غرب كنيس دمشق وتاريخ يهود دمشق وتدخلات الصهيونية … د. سامي مبيض يستعرض بالوثائق تاريخ المنظمة الصهيونية مع الحكم الوطني بعد الاستقلال … الزعماء الوطنيون أرادوا لليهود أن يذوبوا في المجتمعات العربية كافة لا في فلسطين وحدها
| إسماعيل مروة
كثيرة هي الأحداث التي تجري اليوم ونحاول البحث عن مسوغات لها، وعديدة هي الشخصيات التي مرت في تاريخنا الحديث، والخلاف حولها على أشده، والأحكام تطلق بدليل وبغير دليل على وطنيتها أو عدم وطنيتها، بل هناك مجموعة من القضايا الخلافية اليوم في عالم السياسة لم تكن خلافية من قبل، ومثلها قضايا يجدها المتابع عادية اليوم، ولم تكن كذلك قبل نصف قرن أو يزيد.
نصف قرن مضى على استقلال أكثر الدول العربية عراقة عن الاحتلال الغربي، وأقل من ذلك لأكثر الدول العربية، هذا الاستقلال الذي لم يكن ناجزاً منذ تحققه شكلياً وإلى يومنا هذا، وإن تراءى لكثيرين أن الدول العربية مستقلة، وصاحبة قرار، لأن النظرة المتعمقة في حقائق الأمور تظهر أن خروج الأتراك كان لغايات نبيلة عند أبناء الأوطان، وغير نبيلة لمن أعدّ الاتفاقات، وتلك الحقبة ترافقت مع أحداث ليست عادية أسست لمستقبل هذه البلدان.
بين الوطنية والقومية
تدور أحاديث كثيرة بين النخب اليوم ومنذ زمن حول مفهوم الوطنية والقومية، فهل من واجبنا أن نفكر في ذواتنا الوطنية، وأن نهمل الجانب القومي؟ وهل بإمكان أي شخص أو دولة أن ينجو بمكتسبات بلده إذا ابتعد عن الصراع الذي يحيط بالمنطقة؟
بغض النظر عن إيمان أحدنا بالأحزاب القومية ونظرياتها في العروبة، فإن ما أعرض له ليس أمراً فكرياً وعقيدياً، بل هو أمر قدري مصيري، فمهما كان رأي الأحزاب والساسة في أي بلد من البلدان، فإنه لا يمكن أن يخرج من الإطار القومي المصيري الذي فرضته الجغرافية ولم تفرضه الأحزاب!
فمن يتنطح اليوم ليقول: إن القضية الفلسطينية لا تعني كل عربي صاحب نظرة قاصرة!
ومن يظن أن أي حدث عربي من المحيط إلى الخليج لا يرتبط بما يجري في يافا فهو مسكين!
ومن يظن أن التاريخ يبدأ منه، ولا علاقة له بماض يرسم مستقبله فهو جاهل!
ومن لا يربط ما يجري اليوم على الأرض العربية بما حصل منذ وعد بلفور فهو لا يرى!
مشكلتنا أننا لا نقرأ، ولا نربط مفاصل الزمن، ولا ننظر إلا إلى اللحظة التي نحياها من دون أن نضعها في سياقها التاريخي، ولو وضعنا الأمور في نصابها لأدركنا أن حلقات التاريخ مترابطة لا تنفصل حلقة عن أخرى، وهنا أشكر للصديق الدكتور سامي مبيض الذي أعطاني الحجج لكل ما أطرحه على ذاتي من خلال كتابه الجديد (غرب كنيس دمشق- محاولات صهيونية لاختراق المجتمع السوري 1914- 1954) الذي صدر منذ أيام في بيروت، وفيه الكثير من الوثائق والأحداث والتفسيرات، وقد يقول قائل: إن المعلومات الموجودة معروفة للقاصي والداني!
قد يكون صحيحاً لنخبة من القراء، لكن الكتاب أغنى من ذلك وفيه الكثير مما يدهش.
