الإرهاب والمؤامرة
| د. نبيل طعمة
كشفهما والحرب عليهما، وهل الإرهاب حالة متطورة أوجده الاستعمار كصيغة جديدة يتعاملون بها، وما معنى انتشار لغة الحرب على الإرهاب، أسبابها، أهميتها، غاياتها؟
في رأيي ورأي المشتغلين في حقول الفكر السياسي، إنها كلمة مصطلح مطاط، لا يصل إلى مرتبة الحرب القائمة بين دولتين أو أكثر فيما بينها، أو تتصارع حربياً من أجل الحصول على دولة، لأن مفهوم الحرب قتال بين جيشين أو عدة جيوش، تندلع في آن، تحمل غاياتٍ وأهدافاً واضحةً ومؤشراتٍ على قيامتها، استعمار، عدوان أو اعتداء على حقوق، أو احتلال أجزاء تحمل أهميات خاصة، لذلك نجدها تنجز الاستعدادات والتهيئة، وطبيعي أن يكون هناك رابح وخاسر، أو متعادل أو متهادن، لكن عنواننا الذي أستخدمه كما استخدمه الكثيرون من دول كوكبنا، أراه خفيفاً وركيكاً، ولا يصل إلى مرتبة الحرب بمعناها الدقيق والشامل، فهو كمن يهدد أو يلوح أو يستثمر في هذا المصطلح لغايات ومآرب، ليبقى ضعيفاً أمام لغة إبادة أو سحق، أو استئصال، أو القضاء المبرم على الإرهاب، أو أي تهديد إرهابي، وهذا يختلف تماماً عن صراعات الدول مع بعضها، التي تنتهي بحروب أو بحلول مؤقتة أو دائمة، بعد أن تستجيب لشروط الاتفاق أو المهادنة أو الحوار.
الحرب مفردة تأخذ شكل المصطلح، تستخدمه صنوف الحياة، كالحرب السياسية والحرب الاقتصادية، والحرب الدينية، والحرب العادلة، والحرب القذرة، والحرب النفسية، وهي تطلق على أي نزاع مسلح داخلي أو خارجي، أي على كل من يحمل السلاح ضد سلاح، أما في الحرب على الإرهاب وأشكاله، فتأخذ أشكال التهديد المباشر أو غير المباشر، التي تجري لإزالة أو إلغاء هذا التهديد القائم أو الشروع في القيام به، وهذا حق يكفله القانون الخاص بكل دولة، وأقول هنا: هذا لأن الأمم المتحدة لم تصل حتى اللحظة إلى تعريف نهائي للإرهاب، تستند إليه الأمم والدول، لكونه حالة استثمارية، أصنفها بالحروب الخفيفة بين الدول، وهذا يدعونا إلى فهم منظومة الحفاظ على أمن الدولة الداخلي وأمن مواطنيها من أي اعتداء من مواطنيها على مواطنيها، أو من دخيلين عليها.
أعتقد أن مصطلح الإرهاب ظهر كغطاء مهم لعمليات التآمر القديمة التي كانت تجري بين الأمم، أو من أفراد، أو منظمات، غايتها إحداث الخلل بين المجتمعات، أو قلب الأنظمة بالتآمر الداخلي عبر شراء الذمم، الوعود البراقة مع تقديم الوعود اللوجستية بالدعم بكل أشكاله، وهذا يرينا أن الأدوار الاستعمارية التي كانت تلعبها الدول العظمى بشكل مباشر، حولتها إلى التآمر الذي انفضح، فذهبت إلى إنشاء مصطلح جديد قديم، ألا وهو الإرهاب الذي يخرجها من مسرح الاستعمار والتآمر، ويدخلها فيه كلاعب دائم فيه تدير صراعاته بشكل أو بآخر.
لنعد بالذاكرة إلى خمسينيات القرن الماضي، إبان حكم هاري ترومان لأمريكا، الذي كتب في نيويورك تايمز: الولايات المتحدة الأمريكية تستعد للقيام بعمل دبلوماسي وعسكري عنيف على سورية. ويتابع ترومان متنطعاً في الصحيفة ذاتها: (ماذا كنت فعلت لتصفية الخطر القائم في سورية). ويتابع: (إن سياسة الانتظار حين يكون البقاء موضوع بحث، هي سياسة وخيمة العواقب).
وها هي سورية مازالت تقابل السياسات التآمرية الأمريكية، التي أخذت شكل الإرهاب الإغرائي غير المباشر، أو العنيف المباشر، كما يحصل لسورية منذ سبع سنوات، وتدخل الثامنة بأعصاب هادئة، تعكس مقولة ترومان، وتستفيد منها مؤمنة بأنّ للحقيقة طعماً خاصاً، ولابد لمن تذوقوا طعمها أن يدركوا حجم النفاق الأمريكي وتلاعباته في عقول المارقين والسائرين في فلكه، وأؤكد أنّ سورية تتابع كفاحها ضد إرهابهم، وتظهر من جديد ساطعة الحرية، نضرة الكرامة، كاملة السيادة.
