زمن زياد.. حكاية الأمكنة والفجائع … طلال شتوي يروي حكاية من حكايات لانهاية لها
| أحمد محمد السّح
بدأت أواخر عام 2016 وتحديداً بعد نهاية معرض بيروت للكتاب تصل أخبار هذا الكتاب، كانت تطالع المهتمين أرقام المبيع لكتابٍ جديد حمل عنوانه وصورة غلافه الأسئلة، وحملت أرقام مبيعاته التحفيز لاقتنائه، فهل نحن أمام رواية؟ وما علاقة زياد الرحباني بالروايات!
«زمن زياد» بحرفي الزين المتوالين، كان أزيز هذا العنوان، وصورة زياد الرحباني المختلطة بقصاصات الجرائد في لوحة الغلاف التي رسمتها «نادين العلي عمران» اقتحم طلال شتوي مع دار الفارابي، عالم الكتاب الأكثر مبيعاً، في سنوات القحط في القراءة هذه، وسنوات القحط في اقتناء الكتاب الورقي بحدّ ذاته، مع طغيان القراءة الإلكترونية المقتضبة والعابرة.
طلال شتوي
أثبت أن الكتاب الورقي مازال حاضراً
يشكل طلال شتوي بدماثته وتهذيبه حالةً نادرةً في زمن إعلاميي فقاعات الصابون المنتشرين اليوم، لأنه لا ينتمي إليهم، فهو ينتمي إلى مرحلة النجاح في الإذاعة والتلفزيون، إلى مرحلة الإعلام صاحب الهدف، في لبنان الشقيق والمنطقة كلها، وحين دخل الكتابة دخلها شاعراً عبر ديوانيه (هذا الأزرق أنا، كان يكفي أن نكون معاً) ومع كتابه (بعدك على بالي) بدأت كتب طلال شتوي تتخذ مكانتها على رفوف المكتبات وفي أيدي القراء إلى أن صدر (زمن زياد) فكانت المفارقة وكان النجاح! مع أن هذه الكتب متقاربة من حيث فترات الصدور إلا أن (زمن زياد– قديش كان في ناس) وهو اليوم خلال أقل من عامين ينهي طبعته الرابعة وينتقل إلى الخامسة وربما أكثر، يستحقّ الوقوف معه! مع أن الرأي السائد بين المثقفين دائماً أن الكتب الأكثر مبيعاً هي الكتب الأكثر سطحيةً، لكن (زمن زياد- قديش كان في ناس) حالةٌ مغايرة، لا بل هو مخاطرة كان يمكن أن تمرّ كما مر قبلها الكثير في عالم المطبوعات، لكن طلال شتوي أثبت أن الكتاب الورقي مازال حاضراً، وكسر قاعدة اليأس من التأليف والطباعة والنشر والتوزيع!
استقراء وتحليل لشخصية زياد الرحباني من خلال عشاقه
يتوقف القارئ المعتاد على التصنيف عند رغبته في تصنيف هذا الكتاب فهو ليس رواية، ولا سيرة ذاتية ولا حوارات، إنه سرد لانعكاس قيمة وقامة زياد الرحباني على ألسنة جيل تأثر بما قدمه وبما أعطاه زياد في مرحلته التي قدم التجربة، ومغامرة التجربة للمنطقة. هو استقراءٌ وتحليل لشخصية زياد الرحباني وعلاقته مع فيروز من خلال عشاقه، من خلال لحظة الصدمة الأولى وشغف محاولة الحصول على أغنيته الأولى أو محاولة حضور مسرحيةٍ له، المحاولة الفاشلة أو الناجحة للالتقاء به كشخص يعيش الحياة، لا مجرّد اسم تصيبك الدهشةُ مما يقدمه ومن معرفتك أنه ابن فيروز وعاصي الرحباني، هي الأحاسيس التي عايشها أشخاص كثر، والجميل أن هذه الأحاسيس تتوالد مجدداً مع كل مرحلةٍ ومع كل جيل، وهو ما حاول طلال شتوي أن يمرره في كتابه من خلال ذكر تواريخ ميلاد هذه الشخصيات التي روت له حكايتها مع زياد، هذه الشخصيات التي وصل عددها إلى عشرة أشخاص وكان طلال نفسه الشخصية التي ابتدأت والتي ختمت والتي وجدت على طول الحكاية، إن لم نقل على طول الحكايات، لأن هذه حكاياتٌ في حكاية، لا خاتمة لها، حتى طلال نفسه حين يكتب خاتمة يضع إشارة استفهام بين قوسين، وكأنه غير متأكدٍ أن هذه الحكايات قد اختتمت أو هي قابلةٌ للاختتام.. فعشاق زياد، كثر وزمن زياد مستمر، والحكايات لا تنتهي!