حنكة العنوان
أصدر الدكتور مبيض من قبل كتابه (شرق الجامع الأموي- الماسونية الدمشقية) واليوم يصدر كتابه (غرب كنيس دمشق) فهل كان ذلك مصادفة؟ شرق وغرب، جامع وكنيس؟ وهذا الربط والفصل في دراستين مستقلتين متصلتين هل كان محض مصادفة؟
عندما يكون الباحث مؤرخاً وموثقاً من وزن سامي مبيض، فإن المصادفة تذهب جانباً، وترتبط الدراستان بروابط عضوية لتؤكد أن ما يريد تناوله يترابط بصورة طبيعية، فما بين شرق وغرب تكون دمشق سواء كانت متمثلة بجامعها أم بكنيس، وفي كلا الدراستين، وفي جميع الأحوال نحن أمام محاولات لاقتحام المجتمع السوري، غير المغلق أساساً، وذلك لأهميته الكبرى، ولأهمية دمشق بصورة خاصة، «موشي شاريت لـ بن غوريون: أقترح بث الفوضى وإشعال نار الفتنة في جميع هذه الدول، وأن يبدأ الخراب من العراق، لكونه الأكبر والأغنى بين الدول الثلاث، لكن بن غوريون رفض وقال: لا نريد أن نزعج الإنكليز، دعونا نؤجل العراق قليلاً.
سأله شاريت: ما رأيك في لبنان، فهو الأصغر والأضعف؟
عارضه بن غوريون مجدداً، وقال: دعه، فنحن لا نريد إزعاج الفرنسيين، علينا أن نؤجل لبنان قليلاً.
نفد صبر موشي شاريت وقال: ما رأيك في سورية؟
هنا أجاب بن غوريون: سورية ممتازة، البلد ممتلئ بالمشكلات والأقليات والإثنيات، وكل سكانه من دون استثناء، يرغبون في الوصول إلى سدة الحكم في دمشق، لكن عليك التريث قليلاً» ص 13-14 هذا ما جرى بين شاريت وبن غوريون قبل احتفال الصهاينة بالذكرى العاشرة لإعلان إسرائيل، وفق تقرير استخباراتي وصل إلى العرب وإلى سورية، وهذا التقرير يشكل مسوغاً لما أطلق عليه مبيض في العنوان الإضافي، محاولات صهيونية لاختراق المجتمع السوري، وإن كان العنوان يوحي أول الأمر باستهداف المجتمع السوري، إلا أن هذا الحوار بين اثنين من مؤسسي الكيان الصهيوني يظهر أسباب استهداف المجتمع السوري فهو لا يستهدف لذاته وإنما يتم استهدافه كما يظهر من الوثائق ودراسة الدكتور مبيض لسببين:
– تحقيق الاستقرار للكيان الإسرائيلي، وتحقيق الشرعية لوجوده.
– الوصول إلى مرحلة من الهيمنة والسيطرة والتفوق.
وكل ما في الكتاب، وهو غير قابل للاختصار يدور حول مجموعة من الإجراءات التي تدهش القارئ للوصول إلى هاتين الغايتين، وسنرى بعد القراءة المتمعنة أن كل ما وقف في وجه الصهاينة لتحقيق رؤاهم عملوا عليه بأساليب أخرى تؤدي إلى زعزعة الأمن والاستقرار، اعتماداً على رأي بن غوريون الخطر والمهم (يرغبون في الوصول إلى سدة الحكم في دمشق)!!
بدايات محاولات الاختراق
يشيع بين الكتاب والقراء على السواء بأن بدايات محاولات الصهيونية لاختراق المجتمع السوري مع عهد الانقلابات، وإذا ما نظرنا إلى التأثير الكبير لهذه المحاولات فذلك صحيح، ولكن هذه المحاولات التي نجحت مع عهد الانقلابات والإساءة للحكم الوطني الذي حقق الاستقلال لم تكن الأولى، ود. مبيض في هذا الكتاب المهم والوثائقي يظهر أن المحاولات كانت سابقة، فهي تعود إلى عهد الحكم التركي، وضمن مسوغات مهمة يضع المؤلف السياق التاريخي، فالأمر يتعلق بجالية يهودية مبثوثة في كل أنحاء المدن السورية، وقد كانت أصابع هذه المحاولات بما يطلق عليه (الثورة العربية الكبرى)، وهنا يميط المؤلف اللثام عن لقاءات تمت مع الملك فيصل بن الشريف حسين الذي حل مكان والده في قيادة الثورة العربية، باحثاً عن تاج ومملكة وحكم وفي هذا السياق كانت المحاولة الأولى التي استغلها اليهود، فوقعت اتفاقية في فندق كارلتون في العاصمة البريطانية حملت اسم (فيصل – وايزمان) 1919 بحضور الصهيونيين: نعوم سوكولوف، هربرت صموئيل، وهذه مقتطفات من الاتفاقية كما أوردها المؤلف: «إن الأمير فيصل ممثل المملكة العربية الحجازية، والقائم بالعمل نيابة عنها، والدكتور حاييم وايزمان ممثل المنظمة الصهيونية والقائم بالعمل نيابة عنها، يدركان القرابة والصلات القديمة القائمة بين العرب والشعب اليهودي، ويتحققان أن أضمن الوسائل لبلوغ غاية أهدافهما الوطنية هي في اتخاذ أقصى ما يمكن من التعاون في سبيل تقدم الدولة العربية وفلسطين، ولكونهما يرغبان في زيادة توطيد حسن التفاهم الذي بينهما فقد اتفقا على المواد التالية:
– يجب أن تسود جميع علاقات والتزامات الدولة العربية وفلسطين أقصى النيات الحسنة.
– تحدد بعد إتمام مشاورات مؤتمر السلام مباشرة الحدود النهائية بين الدول العربية وفلسطين.
– يجب أن تتخذ جميع الإجراءات لتشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين على مدى واسع والحث عليها، وبأقصى ما يمكن من السرعة لاستقرار المهاجرين.
– يجب ألا يسنّ نظام أو قانون يمنع أو يتدخل بأي طريقة ما في ممارسة الحرية الدينية.
– إن الأماكن الإسلامية المقدسة يجب أن توضع تحت رقابة المسلمين.
– تقترح المنظمة الصهيونية أن ترسل إلى فلسطين لجنة من الخبراء لتقوم بدراسة الإمكانات الاقتصادية في البلاد.
– يوافق الفريقان المتعاقدان على أن يعملا بالاتفاق والتفاهم التامين.
– كل نزاع قد يثار بين الفريقين المتنازعين يجب أن يحال على الحكومة البريطانية للتحكيم.
أضاف الأمير ملحقاً بخط يده، بعد التوقيع، محتفظاً لنفسه، بحق التنصل من الاتفاق في حال عدم التزام حاييم وايزمان بما وعد به، ولكن هذا الملحق لم يكن كافياً لحماية فيصل » ص87- 88- 89.
تم التوقيع على هذه الاتفاقية (فيصل- وايزمان) عام 1919، وفي ذلك الوقت لم تكن البلاد العربية قد انتهت من الاحتلال التركي، ولم يكن هتلر قد دخل على الخط، وهذا ما ينفي مزاعم كثير من الدارسين بأن الصهاينة كانوا أمام خيارات لإنشاء وطن قومي لهم، وبأن ما حدث كان نتيجة المحرقة التي نفذها هتلر ضد اليهود، إضافة إلى أن الوثائق والكتاب ضم بعضها يشير وتشير إلى وجود هجرات يهودية قبل هذا التاريخ من شتى بقاع العالم إلى الوطن العربي عموماً، وفلسطين خاصة، بل إن الكتاب يشير بوضوح إلى وجود يهود يعود تاريخ هجرتهم إلى خروج العرب من الأندلس، وهؤلاء اليهود كانوا يتوجهون إلى دمشق خاصة، وهم يشهدون بحسن تعامل العرب معهم.
فجواباً على سؤال لجنة كراين يقول يهود دمشق: «لقد عشنا بسلام نسبي مع العرب المسلمين طوال تاريخنا، ونتمنى أن نستمر كذلك. أما عن مستقبل سورية، فنحن نطالب بحكم ذاتي لجميع السوريين تحت وصاية دولة أوروبية… وسوف نقبل بأي دولة تختارها عصبة الأمم» ص77.
لجان عديدة أوروبية وأميركية أنشئت في محاولات محمومة للوصول إلى غاية إنشاء وطن قومي يهودي لفلسطين، ويخطئ من يظن أن فكرة الدولة اليهودية الدينية نشأت على يدي نتنياهو أو الصهاينة الحاليين، لقد كان الوطن اليهودي الديني مؤسساً له منذ انطلاق الفكرة والبدء بتطبيقها، ووايزمان الذي صاغ الاتفاق مع فيصل بمنتهى الذكاء أدى دوراً كبيراً وتواصل مع القادة الوطنيين، وحين تأكد من أن مشروعه الصهيوني وجد طريقه وصار مقبولاً لدى القادة يقول عام 1930 مؤكداً حصوله على نتائج مهمة «إن كل الاعتراضات العربية على ما قمنا به خلال السنوات العشر الماضية في فلسطين تختصر في جملة واحدة من قبلنا: لقد وصلنا ونحن قادمون، وسوف نأتيكم بأعداد متزايدة»، ويعلق المؤلف: «بالرغم من قسوته، فإن الكلام كان صحيحاً، فقد ارتفع المعدل السنوي للمهاجرين اليهود من خمسة آلاف في الفترة 1929- 1931 إلى ثلاثة وستين ألفاً في عام 1935 وحده» ص121.
وهذا يظهر أن المنظمة الصهيونية التي عملت تحت المسمى نفسه، ولم تتخفَ وراء تسمية أخرى طرحت غاياتها منذ البداية بوضوح، وعقدت اتفاقات لا لبس فيها، وفق رؤيتها الإستراتيجية بعيدة المدى كانت تسير إلى هدفها بثقة ووضوح، وهذا ما وضح في اتفاقية (فيصل- وايزمان) التي تنص على تحكيم الحكومة البريطانية بأي خلاف، وفي طلب اليهود الدمشقيين للوصاية الأوروبية المتنورة!! فقد مكنت هذه الوصاية مع التحكيم والقوة والمال، والجهل العربي بالمقابل من الوصول إلى نتائج كبيرة.
يهود عرب وشخصيات وطنية
في مطلع القرن العشرين لم يكن التواصل مستهجناً بين مكونات المجتمع السوري إن كانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهوداً، لأن معالم الحركة الصهيونية لم تكن واضحة، والنظرة العامة إلى اليهود كانت على أنهم مكوّن من مكونات المجتمع، وإن امتلك بعض الخصوصية.. والكتاب بصورة مقصودة أو عن طريق السرد التاريخي أظهر الآليات التي أوصلت إلى خطر التعامل مع اليهود حين تطابقت الفكرتان اليهودية والصهيونية، والسعي إلى تأسيس دولة صهيونية تقوم على أساس ديني بحت.
فبعد تواصل ما بين الطائفة الموسوية وزعماء المنظمة الصهيونية، وصدور صحافة ذات توجه صهيوني وخاصة بعد صدور وعد بلفور أدى إلى إجراءات مشددة، ولا تزال هذه الإجراءات سارية إلى اليوم ويعمل بها «منع حقي العظم فور دخوله السرايا الكبيرة أي شخص أجنبي من دخول أراضي دولة دمشق عبر الحدود الفلسطينية من دون تقديم طلب رسمي ومقنع للسلطات السورية» عثور شرطة دمشق على ثلاثين مسدساً حربياً في أحد فنادق ساحة المرجة دخلت الأراضي السورية في حقيبة سفر سائح يهودي صهيوني يدعى شلومو فرايدلاندر، بدأت بعض الهيئات الحكومية في عهد العظم، وبإيعاز مباشر منه، ترفض التعطيل في عيد رأس السنة اليهودية، وصار تاريخ صدور وعد بلفور مناسبة قومية لتعطيل المدارس وتسيير التظاهرات الصاخبة في شوارع دمشق، منددة بالصهيونية، وأحياناً بالدين اليهودي أيضاً… وتحديداً بعد انتخاب مجلس جديد للطائفة في تشرين الأول عام 1920 ضم بعض الشخصيات المحسوبة على الصهيونية، وسجل محضرة باللغة العبرية… وكان جوابه لوجهاء الطائفة: يجب ألا تعنيهم جميع هذه المظاهر، فهي موجهة ضد الصهاينة وليست ضدكم، فأنتم بنظري ونظر الدولة مواطنون سوريون قبل أن تكونوا يهوداً».
ويكتشف القارئ أن عباس حلمي خديوي مصر طرح نفسه ليكون على عرش سورية 1932 فرفضت الفكرة وأجريت انتخابات سريعة فاز بها محمد علي العابد لينهي حلم الخديوي.. ولننظر في طروحات عباس حلمي: «تضمن الدولة العربية الموحدة حق إقامة اليهود داخل فلسطين، مع حكم إداري في مناطقهم، وأن تكون حقوقهم محفوظة ومصونة في دستور الدولة الفيدرالية»، هذا إضافة إلى طلب حلمي: للقاء حاييم وايزمان لمناقشة الحلول المرضية لقضية الهجرة!
وقبل وعد بلفور عقدت لقاءات بين الوطنيين السوريين وزعماء الحركة الصهيونية في أماكن عدة من القاهرة إلى لندن وجنيف وبلودان ودمشق في فندق فيكتوريا مثل عبد الرحمن الشهبندر ورضا الركابي وفخري البارودي ومحمد كردعلي، ولننظر إلى رأي الوطنيين: «أكد الدمشقيون الثلاثة الشهبندر والعسلي وكرد علي ضرورة أن تكون الهجرة اليهودية محددة، وألا تقتصر على فلسطين وحدها، وأن تشمل كل البلدان العربية، بهدف تذويب اليهود المهاجرين داخل المجتمعات العربية، كي يصبحوا أقلية نافذة ومحترمة»، ويتابع المؤلف: «أدرك الصهاينة بعد اجتماعهم أن العملية السياسية ستكون أكثر تعقيداً مما تخيل البعض… وأن المجتمع الدمشقي غير قابل للانحراف في المسألة الفلسطينية».
وكان المدخل الحقيقي للحركة الصهيونية هو الإفقار، وهذا ما حدث عام 1918 «الطائفة اليهودية في دمشق قد سقطت إلى أسفل درك العوز، وأصبحت مستعدة نفسياً لتلقي العون الخارجي، نتيجة تدهور وضعها الاقتصادي، وبذلك أصبحت هي المدخل الجديد لمشروعات الصهاينة الاستغلالية، بعد فشلهم في اختراق المجتمع عبر وجهائه المسلمين».
وفي عهد الانقلابات السورية الذي كان بتأسيس أميركي صهيوني بدأت مرحلة جديدة من الحوار للحركة الصهيونية من حسني الزعيم إلى فوزي سلو، محمد ناصر، عفيف البزرة، أكرم الديري، غسان جديد كما يذكر المؤلف في صلب كتابه، ويظهر ذلك على كلمة غلافه التي تنتهي بصدمة جهلنا التاريخي عندما يقول: «إلى مدينة دمشق التي زارها كل من موشي شاريت وحاييم وايزمان، وهما أشهر الآباء المؤسسين للدولة العبرية»!
أخيراً
إذا كان وايزمان قد قال بعد عشر سنوات من بدء المشروع الصهيوني الاستيطاني إن الصهاينة قادمون، وتفاءل بكل ما يجري وبأنه يجري لمصلحة الصهاينة، فها نحن بعد أكثر من ثمانين عاماً على قوله نردد ونفاجأ بما قال، وتدهشنا ردود الأفعال العربية أمام ما فعل الصهاينة، بل نستغرب من أن الصهاينة كانوا يرون أن العرب يغارون منهم ويخافون من تسيدهم المنطقة!.
لم يكن ذلك سراً، بل كان علنياً، وها نحن اليوم نحد نبوءات المنظمة الصهيونية تتحقق على أرض الواقع، ومن أمراء إلى أمراء، ومن هاشميين إلى الانتماءات كافة..
دخل الصهاينة اليهود وحاوروا كل الشخصيات الوطنية، لكنهم لم يحصلوا على نتيجة أو تأييد، وعندما بدأت ملامح الدولة الصهيونية توقف التواصل، واستعان الصهاينة بفكرتهم السديدة الواردة في الكتاب «إنهم يسعون إلى السلطة» فعملوا على استثمار ولاءات وتأييد من يسعون إلى السلطة السياسية، فكان دخولهم الأول في عهد الانقلابات، وها هو ما يجري على الأرض العربية يساعد على تحقيق حلم الدولة اليهودية الصهيونية، والواقع العربي يزداد تشظياً.
غرب كنيس دمشق كتاب توثيقي غاية في القيمة والأهمية، ويكشف جوانب من الشخصيات الوطنية، وربما الأسباب التي تسلك بعضهم في سلك الماسونية العالمية، لكن الوثائق تقدم رأياً آخر في السياق التاريخي الواقعي.. يجدر بنا أن نقرأ هذا الكتاب بوعي لأنه كتاب علمي توثيقي، وليس كتاب إثارة وتشويق.. يسجل حقائق التاريخ الحديث، ولا يسعى إلى تشويهها بحكم قيمه.