البحث عن مخرج
| مازن جبور
مازالت الحرب على سورية تشهد تغيرات مستمرة، فبالنسبة للولايات المتحدة، سيتطلب انسحابها اتخاذ خيارات قاسية، وستزداد مسألة وجودها على الأرض السورية تعقيداً على المدى القصير، أما على المدى الطويل، فإن النتيجة واضحة، ستنتصر الدولة السورية على الإرهاب وجميع القوى المسلحة الأخرى المتبناة أميركيا، وبالتالي فإن التحدي الرئيسي الماثل أمام واشنطن الآن هو أن تُقرّ بذلك النصر، وأن تغادر سورية وفقاً لشروط «مقبولة» تحفظ لها ماء الوجه.
لقد تسبب العدوان التركي على منطقة عفرين، بحصول نقاشات حول الاستراتيجية الأميركية في سورية، وخاصة حول ما إذا كان بإمكان واشنطن موازنة علاقاتها بتركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي «الناتو»، وكذلك بالسوريين الكرد، الذين شكلوا ما يمكن تسميته «القوات البرية الأميركية على الأرض».
إن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن سياسة جديدة في سورية، تلتزم بموجبها القوات الأميركية بالبقاء في شمال شرق سورية تحت ذرائع من قبيل الاستمرار في قتال داعش والتصدي لأية محاولة تقدّم قد تقوم بها القوات السورية باتجاه تلك المنطقة، هو تذرع لا يستطيع أن يخفي أن الهدف من الوجود العسكري الأميركي هو زيادة نفوذ واشنطن في محادثات جنيف التي تتم برعاية الأمم المتحدة، حيث تدفع واشنطن باتجاه اتفاقية يمكن أن تخرج بحل يكفل لها الخروج من سورية بماء الوجه.
ونظراً، لأن الولايات المتحدة وتركيا لا تعملان بالفراغ في سورية، فقد برهنت تجاذباتهما الأخيرة، مضافا إليها تجاذبات كل منهما مع روسيا، أن «قوات سورية الديمقراطية- قسد» لا تعدو كونها محور صفقة أو تفاوض بين القوى الثلاث السابقة.
إن القضية التي تحتاج للمعالجة على المدى البعيد، بالطبع، هي أن القوات العسكرية الأميركية لن تبقى في سورية بشكل دائم، إذ إن مسار الصراع يشير بوضوح إلى انتصار الجيش العربي السوري، مع بقاء جيب صغير، تديره تركيا، يربط عفرين مع شمال حلب الذي تحتله أنقرة، يحيط به الجيش العربي السوري والقوات الرديفة، وستبقى الحدود بين تركيا و«قسد» في توتر دائم.
وفي وقت قد يسعى فيه الكرد للدخول بتسوية مع الدولة السورية على أساس المجالس المحلية التي تدير المدن السورية، قد يأتي التحدي الذي يواجه هذه الصفقة من المكون العربي في «قوات سورية الديمقراطية»، إلا أن هذه الميليشيات العربية ضعيفة ويمكن أن تدفعها «وحدات حماية الشعب» الكردية للقبول بسلام من خلال التفاوض، إلا أن كل المؤشرات التي تخرج عبر رسائل الحكومة السورية المباشرة وغير المباشرة تدل على أن «اللامركزية» بعيدة المنال على الكرد.
يمكن أن تشاطر روسيا «وحدات حماية الشعب» الكردية بعض المصالح في التوصل إلى اتفاق ما، ومن هنا يمكن لموسكو أن تكون لاعباً رئيساً يساعد في التوسط في اتفاقيات مع الكرد السوريين، وبالتالي فإن سلاماً من خلال المفاوضات هو الطريق الوحيدة أمام الولايات المتحدة ليكون هناك استقرار في شمال شرق سورية، وهنا يمكن أن تتداخل مصالحها على نحو دقيق مع مصالح موسكو.
وانطلاقاً مما سبق فإن مسار الشمال واضح أمام الولايات المتحدة للانسحاب عبر تسوية تتم من خلال التفاوض بين الكرد والحكومة السورية، إلا أن المضي قدما من موسكو في الحل السياسي السوري، وهو ما بدا جلياً عبر مؤتمر «سوتشي»، كبح رغبة كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بأن تطالب شريكتها في «الناتو»، تركيا، بالانسحاب من معركة عفرين، نظراً لأن الغرب، لا يمكن له أن يتحمل خسارة الدعم الدبلوماسي التركي، فقد شكلت أنقرة جداراً رئيسيا في مواجهة أي حل روسي، وبالتالي فإن انشغال تركيا بالكرد على حدودها قد يدفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى عقد صفقة مع موسكو، فإذا وقفت تركيا بجانب موسكو بدلاً من ذلك، ستكون روسيا قادرة على المضي قُدماً بحلها السياسي في سورية، وهو ما سيحرج واشنطن كثيراً.