الدولة الحرباء!!
عبد الفتاح العوض :
على مستوى الأفراد ثمة صعوبة بتغير الآراء أو الأفكار بسهولة.
والكثير من الخلافات الشخصية تنتج من صعوبة الاعتراف بالخطأ، أو الاقتراب من رأي أو رؤية الطرف الآخر… جزء من كل منا لا يستطيع تغيير إفادته نحو الحياة إلا متأخراً… حسب ما نعرف.
فقط «المرتزقة» هم الذين يغيرون السلاح من كتف إلى آخر لمن يدفع أكثر.
انتقل «الارتزاق» من أشخاص مغامرين أو بائسين إلى مهنة، وأصبح أحد عوامل نجاح الناس هذه القدرة على تغير الرأي أو «المرونة» في الاستدارة من جهة إلى أخرى.
الأشخاص الذين لا يغيرون آراءهم عادة ما يوصفون بـ«العناد» وهذه الصفة أحياناً تحمل طابعاً إيجابياً ذلك لأنها ترتبط بالإصرار والثبات على الموقف، وأحياناً تعطي مدلولاً سلبياً لكونها تعني الإصرار على الخطأ وعدم القدرة على التكيف مع الأشياء الجديدة.. وبالمقابل ثمة أشخاص متلونون يتغيرون بين الصباح والمساء.. عندما تعطيهم وجهك أو ظهرك لكل حالة رأي، ولكل مناسبة زي..
هذا فيما يخص الأفراد..
لكن ماذا عن الدول؟
هل يوجد دول عنيدة ودول مرتزقة؟
تعالوا نسأل التاريخ… والقريب منه…
شهدت استدارة دول كثيرة في موقفها من سورية من خلال أحداث مهمة على مستوى المنطقة.
للتذكير فقط.. كان موقف دول الخليج من حرب صدام على إيران مؤيداً لصدام بينما كان لسورية رأي آخر.. بعد غزو الكويت استدارات دول الخليج ضد صدام.. وباتجاه سورية.
في قضية اغتيال الحريري.. استطاعت سورية بعد عام 2007- 2008 أن تتحول إلى محطة سياسية لمعظم الدول العربية والأوروبية… ودول صرخت على المنابر ضد سورية عادت لتؤدي فريضة العودة لدمشق.
فماذا يجري الآن؟
السيد وليد المعلم التقط بذكاء الطرح الروسي.. وقرأه من باب استدارة الدول.. وأطلق تعبيره الخاص «المعجزة».
لذلك عندما تستدير الدول فلأنها عجزت عن تحقيق غاياتها، لكنه ليس أمراً خارقاً للعادة فهو كثيراً ما يحدث، وهذا ما أظنه يحدث الآن وإن كانت التحولات بطيئة وقد تكون مزيفة.
الدول التي تغير مسارها الحالي.. تستطيع أن تغير مسارها القادم بلا خجل.
هذه الدول «المتلونة» الدول الحرباء التي تغير جلدها كثيراً لا تقودها إلا الظروف والمصالح، وبذلك هي جزء من طبيعة السياسة.. وليس خروجاً عن المألوف والمعتاد.
في السياسة الدول تستدير.. تتغير.. تتلون…
يطلق على ذلك بالسياسة اسم لطيف وهو «براغماتية» يعني النفعية أو العملية.
دعونا نتفاءل.. تستطيع الحرباء أن تغير لونها كل 20 ثانية… الدول الحرباء آن لها أن تغير لونها الأسود بعد خمس سنوات من أزمتنا.
أقول:
لا تبالغ في المجاملة حتى لا تسقط في بئر النفاق.. ولا تبالغ في الصراحة حتى لا تسقط في وحل الوقاحة.
الذنب الوحيد الذي لا يمكن غفرانه هو النفاق، فتوبة المنافق هي نفاق آخر.
نحن نعلم أن الزمن يغير كل شيء فلماذا إذاً دائماً ما نفاجأ حينما يحدث التغيير؟
في بعض الأحيان يكون التحلي «باللطف» أفضل من التحلي بالصدق.