دعونا نستذكر بشكل دائم أن الولايات المتحدة لم تهدأ، ولم تستكن منذ وصول سورية إلى جلاء المستعمر عن أراضيها وحتى اللحظة عن التآمر عليها، ونمرُّ على الكيفية التي ناهضت سورية مع مصر مشروع أيزنهاور، وبشكل واضح وصريح هذا الذي لم يرق حينها للولايات المتحدة، فأخذت تلتمس الذرائع للتدخل في شؤونهما، وفي الضغط عليهما وتهديدهما، وظهر بيان في ذلك الوقت يسرد وقائع الضغط الاستعماري الأمريكي على سورية بشكل خاص ومؤامرة مبعوثها لوي هندرسون إلى الشرق الأوسط، وتدخل وزير خارجيتها جون فوستر دالاس المفضوح في الشؤون الداخلية السورية، ناهيك عن الدور الأردني مع الأمريكي، فضلاً عن الحشود التركية والإنذار السوفييتي في تشرين الأول 1957 للأتراك، وإنزال الجنود الأمريكيين على أراضيها بزعم مناورات الأسطول السادس، وكان ذلك أيضاً لأن سورية كانت تمضي في تحصين دفاعاتها أمام أطماع الكيان الصهيوني المحمي دائماً من قوى الاستعمار.
ما أشبه الأمس باليوم، ونحن نتحدث عن حلفاء سورية وأعدائها وأساليب الاستعمار الذي مهما اتخذ من أشكال، نجد أن مصالحه تدفعه لأن يطفئ أي جذوة، تأخذ بشق طريقها للظهور والحياة، ويضع جميع العراقيل في سبيل منع نموّها وتقدمها وتطورها، وهذا الذي يقوم به قادة الاستعمار القديم الحديث، هذا الاستعمار الذي يتذوق الهزائم بين الفينة والأخرى، نراه متحفزاً بشكل دائم للقيام بحملات تلو الحملات، وآخرها حملة الإرهاب على كل من يكافح من أجل الحياة، ويقاوم مشاريعه.
إذاً الحليف الرئيس لم يتغير، طبعاً الاتحاد السوفييتي، وقوامه روسيا الاتحادية سابقاً، الذي استمر بدعمه لسورية حتى انفراط عقده بسبب البيروسترويكا التي أنهته عام 1991 وظهور روسيا الاتحادية التي أريد من قوى الغرب إنهاؤها وتحويلها إلى تابع، إلا أنها سرعان ما استعادت حضورها، وعادت لدورها الريادي الداعم لقوى الحق والتحرر في العالم، على الرغم من نهجها الرأسمالي، بحكم انتهاء أيديولوجيا الديالكتيك التي تهيمن على مسارها، ومنه كان استمرار التعاون البناء بينها وبين سورية التي حفظت الود والعهد والمواثيق والوفاء لمبادئها وقيمها وللداعمين الواثقين بانتصاراتها على قوى الشر والعدوان.
إنها سورية التي تبادل الوفاء بالوفاء، تتحرك بقوة للقضاء على الإرهاب الذي غزاها تآمراً عليها، وعلى وجودها، وعلى قيادتها، وهي التي جيَّشت منذ ثمانينيات القرن الماضي شرفاء العالم، وطالبت الأمم المتحدة وجمعت الجامعة العربية لتعريف الإرهاب وتحديد منابعه وسبله وتتبعها، إلا أن الميوعة الأمريكية مع حلفائها المستفيدين من هذه الظاهرة التي كما تحدثت غدت شكلاً جديداً من أشكال التآمر على الشعوب والدول الآمنة والمسالمة الساعية للتطور بأحقية الوجود للجميع، تمنع ومازالت الوصول إلى أي تعريف إلا من باب أهوائها.
لم تؤمن سورية العروبة يوماً بالحرب على الإرهاب ضمن اللغة التي سرت للوصول إلى نتيجة منها، ألا وهي أنها آمنت بدحر الإرهاب وسحقه ومحو آثاره، هذا الإيمان الذي دعت الجميع لفهمه والتعامل معه، لأنها استوعبت مخرجات المؤامرة ومدخلات الإرهاب، وبأنهما وجهان للاستعمار القديم الحديث، الذي تقاومه وتكافح آثاره سورية على مدى خمسين عاماً وأكثر، سورية التي تؤمن بالحفاظ على وجودها، تؤمن بحقوق المواطنة، وتعمل عليه بالمنطق السياسي والاجتماعي، وتدفع لأن يكون الجميع تحت مظلة وطن، وتعتبر أن كل من يخرج عن القانون، يخرج عن المنطق الوطني، والذي يحمل السلاح أيّ سلاح ضد وطنه هو إرهابي بامتياز، ويجب إنهاؤه، لأنه يكون دخل المؤامرة، ولبس لبوس الإرهاب.
هكذا هي العلاقة بين التآمر والإرهاب الذي انكشف للجميع، ويتمسك به الاستعمار القديم الحديث بزعامة أمريكا ومن تديره.