أين دور المثقفين العرب؟ غابوا أم تغيبوا؟ … بحاجة إلى رؤية ثقافية تفضح نيات التعنت الطائفي والأحزاب الإسلاموية
| د. رحيم هادي الشمخي
الواقع أن الثقافة في وطننا العربي شأنها شأن المواطن الذي لا يستطيع أن ينتصر لنفسه ولو كان يملك حق هذا الانتصار إلا بعد أن يموت، وقتها سوف تجد أن المواطن العربي كان على حق وبمنتهى السخرية، وأين هو لكي نكرمه؟ الإجابة: أنه مات منذ سنوات مات..!
هذا المثقف الذي ظل يحلم ويحلم ويحلم حتى أدركته الأمية وهو يحلم، فبالأمس كان مثقفاً واليوم أصبح أمياً، كيف ذلك؟
بالأمس ظل يقرأ ويكتب ويجمع في الكتب وينهل من هذا وذاك، وحينما أراد أن يفرغ ما بداخله من شحنات لم يجد من يقرأ له أو يسمع له فيناقشه، هناك أزمة حقيقية في وطننا العربي بسبب عدم الاجتهاد في الفكر وعدم تطوير الفكر، وإن حدث ذلك فالمفكر وهو المبدع يذهب بعيداً عن الوطن العربي فيختار أوروبا وأميركا أو بريطانيا ليعيش هناك لكي يهبط علينا زائراً أو يمتنع عن عرض أفكاره علينا، فقد تركنا وحينما عاد ليزورنا وجدناه يصفنا بالتخلف والترهل، والمصيبة الكبرى أنه لا يحمل أي جدل أو منهج علمي سليم على أساسه يخرجنا من هذا الضيم الفكري والثقافي الذي جاء به إلينا وكأنه لم يكن معنا بالأمس.
نعم أزمة فكر، فالمفكر العربي حينما يترأس صحيفة أو مجلة أو دار كتب يحمل قلمه فوق كتبه ذاهباً به إلى أهل السياسة ليعرض عليهم الود والمحبة فعرف من كل هذا وذاك أنه قد نال ما كان يتخيل.
إذاً لا طموح يملكه بعد أن أصبح زاوية مهمة في المجتمع، فتقام الحفلات باسمه، يطفئ شموع أعياد الميلاد في سهرات جميلة رائعة حتى الصباح.
نعم أزمة فكر، لأن المفكر العربي أصبح يرى أن الخروج عن النص قد يذهب به إلى سرايا المجانين بعد أن يفقد صوابه بسبب ما تعرض له من اضطهاد، لذلك 99.9 بالمئة من مفكرينا يفضلون ألا يتجاوزون الخطوط الحمراء. نعم أزمة مال لأن تكاليف المجلات والصحف أصبحت باهظة وأصبحت تصل إلى يد المستهلك والقارئ العربي بتكلفة تفوق طاقته، أما أزمة القراءة فهي لا تتمثل فقط في وجود نسبة لا بأس بها من الأمية في وطننا العربي قد تتجاوز الـ50 بالمئة من عدد السكان، هنالك أمية لدى الحاصلين على شهادات مدرسية، فالكثير من الحاصلين على الشهادات المتوسطة وفوق المتوسطة وربما العليا لا يعلمون أين تقع دولهم ووطنهم العربي على خريطة العالم.
والخلاصة التي يجب أن نقولها إن أزمة المثقف والثقافة العربية برزت بصورة كبيرة بعد احتلال العراق عام 2003 وتصاعد الحرب العدوانية الثقافية والفكرية على سورية والتآمر المكشوف على الدول العربية فيما يسمى الربيع العربي الذي يهدف إلى سلب الهوية العربية وإضعاف الشخصية العربية، وبذلك أصبح الفكر العربي في أزمة لا حول له ولا قوة في الإرادة الفكرية والثقافية فأثرت هذه الأزمات في المواطن العربي بصورة عامة والمثقف العربي بصورة خاصة.
وهكذا فالحياة العربية المعاصرة، من اختلاط الرؤية، واختلاف التصور، والحكم على الأمور من زاوية واحدة، وتلك الظاهرة تشكل مرضاً خطيراً ينتج عنه التخلف والضعف والإحباط.
والتساؤل المطروح: أين دور المثقفين، وهم مع كل جيل يشكلون حجر الزاوية نحو تحقيق أي تقدم في وجه التخلف والضعف والإحباط؟ فالمجتمع العربي بحاجة إلى رؤية ثقافية تفضح نيات التعنت الديني والطائفي والأحزاب الإسلاموية التي تشوه سمعة الأمة والمجتمع، ثقافة تحقق للمجتمعات العربية القوة بمفهومها الواسع المجرد والشامل، والقوة هنا تعني كل عنصر: سياسي، ثقافي، اجتماعي، تعليمي، صحي،.. الخ كي تصبح تملك القوة مظهراً لتحقيق التنمية البشرية ولو نظرنا إلى معاني نقاط القوة لوجدناها كالآتي:
– القوة الطبيعية التي تستند إلى العامل الجغرافي والسكاني والموارد الطبيعية.
– القوة المستندة إلى عوامل مكتسبة مثل: العامل الاقتصادي والتقدم العلمي والعسكري.
– القوة الثقافية التي تتعلق بالهوية والروح المعنوية والقيم الأخلاقية والحضارية.
عالمنا العربي في هذه المرحلة الخطيرة بحاجة إلى دعائم القوة، لأن الزمن هو خير حاكم، وهو الذي يدعو إلى السلام وتشغيل نظام اجتماعي عادل، والأمة تاريخها ثري منذ بدء الرسالة العربية الإسلامية وهي جزء من عالم اليوم، وفي الوقت ذاته تحمل على عاتقها عبء إبلاغ الرسالة.
إذاً الإخلاص العميق لثوابت هذه الرسالة ومبادئها الرفيعة يمثل أسس البناء في تجميع مجالات الحياة، والأمة بحاجة إلى تحقيق نجاحات شتى، من أهمها تطوير القاعدة الضائعة والانفتاح الثقافي، وتطوير السياسات الاجتماعية، وذلك لأن عصرنا هذا هو عصر التقدم في تاريخ الإنسانية وفريضة العصر في امتلاك سمة العصر بالنشاط الخلاق. إن عالمنا العربي أصبح بحاجة لفتح مجال واسع للتكامل الاقتصادي والعلمي والثقافي، وخاصة أن الأمة العربية تمتلك كل مقومات التكامل وتحت هذا الشعار يمكن دعم وتطوير العلاقات المتبادلة عربياً، وعلى المجتمع العربي أن يخطو إلى الأمام من أجل امتلاك جبهة متماسكة لتدعم قوة الدفاع الذاتي، ومواجهة دسائس أعداء وحدة العرب التي تريد أميركا وإسرائيل تدميرها بوساطة حشد مجاميع كبيرة من التكفيريين وتعبئة الإعلام الثقافي الذي يريد سلب الهوية العربية وتجزئة الوطن العربي.
ومن هنا فالسياسة والثقافة، كلتاهما لا تفرض الرؤية أو الهيمنة على حركة المجتمع العربي، حتى لا يختل التوازن بين القوة وجدلية الحركة، إذاً امتلاك البعد الثقافي يؤسس حركة وتحرر، ويساهم في تدعيم قوى المجتمع، والثقافة قوة متعاظمة من أجل البناء السياسي والحريات والديمقراطية وتوحيد صفوف الأمة، كما أن الثقافة إحدى مفردات التنمية البشرية التي تمثل توسيع الخيارات المتاحة أمام بناء الأمة بتحقيق حياة خالية من الملل، مع اكتساب المعرفة والحرية السياسية واحترام الإنسان لذاته ونشر الحياة المنتجة داخل الوطن العربي.