المعلقات العربية الشعرية لم تعلق على جدار الكعبة … المفتي: لا يرفع من مقدارها إن كتبت بماء الذهب أو لم تكتب.. ولا يعني شيئاً إن علقت على جدار الكعبة أو لم تعلق
| سارة سلامة
اختلف الكثير من الأدباء على تسمية قصائد «المعلقات»، البعض منهم قال إنها علقت بأستار الكعبة لتعظيمها وتفخيمها، ومنهم من قال علقت لأنها اعتبرت شيئاً نفيساً فسمّيت به، وخاصة أن الشعراء في الجاهلية كانوا يتبارون في سوق «عكاظ»، فإذا أحب الملك قصيدة قال: «علقوها وأثبتوها في خزائني».
وفي متابعة لسلسلة الأغاليط التي يكشفها الباحث الدكتور أحمد المفتي كانت ندوة هذا الشهر بعنوان: «المعلقات العربية الشعرية لم تعلق على جدار الكعبة»، الندوة التي ينظمها المركز الثقافي العربي في أبو رمانة كانت بحضور معاون وزير الثقافة علي المبيض وعدد من الحضور والمهتمين، ويذكر أن هذه الندوة ستقام شهرياً وموضوعها القادم سيكشف أن شامبليون ليس أول من حلّ الرموز الهيروغريفية بل سبقه أحمد ابن وحشية النبطي بـ800 عام.
إيضاح الثقافة السورية
وفي تصريح خاص لـ«الوطن»: قال معاون وزير الثقافة علي المبيض: «إن الندوة تندرج ضمن سلسلة ندوات تقيمها الوزارة من خلال مديرية ثقافة دمشق تحت عنوان «أغاليط في التاريخ»، وهذه الأغاليط اعتاد الناس تداولها من دون تدقيقها والندوة تأتي لسوق أدلة وتفنيد هذه الأغاليط، أما العنوان اليوم فكان باسم «المعلقات العربية الشعرية لم تعلق على جدار الكعبة»، المعلقات السبع أو العشر حسب بعض الروايات، ويسوق الباحث في هذه المحاضرة عدة أدلة على هذا الموضوع.
ويضيف المبيض: «إن الندوة في الشهر الماضي كانت حول رباعيات الخيام المشهورة التي غنت مقاطع منها سيدة الغناء العربي أم كلثوم وهي ليست للشاعر عمر الخيام وأيضاً كانت بوجود أدلة على هذا الكلام، ووزارة الثقافة تسعى عبر مهامها المنوطة بها إلى نشر الثقافة وتوسيع دائرة المعرفة لدى الجمهور المتلقي السوري والثقافة بمفهومها المطلق على اختلافها سواء كانت سينما أم مسرحاً وأدباً وراية وفناً تشكيلياً، وعلى اختلاف الفئات العمرية لدى المجتمع السوري وهذا من أولى مهامها التي تسعى وتصر على نشرها وإيضاحها وإيضاح الثقافة السورية الأصيلة التي تعتبر مكوناً رئيسياً للشخصية والهوية السورية».
المعلقات لم تعلق
ومن جانبه أكد الباحث أحمد المفتي: «أن المعلقات لم تعلق على جدار الكعبة وهذه القضية بحثت من قبل ولكن حينما ندرسها فلا بدّ لنا بداية من شرح معنى كلمة المعلقات لغوياً فهي اسم مفعول للمؤنث وجاءت من كلمة علق والعلق هو النفيس، وأول من جمع هذه القصائد السبع حمّاد الراوية وهو لم يقل عنها إنها كتبت بالذهب وعلقت على جدار الكعبة حتى جاء ابن عبد ربه الأندلسي فأضاف لوصف حمّاد الراوية الذي قال عنها القصائد المعلقات أي النفائس والمذهبات، وأضاف الأندلسي إنها كتبت بماء الذهب وعلقت على جدار الكعبة ونحن حينما ندرس مواد الكتابة التي كانت في عصر الرسول نلاحظ أن مواد الكتابة كانت مواد بدائية فالقرآن هو أول كتاب كتب ودوّن وعندما ندرس التدوين نلاحظ أن القرآن كتب على مواد مختلفة من العظام وسعف النخل ولا يمكن أن نكتب قصيدة لامرئ القيس أو لزهير أبي سلمى، وهي من قصائد طوال، بماء الذهب ونعلقها على الكعبة».
وأضاف المفتي: «إنه ومن هذا المنطلق هناك رأيان حول هذا البحث رأي بعض الأدباء الذين تحزبوا إلى أن المعلقات علقت على جدار الكعبة على حين هناك مجموعة كبيرة وعلى رأسهم شوقي ضيف في العصر الحديث الذي يقول: إن من يقول إنها كتبت بماء الذهب وعلقت على جدار الكعبة فإن هذه خرافة وأساطير لا يمكن أن ترقى إلى الحقيقة، والقصائد الشعرية هي قصائد من عيون الشعر وتصف الحياة العربية والبيئة فلا يرفع من قيمتها أو يغض من قيمتها أن كتبت بماء الذهب وأن علقت على جدار الكعبة لأنها تبقى في الذاكرة وهي مذهبة خلال فترة طويلة جداً وحملت البيئة والحياة العربية».
