القضايا العالقة
| مازن بلال
دخلت الأزمة السورية مساراً حاداً جديداً عبر التصعيد العسكري على امتداد محافظة دير الزور، فالمعارك التي تدور في تلك المنطقة سواء في اتجاه الجنوب أو الشمال نحو شرقي الفرات؛ لم تعد مرتبطة بمسائل محاربة الإرهاب أو طرد ما تبقى من داعش في سورية، ورغم أن الاشتباكات التي يخوضها الجيش السوري هي في مواجهة خلايا داعش المتبقية في المنطقتين، لكنه في نفس الوقت يطرح معادلة الصدام مع الأمر الواقع الذي فرضته الولايات المتحدة جنوبا باتجاه التنف، وشمالاً بالتعاون مع «جيش سورية الديمقراطية»، حيث يبدو أن معادلة التوازن القادمة مرتبطة إلى حد كبير بقدرة الولايات المتحدة على صياغة توازن ضاغط على دمشق وموسكو في آن.
ضمن مؤشرات التحرك الأميركي يمكن قراءة معالم توجه واشنطن، فعندما قام الأميركي بضرب قوات سورية في الحدود الموازية لشرقي الفرات كان يعمل على دفع روسيا باتجاه مختلف للتعامل مع التوازن السوري الحالي، فالإدارة الأميركية تتعامل وفق نقطتين:
– الأولى: الاعتماد الأساسي على التوجهات الخاصة بالـ«بنتاغون»، وذلك في غياب أي قدرة على تقديم مبادرة سياسية متكاملة من البيت الأبيض، فواشنطن التي أبقت التوجهات العسكرية لمرحلة الرئيس باراك أوباما قائمة حتى بعد ذهاب إدارته وقدوم الرئيس دونالد ترامب، تسعى حالياً لبناء تحالفات سياسية مرتبطة بالتشكيل العسكري الذي أقامته مع الأكراد.
يمكن اعتبار جولة وزير الخارجية الأميركية، ريكس تيلرسون، ضمن إطار البحث عن بناء إقليمي؛ يمكن منه الانطلاق باتجاه العمل السياسي سواء في مفاوضات جنيف أو غيرها، ورغم صعوبة إيجاد بنية إقليمية قوية يمكنها أن تؤثر في المعادلة السياسية القائمة حاليا، لكن تيلرسون ينطلق من قاعدة قوة فرضها البنتاغون داخل سورية شمالاً وجنوباً.
– الثانية: البحث عن قواعد اشتباك جديدة يمكن أن تؤثر في المعادلة العسكرية لمصلحة القوى الحليفة لواشنطن، فرغم النجاح في منع الجيش السوري من تجاوز نهر الفرات، أو الوصول إلى الحدود السورية الأردنية، ولكن هذا المشروع يعاني اختباراً صعباً في مدينة عفرين التي تعتبر امتداداً لمشروع «جيش سورية الديمقراطية»، وجنوباً في القدرة على السيطرة في منطقة شاسعة.
إن معركة عفرين ليست اختباراً على مستوى السياسة الأميركية في سورية، بل هو أيضاً إشكالية واقعية في انهيار نموذج في تلك المدينة؛ يمكن أن ينسحب على العديد من المناطق التي تسيطر عليها «قوات سورية الديمقراطية – قسد»، وفي حال دخول الجيش السوري إلى عفرين فإنه سيسجل سابقة لا تصب لمصلحة «المشروع الكردي» بغطائه الأميركي.
تحاول واشنطن تحديد مساحة سياسية مختلفة عن كل مراحل الأزمة السورية، فهي تبتعد بشكل واضح عن التحالفات الكلاسيكية التي ظهرت في بداية الأزمة وعلى الأخص الخليجية منها، وفي نفس الوقت تريد رسم تعاون مع روسيا بشروط لا تخضع لأي اعتبار أو تعهد سابق مع الإدارة الأميركية في عهد أوباما، وتحريك ملف الكيميائي من جديد إضافة لاجتماعات بروكسل هي محاولات لإنتاج صياغة سياسية في مواجهة الدبلوماسية الروسية التي تتحرك بسرعة لضمان مرونة مهمتها في سورية.
الأزمة السورية لم تعد معلقة على التوافقات الدولية، فالأطراف الكبرى تعرف صعوبة الوصول إلى أي توافق كامل، فهي اليوم مرهونة بالتفاصيل التقنية للعلاقة بين موسكو وواشنطن؛ تلك التفاصيل التي أنتجت اتفاق هامبورغ بشأن الجنوب الغربي لسورية، وربما تفتح معارك عفرين لحالة مماثلة يمكن أن تحدد الدور التركي من جديد، فالصراع في سورية على ما يبدو أصبح أرضا خصبة لنماذج دولية في بناء علاقات إقليمية هشة لأبعد الحدود.