«تلاشي» وجوه توثّق تاريخ زمن نعيشه … ريما سلمون لـ«الوطن»: القبح هو الأقدر على التعبير عن مشاعري وما تكتنزه ذاكرتي البصرية
| سوسن صيداوي
تلاشي البورتريه. معرض لأعمال تعبيرية غرافيكية فيها من الإحساس العالي، والكثير من القبح الغني بالتعبير الكامن بين مساحات وتراكم خطوط حبرية وصياغة غرافيكية لتشّكل مساحات بيضاء وسوداء، لوجوه مشوشة بسبب دهشة الاختلاف من واقع مفروض علينا للسنة السابعة. مشاعر مختلطة فيها من الحزن والكره والخوف إضافة إلى الكثير مما قدمته لنا الفنانة التشكيلية ريما سلمون في معرضها(تلاشي)الذي أقامته في غاليري كامل في دمشق. يضم المعرض أعمالا بأحجام متفاوتة بين الصغير الذي ضمت مجموعته نحو 120 عملا نفذت بقلم الحبر الناشف باللونين الأزرق والأسود، وبجانبه 20 عملاً بحجم متوسط ضم بعضها نقاطاً حمراء في رمزية عن لون الدم، و13 عملاً بحجم كبير تنوع تنفيذها بين أقلام الحبر والفرشاة والأحبار السائلة وكلّها باللون الأسود.
تشويه الدهشة مقصود
تحدثت الفنانة التشكيلية ريما سلمون عن تجربتها الجديدة مشيرة إلى الاختلاف الذي فُرض على الجميع في الوقت الحالي وما تبعه من تغيّر بالمشاعر والأفكار وبالرؤية إلى المضامين، قائلة: «الدهشة موجودة، وفي الوقت الحالي أرى الوجوه بطريقة مختلفة عما أراه في العادة، فالزمن تغيّر وكل شيء أصبح مختلفاً، ومن ثم أنا تأثرت بالحالة العامة التي عكست على لوحتي وعكست على خطي وعلى أفكاري ومشاعري. التشويه الذي باللوحات ويراه المشاهد في تراكم الخطوط فوق بعضها، الهدف منه تشكيل الملامح النهائية للوجوه المتلاشية أو المشوشة من أجل الدلالة على الاختلاف المقصود، والأمر مختلف بين اللوحات الكبيرة والصغيرة، حيث يستطيع المشاهد أن يقبض على الفكرة بشكل أسرع في الأعمال الصغيرة، وأيضاً يلاحظ القبح الذي هو انعكاس لمشاعري وما تكتنزه ذاكرتي البصرية، ولهذا تظهر الشخوص بهذه الطريقة عاكسة الحالة التي نعيشها والتي فيها من التقشف والفقر والحزن، وبرأيي الوجوه القبيحة تعبيرها أقوى من الوجوه الجميلة. أما بالنسبة إلى الخيوط التي تربط الشخوص، فبالرغم من القبح وبالرغم من السواد، يبقى الخيط هو خيط الأمل، والإنسان بيده الحل، والاعتماد على الخلفية البيضاء فيه الأمل للتمسك بالتفاؤل. نعم المعرض غني بعدد اللوحات التي عملت عليها بين ثمانية أشهر إلى سنة، وكان العمل يومياً ومن دون أي انقطاع- ربما لأنه ليس لدي مرسم خاص في دمشق- الأمر الذي اضطرني لإنتاج العديد من الأعمال الصغيرة في يوم واحد لتواكب وتشهد الاختلاف المذكور أعلاه، والتي نفذتها بداية على ورق وبقلم الحبر الجاف، بعدها بدأت بالتنويع وأصبحت الأحجام أكبر ورسمت وجوهاً أكبر مستخدمة الحبر والإكريليك».
لكل وجه دهشته
افتتح المعرض معاون وزير الثقافة علي المبيض الذي أعرب عن جمالية التجربة الجديدة للفنانة، متابعاً: «المعرض هو نتاج الحركة التشكيلية في سورية، والمتابع للحركة سيلاحظ أن هناك حراكاً فنياً غنياً ومتنوعاً وغزيراً، ونحن كوزارة الثقافة نتعاون مع الصالات الخاصة لرعاية المعارض ورعاية الفنانين، وهذه إحدى مهام الوزارة لتنشيط الحركة التشكيلية بشكل دائم ونشرها في كل أنحاء القطر. أما بالنسبة إلى معرض(تلاشي) فهو معرض جميل جداً وفيه إحساس عال من حيث العمل في الأبيض والأسود، وينقل إحساس الفنانة من خلال شخوصها حول الأزمة، وبالرغم من تكرار الوجوه إلا أن لكل وجه دهشته وخاصيته عن الوجوه الأخرى».
قرار بثقة وإرادة قوية
تحدثت وأطرت الفنانة التشكيلية لجينة الأصيل على التجربة الجديدة للفنانة ريما سلمون، مشيرة إلى أن هذا النوع من الأعمال يستهويها جداً، مشددة على مقدرة الفنانة العالية في الأسلوب، قائلة: «الجمالية هي بالحس بشكل صادق وصحيح بملامح الوجه من عيون وأنف وحتى في النظرة، وبرأيي فإن الكثير من الناس يظنون أن الجمال يكمن في التقاطيع الحسنة-الأمر خاطئ-فالجمال خُلق من الداخل، وفي المعرض الأمر ظاهر في نظرة عيون الشخوص. أما بالنسبة للأبيض والأسود فهو أمر صعب على الفنان وعلى المتلقي الذي ليس من السهل أن يقبله، فالفنان يعبّر بأداة واحدة وبلون واحد، وقرار الفنانة بأن تعمل لوحاتها بالأبيض والأسود هو قرار صعب وقوي وينم عن ثقة وقوة إرادة، وخاصة أن يدها تعمل بشكل صحيح. أنا أحب هذا الأسلوب، والأبيض والأسود قريب مني كثيراً، وأنا مستمتعة جداً بالأعمال فهي تلمسني بشكل كبير».
الغرافيك إحساسه عال
من جانبه تحدث الفنان التشكيلي وليد الآغا عن تطوّر تجربة الفنانة عما قدمته في السابق، متابعاً: «أنا سعيد جداً للتطور الملحوظ لأعمال الفنانة التي كانت تقدم سابقاً أعمالاً تتحدث عن الحالة التعبيرية للإنسان وعن مآسيه وعن التشرد والفقر والجوع والحب وغيره، ولكن هنا في المعرض لديها حالة استثنائية، فالغرافيك كان موجوداً في أعمالها سابقاً، ولكن في المعرض الحالي، نحن أمام وجوه لها حالة تعبيرية واضحة، والغرافيك فيها واضح وإحساسه عال، تتبعه الفنانة في اللوحات بشكل تلقائي، وكلمة (تلاشي) التي تحمل اسم المعرض جاءت بمكانها وبأننا نرى في الوجوه مشاعر الألم، الخوف، البؤس….. إلخ، ونتساءل هل ستتلاشى هذه المشاعر أم لا؟ بصراحة الفنانة ريما-خاصية تملّكها للأدوات-تؤهلها كي نقول بأننا سنرى في المستقبل أعمالاً مفاجئة، فما نراه في تجربتها هذه من تعاطيها للوجوه والغرافيك بهذا الإحساس هو أمر مفاجئ، وهذا واضح من خلال التفاصيل في الخط أو المساحات أو في معالجتها للأبيض والأسود، وفي النهاية لابد من الإشارة إلى كلمة الفنانة في لوحاتها وهي(بأن الإنسان موجود رغم تلاشيه وحضوره أكثر حساسية».