بين التعاضد والتشرذم للوطن حق علينا! .. للوطن حق على الجميع ويحتاج منا وقفة رجل واحد فهل نفعل من أجله؟
| منير كيال
كثيرة هي أشكال التحاب والتعاضد التي توطد أواصر المجتمع، وتزرع الألفة والمحبة والإيثار بين الجميع.
فالإنسان اجتماعي بالطبع، وليس بإمكانه أن يعيش منفرداً من دون تعايش مع أخيه الإنسان على ما بغريزة هذا الإنسان من نزعة إلى حب الذات ورغبة بالحصول على ما يريد.
وإذا كانت الأسرة هي اللبنة الأولى ببناء الصرح الاجتماعي وجعل الانسان يأنس ويألف التعايش مع الآخرين، فإن هذه الأسرة تشكل المجال الأول الذي يرضع منه المرء لبان التحاب والألفة والعطاء والتعايش مع الآخر منذ الصغر، ومن ثم فإن ذلك لا يلبث «بمرحلة الفتوة والشباب بل حتى آخر العمر…» أن يجعل الإنسان يذوب بالبنيان الاجتماعي، فلا يشعر بوجوده على أرض البسيطة، فالأسرة تزرع بطفولة الإنسان أن الجميع بهذه الأسرة بمنزلة شخص واحد، وكل منهم يحب وينشد التعايش الذي يجعل الجميع بقلب الوالدين سواء، حتى إن اللقمة التي بيد الأم تكاد تصبح بفم أحد الأبناء الصغار، إيماناً من هذه الأم بأن أحب أبنائها إليها الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ من المرض، ومن ثم الغائب حتى يعود.
ولعل أحد أشكال ذلك التعاضد بين أفراد المجتمع يتمثل بوقوف الجميع صفاً واحداً، وعلى قلب واحد في السراء والضراء، على مبدأ انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، وبالطبع فإن نصرة الظالم، تعني الأخذ بيده عن كل ما يسيء إلى الآخرين، فقد كان أسلافنا يعمدون إلى معالجة الإشكالات التي قد تقع بين شخصين بمجالسهم، من دون حاجة إلى المخاصمات أو المحاكم، أكانت هذه المجالس عند عميد الأسرة أم وجهاء الحي من الكبارية.
وهم بذلك يؤثرون في أنفسهم، ولو كان الواحد في ضيق، فلا ينظر أحد إلى الآخر إلا نظرة الإيثار والمحبة على مبدأ قولهم:
ازرع الخير لجارك.. تلاقيه بدارك
وقول الشاعر:
ازرع جميلا ولو في غير موضعه
فلا يضيع جميل أينما زرعا
إن الجميل وإن طال الزمان به
فليس يحصده إلا الذي زرعا
فلا تستغرب والحال هذه أن يقول البقال أو غيره إذا أتاه مشتر:
أنا استفتحت، اذهب واشتر من عند جاري فإنه لم يستفتح وإن كان ما أشرنا إليه على الصعيد الفردي فإن ما كنا نجده على الصعيد الأكثر شمولاً، مما شمل عدد المشاركين بالحدث، فتراهم يتوافدون جماعات ووحدانا، وكل يدلي بدلوه بهذه المشاركة فتراهم بمناسبة احتفال أحدهم بختام «طهور» ولده، يتسابقون لتخفيف العبء عن والد الطفل المراد ختانه، فهذا يقدم لذلك مكان الاحتفال إذا كانت داره تضيق بهم، وهذا يقدم الضيافة للجميع، وثالث يقوم بأعباء العراضة لذلك، وتراهم بالمناسبات الدينية يتزاورون على صعيد الأسرة والجوار والأحياء، حتى كأن المناسبة تخص كل فرد بحد ذاته، وإن مشاركته الآخرين أفراحهم وأتراحهم تجعل الواحد منهم يتلبس شعور الجميع حتى كأن الفرح فرحه، أو المصاب مصابه.
ولعل المنشآت التي تركها أسلافنا دليل يؤكد ما أشرنا إليه، من حيث إن هذه المنشآت للجميع بل للطارقين أو القادمين من أرجاء مختلفة، ذلك أن من يسهم أو يبني بيمارستانات لم يكن يفكر أن ما بناه له ولأسرته أو لمن حوله، وإنما كان ذلك للجميع على مدى الدهور والعصور.
وأذكر أنه عند رغبة الحي في إقامة زينة لمناسبة من المناسبات ترى البيوت مفتوحة لتقديم السجاد وكل ما يلزم لهذه الزينة أكانت الزينة بالقرب من داره أم بعيدة عنها، فالزينة زينة الحي والجميع يحتفل بالمناسبة.
وكان من مظاهر تلك المشاركة العامة، قيام أبو علي الكلاوي وصحبه بلباسهم الكامل، كل على صهوة جواده للمشاركة بمناسبة تحتفل بها محلة باب الجابية التي منها الكلاوي وصحبه أو بأي مناسبة وطنية أو اجتماعية تحتفل بها مدينة دمشق.
وأذكر أنه عندما اغتيل الشهيد عدنان المالكي وهو يشاهد مباراة بكرة القدم بين تركيا وسورية خرجت دمشق عن بكرة أبيها مشاركة بالألم لما أصاب للمالكي في ذلك الحين.
وإذا كان الأمر كذلك، فما أحوج دمشق بل جميع أرجاء البلاد أن تقف كما كانت سورية وقفة رجل واحد في وجه الطامعين بخيرات بلادنا، الذين حاولوا أو عملوا على تفريقنا على مبدأ: فرق تسد.
فلنكن معاً يداً بيد، وكتفاً إلى كتف بوجه من تسول له نفسه المساس بتراب هذا الوطن فالبلاد بلادنا، والوطن وطننا، وله حق علينا.
وبعد آمل ألا يؤخذ ما ذكرت على محمل دعوة مني، فالوطن للجميع وله حق على جميع أبنائه… وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين.