سوتشي وحرب الاستنزاف
| رفعت البدوي
نجحت الدبلوماسية الروسية باستضافة أكثر من 1500 شخصية سورية من مختلف الاتجاهات السياسية في مدينة سوتشي وذلك تحت عنوان: «مؤتمر السلام للشعب السوري» صدر في ختام أعماله بيان أكد ثوابت الدولة السورية ورفض أي صيغ فدرلة أو تقسيم لسورية.
إذاً نجح المؤتمر في تحقيق الأهداف التي انعقد من أجلها، وسجل اختراقاً سياسياً هو الأول من نوعه منذ أن بدأ البحث عن إيجاد مخرج سياسي للأزمة في سورية.
وذلك على الرغم من محاولات واشنطن المتكررة لعرقلة انعقاد المؤتمر في روسيا وتعطيل نجاحه، ولو استعرضنا عوامل النجاح للمؤتمر نلحظ التالي:
1- الحضور الواسع لمختلف الأطياف السياسية السورية التي مثلت أوسع مروحة لتمثيل الشعب السوري، وهو أمر افتقدته مؤتمرات جنيف التي اقتصر الحضور فيها على منصات الرياض والقاهرة وموسكو، في ظلّ غياب لتمثيل الأحزاب والقوى السورية في الداخل.
2- الدول الراعية للمؤتمر هي، روسيا وإيران وتركيا التي اتفقت على ضمان هذا الحضور الواسع وإنجاح المؤتمر على أساس تطبيق تفاهمات فيينا وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وهنا تجدر الإشارة إلى أن مقاطعة واشنطن والجماعات الموالية لها لمؤتمر سوتشي أسهمت في تسهيل نجاح المؤتمر والتوصل إلى اتفاق انطلاقاً مما تضمّنه قرار مجلس الأمن ومقرّرات فيينا وهو ما كانت تدعو إليه الدولة السورية دائماً والتقيد به رافضة أي محاولة لفرض صيغ تمسّ سيادة واستقلال الدولة السورية وحق الشعب السوري حصراً في تقرير مصيره من دون أي تدخل خارجي.
3- إن المقرّرات التي صدرت عن المؤتمر جاءت متلازمة مع الثوابت الوطنية السورية من ناحية الحفاظ على السيادة وحق الجيش والشعب والدولة السورية في العمل على تحرير الأرض السورية من الاحتلال الصهيوني وقوى الإرهاب التكفيري، كما أكدت ضرورة الحفاظ على وحدة سورية والحفاظ على مدنية الدولة السورية، كما أقرّ المؤتمر تشكيل لجنة دستورية لمناقشة الدستور «لكنها غير مقرّرة» إنما ترفع توصياتها للمؤتمر ومن ثم تُعرض الصيغة النهائية على استفتاء الشعب السوري للموافقة أو رفض التوصيات المقدمة من اللجنة.
صحيح أن المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، الذي اضطر إلى حضور المؤتمر ولو كان حضوره متأخراً، بيد أن مسعاه لأن يكون رئيساً للجنة الدستورية باء بالفشل نتيجة اعتراض الوفد السوري لأن ذلك يتعارض مع احترام سيادة سورية واستقلالها.. انطلاقاً من ذلك كله فإن سوتشي وما تمخّض عنه يعتبر بمنزلة مسار تأسيسي للحلّ السياسي لإنجاح جنيف الذي سيشكل صفعة قوية بوجه أميركا.
بيد أن أميركا استمرت في سياسة الترهيب باتباعها أساليب الكاوبوي والبلطجة بهدف تعطيل أي نجاح دبلوماسي أو تقدم عسكري في سورية لا يتطابق مع مصالحها الهادفة إلى تأمين أمن العدو الإسرائيلي.
من ناحيتها أخرجت واشنطن من أدراجها ملف الأسلحة الكيميائية لترفعه من جديد بوجه الدولة السورية التي تراكمت انتصاراتها في الميدان العسكري.
أما رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فقد قصد موسكو للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمرة السابعة منذ دخول روسيا وقواتها العسكرية إلى سورية مستنجداً وشاكياً من تعاظم قوة الجيش العربي السوري وتمكنه من تحقيق الانتصارات المتوالية ومتباكياً في الوقت عينه من تعاظم قوة حزب اللـه والنفوذ الإيراني في سورية.
بدوره وزير حرب العدو الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان اعتمد الأسلوب الأميركي ذاته أي التهويل والوعيد بضرب القواعد الإيرانية في سورية ولبنان في آن واحد وذلك للضغط على روسيا وسورية وبهدف إعادة خلط الأوراق من جديد.. لكن كل المؤشرات والمعلومات والدلائل تقول إن أياً من أميركا أو إسرائيل لا ترغبان ولا تمتلكان القدرة على الذهاب نحو المواجهة المفتوحة وذلك لأن توازن الردع الذي يمتلكه محور المقاومة بات يشكل الهاجس والرادع الأكبر لأميركا وللعدو الإسرائيلي معاً.
إسقاط طائرة سو25 الروسية في شمال منطقة إدلب ومقتل قائدها وإطلاق الأكراد صواريخ الكورنيت المضادة للدبابات، ليس من قبيل المصادفة بل هو فعل أمر مباشر من دوائر البنتاغون «رغم النفي الذي صدر عن البنتاغون» ورسالة أميركية إسرائيلية واضحة تعبّر عن رفض أميركا وإسرائيل نتائج سوتشي التي أفضت إلى تعزيز نجاحات الدولة السورية في بسط سيطرتها على معظم الأراضي السورية عسكريا إضافة إلى الاستفراد الدبلوماسي والعسكري لروسيا الدولة الراعية لمؤتمر سوتشي.
خلاصة القول إن أميركا والعدو الإسرائيلي لم يعد بإمكانهما قلب المعادلة الجديدة ولا يمكنهما تغيير نتائج مؤتمر سوتشي الذي توج بانتصار سورية الدولة وفي تثبيت الرؤية السورية بالحل السياسي السوري السوري المتزامن مع استمرار الحرب على الإرهاب المدعوم من أميركا وإسرائيل والسعودية.
قطار سوتشي أطلق صفارة الانطلاق أما واشنطن وحلفائها في المنطقة فنستطيع القول إنهم فقدوا ميزة ترف الخيارات كما أنهم فقدوا إمكانية تجيير القوة العسكرية الإسرائيلية لمصلحتهم وخسارة مجمل الأوراق السعودية وخوفاً من توازن الردع وميزان القوى الإستراتيجي الذي يمتلكه محور المقاومة فإن المتوقع في المرحلة القادمة لجوء كل من أميركا والعدو الإسرائيلي إلى العمل على استمرار الأزمة السورية لأطول وقت ممكن بهدف إبطاء قطار سوتشي باعتماد حرب استنزاف من العيار الثقيل ليس في سورية فقط بل في الدول الراعية لمؤتمر سوتشي.