اقتصاد

تلفريك «سياحوسياسي»

| علي محمود هاشم

رغم ما يعكسه «تلفريك» منطقة «السمرا» في ريف اللاذقية الشمالي من اتخاذ الحكومة قرارها بالمضي في تطلعاتها التنموية لأبعد من الأفق الذي أغلقته الحرب على سورية، إلا أن المشروع الذي يتحلق حوله فضاء سياحي متكامل للمنطقة، إنما يجسد قطعة بازل كبيرة من اللوحة الزئبقية لحرب الطاقة شرق المتوسط.
«السمرا»، أقصى التخوم السورية على الحدود مع تركيا، كان مقدراً لها في سني الحرب الأولى لعب دور المقطع الأخير في «تلفريك نفطي» فرنسي تركي تنطلق شحناته المسروقة من حقول «دولة كردية» وما خلفها من غاز خليجي، لتنتهي في مصب على المتوسط.
هذا السيناريو الذي أطّر التفاهمات الفرنسية التركية للأعوام الثلاثة التالية لتوقيعه في 2011 بتنسيق تآمري مع ميليشيات «كردية» و«تركمانية» وتكفيرية تُشكَّل تم احتطابها لتشكيل قوس بشري يمتد من شمال العراق وحتى السواحل السورية، لم يلبث أن سقط مع تحرير مدينة كسب عام 2014 قبل أن يتمدد في قبره الضيق مع تطهير كسب وحلب ومعظم ريف اللاذقية الشمالي، في العامين التاليين.
«تلفريكنا» في «السمرا» اليوم، يُقوّم سياسياً كترسيم سياحي نهائي لحدود أحلام المشغلين السابقين للتنظيمات الانفصالية «الكردية والتركمانية»، إلا أنه يتمظهر أيضاً، وبلغة «سياحوسياسية»، كإجابة عن محاولة الوريث البريطاني متزايد النشاط في شمالي سورية استنساخ الطبعة الثالثة من «قناطر نابوكو» لتمرير الغاز الخليجي نحو أوروبا، بعدما أغرقت روسيا منابع ومسارات نسختها الأولى عند بحر قزوين، في عمق جدل قانوني «بيزنطي» حول تسميته المناسبة: بحيرة أم بحراً، قبل أن يدفن الجيش العربي السوري وحلفاؤه، دواعش الحدود العراقية وأحلام تمرير «نابوكو الثاني» على أنقاض جغرافيتنا الوطنية، سوية في رمال البادية.
إلى الخلف من «السمرا»، ما زالت مشهدية حرب الغاز على تبدلها المضطرد دافعة أمامها مزيداً من التبدلات السياسية والعسكرية شرق المتوسط، هناك، وبقليل من التخيّل، قد يجد المرء تفسيراً مناسباً للتوقيت التركي في الحرب على عفرين.
فمع انغلاق الجغرافية السورية أمام «نابوكو الثاني والثالث»، وكذا التركية بعدما باتت ممراً لقناطر «السيل الجنوبي» الروسي المنافسة نحو أوروبا وتحييد قدرة أنابيب «تاناب» التركية البريطانية الممتدة من إذربيجان إلى اليونان، قد تكون عيون الغرب تفحّصت -في لحظة الهزيمة- لواء إسكندرون كممر محتمل لأنابيب «نابوكو الرابع».
هذا الإقليم السوري السليب المرشح ليكون محط اهتمام قانوني خلال العقد القادم، يجسد انقلاب السحر على «تاجر إسطنبول» الآيل من شريك أساسي سابق في اصطناع كيان كردي شمالي سورية إلى عدو لدود له راهناً؟!، العدوان على عفرين، يرتصف في لمحة منه كرد استباقي استنهض العسكرة التركية بموروثها الأتاتوركي والعثماني معاً، لمواجهة مشروعات «نابوكو» البريطانية الأميركية الجديدة.. لربما هاهنا فقط، أيقنت كاريزما الغدر الإخوانجية التركية الشهيرة بأن طُرق أبواب دمشق التي ما زالت تحتفظ ببعض مفاتيح لواء إسكندرون، هو الطريق الوحيد للصلاة الحقّة في مسجدها الأموي، لا التسلل كاللصوص من فوق «أساطيحه».
راهناً، ما زالت خرائط ممرات الطاقة شرق المتوسط عالقة كما كانت عليه في عامي 2010 و2011، يزيدها تمنّعاً جملة التبدّلات الدرامية في الاصطفافات الإقليمية بما فيها العداء التركي المستجد «للتطلعات الكردية» الانفصالية، وانعكاسه على قنوات تمرير النفط والغاز السوري المسروق شمالاً بعدما كان ميناء جيهان التركي أبرزها، كما الغموض الذي يلف مصير نفط وغاز «كردستان» الذي استفاقت الولايات المتحدة وبريطانيا قبيل استفتائه الشهير، على اختراقه بمليارات الدولارات، استخراجاً وأنابيب، عبر الذراع الاستثمارية الروسية «روسنفط»، قبل أن تذهب بريطانيا «الاستعمارية» مؤخراً لاستلهام إستراتيجية موسكو بمواجهة «نابوكو الأول» عبر «العقود الآجلة لغاز بحر قزوين»، واستنساخها تفرّداً –أي بريطانيا- بحقول «كركوك» بعد نصف قرن على تأميمها منها، قطعاً للطريق أمام «روسنفط».
على أرض العراق اليوم، ثمة كباش طاقوي، انتخاباته القادمة في أيار، قد تفصح عن بعض ملامح معركة قناطر الطاقة شرق المتوسط، وفي مقدمها اتفاقات 2008 السورية العراقية الإيرانية بمعاودة ضخ النفط في أنبوب «كركوك/بانياس/ طرابلس»، في مقابل ممرات انتقامية أخرى تفتقر إلى الاستثمارية، يسعى الغرب عبر بعض عملائه في السعودية والبصرة العراقية، إلى ترحيلها جنوباً نحو الأردن، فالاحتلال الإسرائيلي.
بغض النظر عن أهميته الاقتصادية، يجب بتلفريك «السمرا السياسي» المضي سريعاً لنقل السياح في أرجاء تلك البقعة الفريدة جمالاً، إذ يشعر المرء برغبة جارفة في ركوب إحدى كبائنه قريباً ليعاين واحدة من ملاحم الانتصار على أوقح المشروعات الغربية شرق المتوسط وأكثر دموية، ولا ضير من المرور على قبر «نابوكو الثالث» هناك، والاستجابة لنداء الطبيعة في ترطيبه.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن