ضربة شمس!
عصام داري :
قررت وأنا بكامل قواي العقلية عدم كتابة زاويتي في «الوطن» لأسباب كثيرة ومثيرة، ومن هذه الأسباب:
ارتفاع درجات الحرارة.. ارتفاع الأسعار التي تسابق درجات الحرارة.. انقطاع الكهرباء المتكرر والكيفي!! تجمد القلب.. غياب الحب.. هبوط سريع للأغنية العربية.. والسورية بصفة خاصة.. ضجيج المدن.. الهروب من الأرياف.. زحمة السير.. تفاقم الفساد.. ارتفاع نسبة الفقراء.. سرقة المال العام.. والخاص أيضاً.. شح المياه.. تصحر الأرض.
لن أكتب زاويتي هذا الأسبوع لأن جهنم أرسلت لنا موفدها ليشوينا ويحرقنا ويعيد تلوين بشرتنا وفق أحدث موضة البرونزاج الإجباري، وقد اكتشفت أن ارتفاع درجات الحرارة يصاحبه انخفاض حاد في نسبة الإبداع، في الكتابة والرسم والموسيقا وفي كل الفنون.
وبما أنني فقدت الكثير من التركيز فسأكتب أي عبارة تتبادر إلى ذهني من دون تدقيق، وهذا الأمر يعيدني إلى سنوات بعيدة خلت ربما منذ ربع قرن، عندما كنت أكتب زاوية في مجلة الشهر اسمها «حديث حشاش».
وأعترف أنني لطشت عنوان الزاوية من الصحفي الكبير الراحل حبيب كحالة، صاحب مجلة المضحك المبكي التي بدأت في ثلاثينيات القرن الماضي، وحتى الستينيات.
ولأن الحشاش معذور في كل ما يقول، فيحق لي أن أنتقد الإعلام والثقافة والفن والاقتصاد والسياحة وجشع التجار وفجر الفجار وأداء حكومتنا المهضومة في الكثير من قراراتها.
قالوا لنا إننا في حالة حرب! شكراً لهذه المعلومة التي كانت غائبة عن أذهاننا، وفي حالة الحرب يحدث كل شيء، المعقول واللامعقول، وعلى المواطن أن يتحمل ويتمتع بالصبر، وها نحن صابرون حتى ملّ الصبر منا، لكن كي يتحمل المواطن ويصبر يجب أن يشعر أن كل السوريين يعيشون حالة الحرب تلك، وليس فقراء سورية فقط الذين يتحملون حالة الحرب، في حين يعيش المترفون حالة الدعة والرفاهية حتى في حالة تقنين الكهرباء!.
الفقراء هم الذين يدفعون ضريبة الدم ويدافعون عن تراب الوطن، والأغنياء يهربون أموالهم وأولادهم إلى الخارج هرباً من واجب خدمة هذا الوطن، وغداً عندما يسجل الفقراء النصر، سيعود الأغنياء لقطف ثمار ذلك النصر، ويكتفي الفقراء بالجلوس في الصفوف الخلفية يدفعون الضرائب عن طيب خاطر، ويتركون طبقة الفاسدين والمفسدين «تشفط» خيرات الوطن حتى آخر قطرة.
يبدو أنني « عكّيت» ولكن عذري أنني مصاب بضربة شمس، وبأنني استعرت لغة الحشاشين، وتذكرت «حديث حشاش» وحننت إلى الماضي عندما كنت أدوّن كل ما يخطر على بالي، ولا تنسوا أنني اعتذرت عن كتابة زاويتي في «الوطن»، أي إن كل ما كتبته حتى الآن مجرد كلام في الهواء لا وجود له حقيقة، وأظن أن أحداً لن يحاسبني على ما خط قلمي، وأنا في غاية الاطمئنان، فلا أحد سيقرأ، وخاصة أننا في حالة حرب!!.
أتمنى أن تضربني الشمس بين الفينة والأخرى لأفقد الوعي مؤقتاً، وأن يزورني الجنِّي الذي يعطيني المفردات والجمل التي تؤهلني لكتابة «حديث حشاش» كي أمتلك الجرأة اللازمة لأضرب بسلاح الكلمات الذين لا تؤثر فيهم كل أسلحة الأرض، لأنهم فقدوا كل المشاعر والأحاسيس الإنسانية.
اقبلوا عذري فلن أكتب هذا الأسبوع ونلتقي في الأسبوع القادم.