استقرار هش
| سامر علي ضاحي
عندما التقت مصالح أميركية أردنية إسرائيلية في جنوب غرب سورية، لم تجد موسكو في مواجهتها بداً من الاستماع بإنصات لهذه المصالح، ونتج عنها اتفاق هدنة، تبعه اتفاق لخفض التصعيد، ومن ثم اتفاقات مماثلة في شمال حمص والغوطة الشرقية في ريف دمشق، لتتمكن موسكو في وقت لاحق من إعادة اتفاقات خفض التصعيد إلى «أستانا» والخروج باتفاق جديد يخص محافظة إدلب، لا تزال بنوده غير واضحة وقراءاته مختلفة بين أطراف الاتفاق نفسها، ولو بشكل علني فقط.
وبدا لافتاً خلال الأيام القليلة الماضية التصعيد الميداني الذي اختتم بنجاح الدفاعات الجوية السورية بإسقاط فخر الطائرات الأميركية الإسرائيلية الـ«إف16» فوق الجولان المحتل، وانخراط سلاح الجو في الدفاع عن عفرين، ما يوفي بتصعيد خطير أضاف تعقيداً إلى زيارة وزير خارجية أميركا ريكس تيلرسون إلى المنطقة، وكانت ارتداداته سريعة أبرزها إعلان كازاخي ترحيل الجولة المقبلة من «أستانا» إلى آذار بعد أيام قليلة من إعلان مماثل لفت إلى انعقادها أواخر شباط الجاري.
يشير التأجيل بوضوح إلى أن خبراء الدول الضامنة للمسار «روسيا وإيران وتركيا» باتوا أمام معطيات جديدة للأخذ بها، في ملفات الاجتماع المقبل لعل أبرزها أن الولايات المتحدة ستحث الخطا لتمديد «خفض التصعيد» جنوباً، مدعومة بهواجس إسرائيلية أردنية زادت فيها خشية الاحتلال الصهيوني من وصول الجيش العربي السوري وحليفه الإيراني إلى خط وقف إطلاق النار في الجولان من جديد، بعدما عملت جاهدة على دعم ميليشيات مسلحة لإبعاده عن هذا الخط خلال الأزمة، على حين ما زالت عمان تتدارس الأعباء البديلة لمخاطر اجتياح الجيش السوري لمنطقة خفض التصعيد جنوباً وهروب متوقع لمسلحين إلى أراضيها ولاسيما أن عددهم يتجاوز 3 آلاف في درعا والقنيطرة، والأنباء التي تتحدث عن قيام فرع جديد لتنظيم القاعدة الإرهابي في الجنوب، والأردن يرزح أصلاً تحت عبء النازحين ولا يرغب في تنظيم إرهابي جديد على تخومه الشمالية يخشى معه أن يكون له موالون في الداخل الأردني، كما أنه لا يريد توتير الأجواء مع دمشق.
في الشمال ثمة حاجة أميركية ملحة إلى اتفاق لخفض التصعيد في عفرين وتسليم الحدود للجيش السوري لأن «غصن الزيتون» الذي يتأبطه رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان في عدوانه على عفرين يشي بضحايا من الأتراك والكرد، لا يمكن للطرفين تحمله على المدى البعيد، لكن مصالح أردوغان تتعارض مع وصول الجيش للحدود وهو الراغب في منطقة يرمي فيها اللاجئين السوريين والتخلص من عبئهم على بلاده.
كما أن واشنطن الحريصة على مصالحها الإستراتيجية في شمال شرق سورية لا تريد أن تجد نفسها في مواجهة مع أردوغان تدفعها للقبول بتمدد الجيش السوري إلى منبج أيضاً في حال نفذ أردوغان تهديداته باقتحام المنطقة، وهي التي وقفت ضد استعادة الجيش لحقل كونيكو للطاقة في دير الزور الأسبوع الماضي، ومن ثم يمكن التنبؤ بأن الإدارة الأميركية الفعلية حالياً تتجه نحو تثبيت الجبهات لأن من شأن ذلك الحفاظ على مكاسب جميع الأطراف.
يمكن ملاحظة أن حصالة المكاسب الروسية توقفت عند حدود إبرام اتفاقات مناطق خفض التصعيد، ولاسيما أن الروس في وضع أقل قوة اليوم في سورية عما كانوا عليه منذ عام، مقابل إدارة أميركية تزداد قوة، وتبدو مستعدة أكثر من سابقتها لضبط الصعود الروسي انطلاقاً من منطقة الشرق الأوسط، مستغلة الانشغال الروسي بالانتخابات الرئاسية المقبلة وتعالي أصوات من منافسي الرئيس الحالي فلاديمير بوتين تنادي بسحب كامل القوات من سورية، ولاسيما أن ملفات الجوار الروسي غير مستقرة ويمكن لواشنطن إشغال موسكو في أكثر من جبهة سياسياً وميدانياً، ومن هنا يأتي الدعم الكبير الذي أعلنت أنها ستقدمه لمسلحي المعارضة وكذلك الكشف عن اجتماعهما بعدما كانت الاجتماعات تحاط بشيء من السرية فاستضافت الشهر الماضي ممثلين عن الائتلاف والميلشيات، والتقتهم أخيرا في عمان.
بالمقابل، رغم عدم استقرار التفاهمات الحالية برمتها في سورية إلا أن من مصلحة الجميع اليوم الحفاظ عليها لإعادة الاستقرار إلى المنطقة لأن من شأن زيادة التوتر أن يزيد من خسائر الجميع، ولو كان هذا الاستقرار هشاً.