ستغرق في كثير
من الحب عن زياد رحباني
اتسمت لغة الكتاب التي استخدمها طلال شتوي بالبساطة والتقريرية، مع الشحن العاطفي الذي يصل إلى حدّ النوستالجيا العالية، إنها لغةٌ تلفزيونية. تقرأ الكتاب فتشعر أنكَ أمام برنامجٍ وثائقي تتوالى الصور أمامك على حين صوتُ طلال أي صوتك يهدر في أذنيك، وهذا ناجمٌ عن انعكاس العمل الذي مارسه طلال شتوي في عمله الإذاعي والتلفزيوني وما له من لغةٍ خاصة. ستعرف الكثير من المعلومات عن فيروز عن عاصي الرحباني، عن منصور، وعن جوزيف حرب، وستغرق في كثير من الحب عن زياد رحباني، معلومات عن المسرحيات والألبومات، الكواليس، بيت زياد والمقاهي التي اعتاد البقاء فيها، ثمة وثيقة تاريخية للشوارع والأماكن والمقاهي والبارات، معلوماتٌ عن مالكيها، زواريب بيروت. الشوارع والحدائق والناس والعوائل البيروتية واللبنانية، والسورية، العلاقات والزيجات، الأحزاب السياسية انكساراتها ونجاحاتها. كله ستجده على خلفية زمن زياد، ستجد الموسيقا الرحبانية ترافقك طوال قراءة الكتاب، وستجد العصف الذهني الذي يخلقه زياد الرحباني في جمله الذكية التي تصدم الواقع الذي يعرّيه ويطحنه ثم يعود لمحاولة عجنه من جديد.
هل قرأ زياد الرحباني الكتاب؟
يحكي طلال شتوي الحكاية ويخفي الشخصية حتى نهاية الحكاية ليعرفك باسمها الكامل ومهنتها، تشعر أنك تعرف هذه الشخصيات، وحين يذكر اسمها ستجدك أمام أناسٍ شغوفين بالأمل شعراء، وصحفيين وكتاباً، وبائعة زهور، وصيدلانياً. عشاق من الطراز الرفيع سوريون ولبنانيون وفلسطينيون ومصريون، تتقاطع جذورهم ودياناتهم وزواجاتهم مع دول المنطقة والعالم في مروحة إنسانية عريضة… على حين حكاية طارق الشاب الذي عرفه طلال عبر فيسبوك، لتقف أمام عاشقٍ زيادي يبحث عن كل قصاصة أو قطعة موسيقية قام بها زياد الرحباني، يتعلم منه طلال ونحن نتعلم من كليهما شيئاً من تفاصيل هذا الأرشيف الكبير… هذا الأرشيف الذي يكتبه طلال شتوي بلغته وعاطفته وحنينه: (نحن الذين أمهاتنا لسن فيروز، وآباؤنا ليسوا عاصي، لن يكون سهلاً علينا أن نفهم صعوبة هذا الأمر. سيغلبنا دائماً انطباع حقيقي بمدى استثنائية وروعة ذلك، لكأنه خرافة جميلة).
وفي مكانٍ آخر: (لقد مارست فيروز شكلاً من أشكال الأمومة المتطرفة، لم تستطع أن تمنح «الوقت» الكافي دائماً، لقد سعت إلى ترميم هذا النقص في أمور أخرى).
بعد قراءة هذا الكتاب سيخطر في بالك سؤال كبير، هل قرأ زياد الرحباني الكتاب؟ ترى ماذا قال لطلال؟ وهل قال شيئاً مباشراً أم إنه قال شيئاً بينهما، سيعلن عنه لاحقاً؟ هذه الأشياء سنسأل عنها طلال وسيجيبنا عنها ربما زياد الرحباني.