عفرين بين المشاعر الوطنية والواقع
| بسام أبو عبد الله
عفرين أرض سورية، ونحن جزء من الشعب السوري، عبارات تكررت على مسامعنا خلال الأيام الماضية من العديد من القيادات السورية الكردية التي كانت قبل شهر من الآن تكابر في هذه المشاعر الوطنية وتتحدث عن الإدارة الذاتية، وما يسمونه حلاً ديمقراطياً في شمال سورية، وهو حل يساوي وصفة انفصالية يجري تنفيذها وفقاً لمشروع الشرق الأوسط الجديد، ولا توصيف آخر لها مهما راوغ البعض ذات اليمين، وذات اليسار.
إن مغالاة بعض القيادات السورية الكردية في طروحاتها خلال الفترة الماضية استفزت مشاعر الكثير من السوريين، لا بل جعلتهم في لحظة ما يقفون على الحياد لما يجري، على الرغم من أن الحياد ليس صحيحاً في مثل هذه الحالة عندما يتعرض جزء من الأرض السورية، وليس الكردية، كما يحلو لبعض الواهمين القول، لكن تتالي التصريحات من أصحاب الرؤوس الحامية وقيادات حزب العمال الكردستاني وفرعه السوري هناك، زادت من البرود لدى أغلبية السوريين، وجعلتهم يتخذون مثل هذا الموقف، فالوطنية السورية ليست حالة طارئة تستحضر عندما نريد، وتغيب عندما تكون المصالح في مكان آخر، ومع رأس الأفعى أي الولايات المتحدة الأميركية وأدواتها، وهو ما يهدد وحدة البلاد واستقلالها وسيادتها.
هناك عدم وضوح في العديد من النقاط فيما يخص ما يجري في عفرين، وما جرى خلال الأيام الماضية من دخول لقوات شعبية سورية لدعم صمود أهل عفرين، فالالتباس الحاصل كان واضحاً بين الحديث عن اتفاق لدخول الجيش العربي السوري وبين دخول وحدات شعبية إلى المدينة، ذلك أن انتشار جنود الجيش في عفرين، ومحيطها يحتاج لتفاهمات ذات طابع إقليمي ليس لأننا لسنا أصحاب السيادة على الأرض، إنما خشية الصدام بين الجيش السوري والتركي، وهو أمر لا أعتقد أن أحداً يسعى إليه لا في دمشق ولا أنقرة، إنما هناك من يسعى إليه في جبال قنديل، وفي واشنطن وتل أبيب، بغض النظر هنا عن حجم التناقضات بين البلدين وطبيعة الدور التركي منذ بداية الحرب على سورية.
وأغلب الاعتقاد لدى العديد من المحللين المرموقين أن دخول الجيش العربي السوري يجب أن يرتبط باتفاق سياسي أي عودة مؤسسات الدولة السورية الخدمية والسياسية إلى عفرين ورفع العلم السوري فوق كل المؤسسات، وعودة جهاز الشرطة وغيره من المؤسسات للعمل، وهو الأمر الذي تنفيه معظم القيادات السورية الكردية حتى تاريخه، اللهم إلا إذا كان هناك ثمة اتفاق غير معلن، ويراد تنفيذه على مراحل تبدأ بدخول القوات الشعبية، ليصار إلى تنفيذ الجزء اللاحق منه فيما بعد، وهو أمر ما يزال غامضاً وتتضارب الأنباء بشأنه مع وجود تكتم رسمي سوري تماماً.
إن البعض يعتقد أن إرسال القوات الشعبية السورية جاء بناءً على نداءات من داخل عفرين، وهو تأكيد من الدولة السورية على أنها تعتبر عفرين وما زالت وستبقى أرضاً سورية، وأن شعبها جزء من الشعب السوري، وهي مستمرة بالتعاطي مع الأمر على هذا الأساس دون النظر لتصريحات القادة السوريين الأكراد الانفصالية تارة، والاستفزازية تارةً أخرى، تجاه وحدة سورية أرضاً وشعباً، ورفض الانخراط في مساعي الحل السياسي نظراً لوجود وعود أميركية لهم بفصلهم عن الدولة السورية، وهي وعود ظهر أنه لا قيمة لها حينما يتعلق الأمر بمصالح أميركا مع تركيا، وبالتالي استخدمت الورقة الكردية هنا للمساومة من جهة، وللبيع دفعة واحدة من جهة أخرى، أي تبين أن السوريين الأكراد كما هم السوريون في الغوطة الشرقية أو في إدلب، أو غيرها من المناطق ليسوا إلا ورقة للتجارة في سوق المصالح الإقليمية والدولية، والسؤال الكبير هنا: هل المشاعر الوطنية هي جياشة فقط في غرب الفرات، وماذا عن هذه المشاعر في شرق الفرات حيث ترسم الولايات المتحدة خط اشتباك بالدم والنار لفصل هذا الجزء من الأرض السورية بالاعتماد على العنصر السوري الكردي أيضاً، وعلى عناصر عربية مرتزقة تحت مسمى «قوات سورية الديمقراطية – قسد»!
إن المشاعر الوطنية يجب أن تكون جياشة تجاه أي جزء من الأرض السورية سواء في عفرين، أو غيرها، وأن السوريين جميعاً مستهدفون دون تمييز في العرق واللون والأثنية والمذهب، فالطائرات الأميركية عندما استهدفت الجيش العربي السوري في الثردة مثلاً، لم تكن لتميز بين الجنود السوريين سواء أكانوا عرباً أم أكراداً، ومصلحة السوريين كما أصبح واضحاً بعد سبع سنوات من الحرب هي في وحدتهم وتكاتفهم وتضامنهم، لأن استهداف الوطن، هو استهداف للجميع دون استثناء، أما نظرة البعض الضيقة الانتهازية وطرح مشاريع منافقة ومضللة، ليست إلا لصب الزيت على النار، وخدمة لرأس الأفعى الولايات المتحدة الأميركية.
ينقل موقع «المونيتور» عن الأكاديمي الفرنسي فابريس بالانش، الباحث المقيم في معهد هوفر الأميركي الذي أجرى بحثاً لمدة ثلاثة أسابيع في شمال سورية أن «سياسات أميركا الحالية سوف تقود لهزيمتها في سورية، وأن الجنود الأميركيين سوف يطردون خارجاً»، واستند الباحث الفرنسي في خلاصته هذه إلى لقاءات كثيرة أجراها هناك مع العرب الذين يعيشون تحت السيطرة الكردية، حسب تعبيره، وبشكل أساسي في المدن العربية الرقة، تل أبيض، منبج، وأن الوضع لديهم وصل إلى نقطة الغليان بسبب السياسات الأميركية التي تقدم الدعم للكرد بشكل أساسي، وتمييزي طبعاً لاستخدامهم ضد أبناء بلدهم، وكمرتزقة للمشروع الأميركي، وبسبب الحاجات الاقتصادية التي تثقل كاهل المواطنين، ويشرح بعض السكان المحليين للباحث الفرنسي أن المساعدات غير موجودة للسكان هناك، وأن «أميركا بخيلة للغاية، والسعوديين مهتمون باليمن»، ولا مياه كافية لري المحاصيل، والقصف دمر قنوات الري، والكهرباء تقدم جزئياً من بعد الظهر حتى الحادية عشرة ليلاً فقط، والفلاحين لم يعد بإمكانهم رعاية المحاصيل.
وبعد العملية العسكرية التركية فإن كثيرين من العرب يقولون إنهم يريدون الاستقرار ويتطلعون لحياة طبيعية كما في حلب، ويكشفون للباحث الفرنسي أن «هذه الحرب ليست حربنا» أي الحرب بين السوريين الأكراد والجيش التركي.
إن المنطق السليم، والحكمة تتطلب من القيادات السورية الكردية أن تدرك الآتي مرة أخرى:
* لا أفق لمشروع انفصالي كردي في شمال سورية، والرهان على الأميركي، هو رهان على الوهم.
* لا حاضن وطنياً لهذا المشروع، ومواجهة العدوان التركي لا تكون عسكرياً فقط إنما بسحب الذرائع من تركيا عبر إدخال الجيش العربي السوري، وعودة مؤسسات الدولة السورية، لأن المواطن السوري يبحث عن الأمن والاستقرار ولا يدعم مشاريع واهمة جديدة تحت أي لافتة.
* مشاعرنا وعواطفنا هي بالتأكيد مع أهلنا في عفرين ولكن المستقبل لا يبنى بالعواطف وحدها، إنما بالعقل والحكمة، وبالبحث عن المخارج السياسية التي تجنب المدنيين السوريين من كرد وعرب ويلات حرب لا فائدة منها.
* إن الواقع يفترض البحث عن الحلول، وأعتقد أن كلام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبل أيام حينما قال: «إننا على قناعة أن تركيا يمكن أن تحمي مصالحها الأمنية المشروعة من خلال الحوار مع الحكومة السورية» هو المخرج الوحيد الذي يمكن أن يدفع القوى الدولية، وخاصةً الولايات المتحدة إلى خارج اللعب على التناقضات بين سورية وتركيا، ذلك أنه لا مصلحة أبداً في الاشتباك بين جيشي البلدين سوى المصلحة الأميركية الإسرائيلية، وأعتقد أن القيادة السورية التي أدارت هذه الحرب الشرسة تدرك تماماً الفرق الكبير بين المشاعر الوطنية، وواقع لعبة الأمم الكبرى التي تجري على الأرض السورية، وأن مشاعر السوريين الكرد الوطنية في غرب الفرات، يجب أن تكون نفسها في شرق الفرات، وأغلب الظن أنه يجري تفكيك هذا المشروع الانفصالي خطوة خطوة، إضافة لمواجهة احتمالات أي مشروع تركي توسعي على الرغم من تأكيدات حكومة أنقرة أنها مع وحدة أراضي سورية، وأنها لا تريد البقاء في الأراضي السورية، ولكن تجربة العراق ليست مبشرة، كما أن ما يجري على الأرض من ربط لبعض المناطق السورية بالسلطات التركية لا يؤشر إلى حسن النوايا، والحل الوحيد هو كما قال لافروف بالحوار المباشر بين البلدين وهو ما قد تكون موسكو تسعى إليه في المرحلة القادمة، لأن الحوار هو المخرج الوحيد لكل الأطراف، أما استمرار الحروب ونارها فهي مصلحة أعداء شعوب ودول المنطقة.