116 عاماً على ولادتهِ و42 عاماً على وفاتهِ … الدكتور جميل صليبا أوَّلُ سوري ينالُ درجة الدكتوراه في الفلسفة
| نضال حيدر
«وَهَبَ الدكتور جميل صليبا نفسَهُ للعلمِ؛ فأخلصَ لهُ وتفانى في تحصيلهِ ونشرهِ، وقضى حياتهُ وهو يبحثُ ويُحقِّقُ ويؤلِّفُ ويُعلِّم. لقد كانَ عَلَمَاً من أعلام النهضةِ العلميَّةِ في سورية وفي سائِرِ أنحاء الوطنِ العربي، ورائِداً من روَّادِ الفكرِ وداعيةً إلى التجديدِ والتقدُّمِ. وكانَ يؤمِنُ بأنَّهُ لا سبيلَ إلى الإصلاح إلا عن طريقِ البحثِ العلمي».
هذا بعضٌ مما كتبهُ الدكتور كامل عيَّاد عن رفيقِ دربهِ الحياتي والعلمي المفكر والمربي والباحث والفيلسوف السوري الدكتور جميل صليبا في تقديمهِ لكتاب « مِنَ الخيالِ إلى الحقيقة» والذي صدرت النسخةُ الأولى منهُ في القاهرة عام 1948م عن دارِ الفكر.
وُلِدَ جميل بن حبيب بن داوود صليبا في القرعون في لبنان في السابع من شهر شباط عامَ 1902م، وانتقلَ معَ أُسرتِهِ إلى دمشقَ عام 1908م. تلقى تعليمهُ في المكتب السلطاني العثماني في دمشق حتى عام 1918م ثمَّ في تجهيز دمشق (مكتب عنبر) حتى حصل على شهادتها عام 1921م.
أوَّلُ سوريٍّ ينالُ درجةَ الدكتوراه في الفلسفة
عام 1921م؛ أوفدتهُ وزارةُ المعارف السورية (التربية حالياً) في بعثةٍ إلى فرنسا لمتابعةِ تحصيلهِ العالي؛ فالتحقَ بجامعةِ باريس (السوربون) وحصل منها على دبلوم التربية من معهد علم النفس عامَ 1923م وعلى درجة الإجازة في الآداب – فرع الفلسفة عام 1924م، والإجازة في الحقوق عام 1926م، ثمَّ قدَّمَ إلى جامعةِ باريس أطروحةً في فلسفةِ الشيخ الرئيس ابن سينا، وأطروحةً في نظريةِ المعرفةِ على مذهبِ المدرسةِ الاجتماعيَّةِ الفرنسية، فكانَ أول سوريٍّ ينالُ درجةَ الدكتوراه في الفلسفة، حينَ منحتهُ هذهِ الجامِعةُ درجةَ الدكتوراه في الآداب عامَ 1927م.
من وزارةِ المعارِف إلى (الجامعة السورية)
بعدَ عودتِهِ من فرنسا عامَ 1927م، بدأَ الدكتور جميل صليبا حياتهُ العمليَّةَ بتدريسِ الفلسفةِ في المدارسِ الثانوية في دمشق، وكانَ أول عملٍ قامَ بهِ هو تعريبُ مادةِ الفلسفة وتدريسها باللغةِ العربيةِ بدلاً من الفرنسية، كما أوكلت إليه مهامُ عديدة فكانَ رئيساً للتعليمِ الثانوي والإكمالي، ومديراً لدارِ المعلِّمين، ورئيساً للجنةِ التربيةِ والتعليم في وزارةِ المعارِف، ثمَّ أميناً عاماً لهذهِ الوزارة عامَ 1949م، ثمَّ انتقلَ من وزارةِ المعارِف إلى جامعةِ دمشق (الجامعة السورية آنذاك) إستاذاً في كليَّةِ التربية، وشغلَ منصبَ عميدِ هذهِ الكليَّةِ من عامِ 1950م حتى عامِ 1964م، كما شغلَ منصبَ رئيسِ الجامعةِ بالوكالة عامَ 1958م. كما نُدِبَ مُحاضِراً في المركزِ الإقليمي لليونيسكو في بيروت لتدريبِ كبارِ موظَّفي التربيةِ في العالمِ العربي من عامِ 1964م حتى عام 1970م.
جميل صليبا: نشاطٌ لافت وحضور متميز
عامَ 1942م، انتُخِبَ الدكتور جميل صليبا عضواً في مَجْمَعِ اللغةِ العربيةِ بدمشق (المَجمَع العلمي العربي آنذاك) وعضواً في لجنتهِ الإدارية عام 1943م، كما انتُخِبَ عضواً في اللجنةِ الدوليَّةِ لترجمةِ الروائِعِ الإنسانية (اليونسكو) عام 1955م، وانتخبتهُ اللجنةُ الدوليَّةُ لعلومِ التربيةِ عضواً عامِلاً فيها عام 1958م.
مثَّلَ الدكتور صليبا سورية في كثيرٍ من المؤتمراتِ الدوليَّةِ، كمؤتمراتِ اليونسكو العامة، ومؤتمر الأدباء العرب، ومؤتمر المجامع العلمية العربية، ومؤتمر اليونسكو لدراسةِ الحاجاتِ التربوية في العالمِ العربي، ومؤتمرِ الشُعَبِ الوطنيَّةِ لليونسكو. ورأسَ مؤتمر اليونسكو لتدريسِ العلومِ الاجتماعية المنعقد بدمشق عام 1954م. كما شاركَ في كثيرٍ من الحلقات والمهرجانات والندوات الدولية؛ كحلقة نُظُم التعليم في العالم العربي، وحلقة إعداد المُربي، وحلقة إعداد الدراسات العربية في الجامعة الأميركية في بيروت، ومهرجاني المتنبي والمعري، ومهرجاني ابن سينا في بغداد 1952م وطهران 1954م، وألقى الكثير من المحاضرات العامة في دمشق والمدن السورية الأخرى، وفي بيروت والقاهرة وبغداد والكويت وباريس.
صليبا واحدٌ من كبارِ خبراءِ التربيةِ العرب
يُعدُّ الدكتور جميل صليبا من كبارِ خبراءِ التربيةِ والتعليم في الوطنِ العربي، وقد دعا في مؤلّفاتِهِ ومحاضراتِهِ إلى معالجةِ مشكلةِ الأميَّةِ عن طريقِ التعليمِ الإلزامي، وإلى مجانيةِ التعليم، ودعا إلى إعدادِ المناهجِ إعداداً علمياً وتربوياً، كما شارك في إصدار مجلة المعلمين والمعلمات عام 1931م، ومجلة الثقافة، وأسس مجلة المعلم العربي وأشرف عليها حتى عام 1949م، كما شارك في إصدار مجلة كلية التربية وترأسَ تحريرها، وأسس جمعية متخرجي كلية التربية.
مؤلفاتُ الدكتور صليبا: قائِمَةٌ طويلةٌ وغنيَّةٌ ومهمَّة بينَ التأليفِ والتحقيقِ والترجمة والبحوث؛ حيث تتوزَّعُ مؤلفات الدكتور جميل صليبا؛ في قائِمَةٍ طويلةٍ وغنيَّة ومهمَّة، ومن أبرزِ عناوينها: ابن خلدون، درس- تحليل – منتخبات 1934م، كتابُ علمِ النفس 1936م، ابنُ سينا، درس- تحليل – منتخبات 1937م، كتابُ المنطق 1944م، أحسن القصص (ترجمة) 1945م، مِنَ الخيالِ إلى الحقيقة 1946م، المنطقُ وطرائِقُ العلمِ العامةِ (بالاشتراك مع الدكتور كامل عيَّاد) 1948م، الرسالةُ الجامعة، الجزء الأول 1948م، الرسالةُ الجامِعة، الجزء الثاني 1951م، من أفلاطون إلى ابن سينا؛ محاضراتٌ في الفلسفةِ العربية 1951م، إعدادُ المُربي (ترجمة، بالاشتراك مع حكمت هاشم وسامي الدروبي) 1956م، الاتجاهاتُ الفكريَّةُ في بلادِ الشامِ وأثرُها في الأدبِ الحديث 1958م، كتابُ المُنقِذ منَ الضلال للغزالي (بالاشتراك مع الدكتور كامل عيَّاد)، حيُّ بنُ يقظان لابن طفيل، (بالاشتراك مع الدكتور كامل عيَّاد)، الإنتاج الفلسفيُّ خلالَ المئةِ سنةٍ الأخيرة في العالم العربي 1962م، مستقبلُ التربيةِ في الشرقِ العربي 1962م، الدراساتُ الفلسفيَّةُ، الجزء الأول 1964م، كتابُ الحيدة 1964م، الفكرُ الفلسفيُّ في الثقافةِ العربيَّةِ المُعاصِرَةِ في كتابِ الفكرِ العربيِّ في مئةِ سنة 1967م، اتجاهاتُ النقدِ الحديثِ في سورية 1969م، تاريخُ الفلسفة 1970م، المعجمُ الفلسفي، الجزء الأول1971م، المعجمُ الفلسفي، الجزء الثاني 1973م، و:التطورُ المُبدِع (ترجمة).
رحيل الدكتور جميل صليبا
توفيَ الدكتور جميل صليبا في بيروت في الثاني عشر من تشرين الأول عام 1976م، وشيِّعَ إلى مثواه الأخير في دمشق في السادس عشر من هذا الشهر. وبتاريخ 20/12/1976م أقامت لهُ جامعةُ دمشق حفلاً تأبينياً تكلَّمَ فيه: الدكتور محمد الفاضل، الدكتور قسطنطين زريق، الدكتور إبراهيم مدكور، حافظ الجمالي، الدكتور كامل عيَّاد، أحمد الجندي، الدكتور فاخر عاقل، حبيب صليبا (ابن جميل صليبا).