وأوضح المفتي: «إن المعلقات السبع وتارة العشر أو أكثر هي قصائد جاهلية لشعراء جاهليين، وذات قيمة كبيرة وتمثل عيون شعر الشعراء الذين نظموها ولا يرفع من مقدارها أن كتبت بماء الذهب أو لم تكتب، ولا يعني شيئاً أن علقت على جدار الكعبة أو لم تعلق، ويكفي أنها علقت في وجدان الإنسان العربي، وأصحابها هم كل من: (امرئ القيس، طرفة بن العبد، زهير بن أبي سلمى، لبيد بن ربيعة، عمرو بن كلثوم، عنترة بن شداد، الحارث بن حلزة اليشكري)، مبيناً أن شوقي ضيف قال فيها: (أما ما يقال من أن المعلقات كانت مكتوبة ومعلقة في الكعبة فمن باب الأساطير، وهو في الحقيقة ليس أكثر من تفسير فسره المتأخرون لكلمة المعلقات ولو انتبهوا إلى المراد منها ما لجؤوا إلى هذا الخيال البعيد)».
وأفاد المفتي: «أنه قيل عنها المعلقات لأنها مثل العقود النفيسة تعلق بالأذهان، وكان حمّاد الرواية أول من جمع القصائد السبع وسماها المعلقات (يعني السمّوط) وهي أعذب ما قاله العرب، وهي المال الذي يكرم عليك، هذا عِلق مضنّة، والعلق النفيس من كل شيء، وفي حديث حذيفة: (فما بال هؤلاء يسرقون أعلاقنا أي نفائس أموالنا)، والعلق هو كل ما علّق، والناظر للمعنيين اللغوي والاصطلاحي يجد العلاقة واضحة بينهما فهي قصائد نفيسة ذات قيمة كبيرة بلغت الذروة في اللغة وفي الخيال والفكر والموسيقا وفي نضج التجربة وأصالة التعبير من غزل امرئ القيس وحماس المهلهل، وفخر ابن كلثوم، والمعلقات هي سبع وتضاف إليها ثلاث لتصبح عشر معلقات والسبع هي: قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ ومَنْزِلِ «امرؤ القيس»
لخولة أطلال ببرقة ثهمد «طرفة بن العبد»
آذَنَتنَـا بِبَينهـا أَسـمَــاءُ «الحارث بن حلزة».
أَمِنْ أم أَوْفَى دِمْنَـةٌ لَمْ تَكَلَّـمِ «زهير بن ابي سلمى»
أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَأصبحيْنَـا «عمرو بن كلثوم»
هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ منْ مُتَـرَدَّمِ «عنترة بن شداد»
عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا فَمُقَامُهَـا «لبيد بن ربيعة».
ويضاف أيضاً إلى تلك القصائد ثلاث أخرى، لتسمى جميعها المعلقات العشر وهي:
ودع هريرة إن الركب مرتحل، لـ«الأعشى»
أقفر من أهله ملحوب، لـ«عبيد بن الأبرص»
يا دار مية بالعلياء فالسند لـ«النابغة الذبياني»
وفي شرح الحسين بن أحمد الزوزني المتوفى 486هـ، الذي شرح المعلقات السبع، قال إنها كانت تكتب على الرق وتعلق على عمود الخيمة».
وبين المفتي من كان مع هذه المقولة ومن أنكرها، أما من كان معها فأولهم هو: ابن عبد ربه 328هـ: وقد بلغ من كلف العرب به أي الشعر وتفضيلها له أن عمدت إلى سبع قصائد ميزتها من الشعر القديم فكتبها بماء الذهب في القباطي المدرجة وعلقها على أستار الكعبة، فمنه يقال مذهبة امرئ القيس ومذهبة زهير والمذهبات سبع وقد يقال لها المعلقات، ابن رشيق في العمدة: وكانت المعلقات تسمى المذهبات لأنها اختيرت من سائر الشعر، فكتبت في القباطي بماء الذهب وعلقت على أستار الكعبة، وكذلك قال ابن خلدون، أما من أنكر ذلك: أبو جعفر النحاس النحوي 338ه، ويسميها القصائد السبع المشهورات، الدكتور شوقي ضيف: أما ما يقال من أن المعلقات كانت مكتوبة ومعلقة في الكعبة فمن باب الأساطير وهو في الحقيقة ليس أكثر من تفسير فسره المتأخرون لمعنى كلمة المعلقات ولو أنهم تنبهوا إلى المعنى المراد بكلمة المعلقات ما لجؤوا إلى هذا الخيال البعيد، المقلدات والمسمطات: استنكروا لما للكعبة من الاحترام والقدسية، وقال محمد حسن الزيات: تعليق الأمور الصعبة الصحائف الخطيرة على الكعبة فمنها تعليق قريش الصحيفة التي وكدوا فيها على أنفسهم مقاطعة بني هاشم، وتعليق الرشيد عهده بالخلافة إلى ولديه الأمين فالمأمون، وأول من ورد هذا الاسم في كتابه هو أبو زيد القرشي فقسم القصائد المختارة المسماة جمهرة أشعار العرب إلى أقسام وجعل لكل قسم درجة، وأول من أنكر تعليقها بأستار الكعبة هو أبو جعفر النحاس النحوي (338ه)، فلذلك هو يسميها بـ«القصائد السبع المشهورات»، ثم أفاض بعضٌ من المستشرقين في الكلام على هذا، وعلى رأسهم الألماني نولدكي».
صيغة مبالغة
وبدوره قال الفنان التشكيلي محمد غنوم: «إن الأغاليط كما نعلم هي صيغة مبالغة وهناك معلومات متداولة وهي شبه مسلمة للناس ليأتي أحمد المفتي ويفاجئنا أن هذه المعلومات مغلوطة وغير صحيحة وعرضت قبل ذلك على التلفزيون ولكن طرحها مهم أيضاً في المركز الثقافي لما يتخلله من نقاش مع الجمهور».