك عن الشارع السعودي بل العربي أيضاً في مؤشر يقرأ على أن مفهوم السيادة السعودية هو أمر يحدده الأسياد الأميركيون.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن