من دفتر الوطن

الخدعة

| وضاح عبد ربه

كلما نشرت مقالة في هذه الزاوية، اختارت الزميلة لارا توما (المديرة الفنية) الصورة أعلاه لترفقها بها.
هذه الصورة عمرها أكثر من عشر سنوات، أي من عمر «الوطن» ونشرها الآن بمنزلة خدعة بصرية للقارئ، وتحديداً للقارئات، في محاولة – غير مقصودة مني طبعاً- لإقناعهن أن رئيس التحرير شاب ولم يفقد شعره بعد، وأنه ينبض بالحياة كما هي سورية (تماشياً مع إعلانات معرض دمشق الدولي في دورته السابقة).
ومنعاً لأي صدمة عاطفية كانت أو قلبية، أعترف من خلال هذه الزاوية أنني لم أعد أشبه كثيراً هذه الصورة، وأنني فقدت ما يكفي من شعر ومن لياقة بحيث إن قلبي يكاد ينبض ليستمر في الحياة.
وسبق أن أعلنت في حفل الذكرى العاشرة لصدور «الوطن» أن الصحافة مهنة تُفقد الشعر، وأن أغلبية الصحفيين صلعان، علماً أنه ليس هناك أي دراسة علمية تربط بين المهنة وفقدان الشعر، لكن من خلال نظرة سريعة إلى رؤوس الصحفيين، من السهل استنتاج هذا الرابط، وخاصة المتزوجين منهم. والغريب في سورية أن الصحفيين وحدهم من يفقد شعره بهذه السرعة القياسية، وكذلك نسبة كبيرة من المتزوجين، فكيف إذا كان صحفياً ومتزوجاً في الوقت ذاته؟
ومن خلال قراءاتي المتعددة لهذه المصيبة إلا أنني لم أجد ما يثبت حتى الآن إن كان الصلع متعلقاً بالصحافة أو بالزواج أو بأمور أخرى نجهلها نحن معشر البشر.
ولكون الحديث عن الصحافة والإعلام، وليس عني – معاذ الله- فمن المفارقات اللافتة أن وزراء الإعلام الذين تعاقبوا على سورية – وما شا اللـه ويخزي العين- شعرهم كان كثيفاً في حين كانوا يقومون يومياً بإدارة جيش من الصحفيين من دون أن يتأثر عدد منهم بمصيبة الصلع. وأذكر أن وزير الإعلام الأسبق الدكتور الطبيب محسن بلال كان أكثر الوزراء كثافة في الشعر – ولا يزال- وكذلك الوزير عدنان محمود، الذي يحتفظ حتى يومنا هذا وهو سفيرنا في طهران، بكامل فروته الرأسية.
الوزير عمران الزعبي دخل إلى الوزارة بعدد محدود من الشعر وغادرها بالعدد ذاته، من دون أن يسمح لأي من الصحفيين والصحفيات، وللعمل الإعلامي بشكل عام، بالتأثير فيه. أما الوزير رامز ترجمان، فهو أيضاً كثيف الشعر نسبياً، فقد الكثير منه خلال فترة وزارته لعدة أسباب، أهمها الخلافات التي كانت قائمة مع عدد من زملائه في الحكومة الذين لو أتيحت لهم الفرصة آنذاك لما تركوا شعرة في رأسه.
الوزير الجديد عماد سارة يشبهنا، وهذا طبيعي لأنه آت من المؤسسة الإعلامية السورية وفقد شعره في وقت مبكّر من عمله في الإعلام حال الكثير منا، وأجزم أنه لن يغادر الوزارة وفِي رأسه شعرة واحدة نظراً للهجوم الشرس الذي تعرض له بعد استلامه المنصب بساعات.
وأيضاً الوزير مهدي دخل الله، بحكم عمله الصحفي قبل توليه المنصب، كان يشبهنا، لكنه أثبت لنا جميعاً ومشكوراً، أن الشعر ليس ضرورياً لسحر حسناوات سورية، فما أعرفه أنه تزوج بعد وفاة زوجته الأولى رحمها الله، وهو شبه خالٍ من الشعر، ما جعلني أتفاءل بأن السوريات لا يعلقن أهمية كبيرة على حجم فروة الرأس، وأنهن يبحثن عن المضمون لا عن الشكل.
الوزير عدنان عمران كان أيضاً ممن يشبهوننا نحن الصحفيين، لكنه كان دبلوماسياً وسفيراً قبل أن يكون وزيراً، وخلال مسيرته المهنية تزوج أيضاً وأثبت أن كثافة الشعر لا علاقة لها بالحب والزواج.
وللأمانة الصحفية، يجب أن أقول إن العمل الدبلوماسي يبدو له تأثيراته أيضاً في تساقط الشعر، والدكتور فيصل المقداد وعدد كبير من الدبلوماسيين السوريين ومنهم الدكتور بشار الجعفري خير مثال على ذلك، وهناك عدد آخر كبير لسنا بصدد تعدادهم، وبقي الوزير وليد المعلم بهدوئه وبرودة أعصابه محافظاً على الحد الأدنى من الشعر، وربما كان ذلك ضرورياً ومن باب الرمز إلى الإبقاء على «شعرة معاوية» في علاقات سورية مع الدول العربية والأجنبية.
وكي لا أستفيض في تعداد كل الأعمال التي تؤدي بشكل مباشر إلى تساقط الشعر في سورية، وحفاظاً على ما تبقى من شعر في رأسي، أكتفي بهذه المجالات، ولن أتفوه بكلمة تجاه العمل الأمني أو الحزبي، وبكل تأكيد لن أتطرق إلى رئاسة مجلس الوزراء أو إلى مكتب الأمن الوطني ولا إلى أعضاء القيادة القطرية «ذكرت فقط من كانا وزيرين للإعلام سابقاً»، وحكماً لن أتطرق إلى وزارة الداخلية وضباطها، أو الى بعض المشايخ والخوارنة والمطارنة والسادة الذين وجدوا طريقة للتهرب من هذه المصيبة من خلال اللفة التي يضعونها على رؤوسهم فتخفي الكثير عنهم.. وأضيف فقط: إن الحرب التي شنت على سورية كانت كفيلة بإسقاط شعر كل السوريين، لكن ولله الحمد، أخفقت في تحقيق أهدافها، وربما من آمن بالنصر من الساعات الأولى حافظ على فروته كاملة، أو على الحد الأدنى منها، بخلاف الآخرين، وانظروا إلى رؤوس المعارضات السورية لتتأكدوا من هذه النظرية المبتكرة التي توصلت إليها، وأنا أتابع نشرات أخبار القنوات المعادية طوال السنوات السبع الأخيرة!
وبالعودة إلى الصورة والخدعة، سيقول قائل، وهم كثر: إنه لا يليق بي كصحفي أن أخدع القارئ، لكون هذا الأمر من اختصاص المسؤولين. فهم أكثر من يخدع القرّاء من خلال تصريحاتهم «الرنانة» وإنجازاتهم «الوهمية». ولكي أثبت للقارئ وجهة نظر هذا القائل التي أحترمها، أذكر أنني منذ أسابيع حضرت ندوة خاصة شارك فيها عدد من الوزراء في حكومتنا العتيدة، وللوهلة الأولى، وأنا أستمع إلى «إنجازاتهم» و«خططهم» و«رؤاهم المستقبلية» اعتقدت أنني أعيش في سويسرا أو في الدانمارك وليس في سورية! وأن الحرب انتهت منذ زمن بعيد وبدأنا منذ سنوات إعادة بناء البشر والحجر وكدنا ننتهي من هذه المرحلة لندخل مرحلة إرشاد المواطن إلى كيفية إدارة محفظته المالية وتوجيهه لاستثمار الفائض من راتبه في الأسواق المالية والسندات الحكومية ليجني أكبر رقم ممكن من الأرباح وتزداد «بحبوحته» التي بات يتمتع بها في ظل النمو الاقتصادي المتسارع في بلدنا.
وأشكر الله وأحمده، أنه خلال هذه الندوة بالذات فتح المجال للمداخلات، فسمعت من ذكّر المحاضرين أننا في سورية وتحت الحصار وبحالة حرب، وأن أحداً من الحضور لم يستوعب كلمة واحدة مما قالوه، وأن أغلب الموجودين مدين بعشرات أو مئات الآلاف من الليرات السورية حفاظاً على الحد الأدنى من المستوى المعيشي له ولعائلته.
سامح اللـه الزملاء في القسم الفني على هذه الخدعة، وأرجو أن يوفقني الله، كما وفق الوزيرين مهدي دخل اللـه وعدنان عمران، ولا أقصد التوفيق بالعمل الوزاري، كي لا يساء فهمي وتنطلق الشائعات، بل في تجاوز مشكلة الصلع التي باتت تترسخ وترتسم في فروتي أكثر فأكثر.
أقول قولي هذا وأستغفر اللـه عسى ألا تقرأ أم الأولاد والمسؤولون هذه الزاوية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن