واشنطن وعقدة إسقاط الدولة السورية!
| بسام أبو عبد الله
في كل يوم تحضر أمامنا أدلة جديدة حول حجم التآمر على سورية فإضافة لما قاله وزير خارجية قطر السابق حمد بن جاسم حول إنفاق أكثر من 137 مليار دولار لإسقاط الدولة السورية، وهو كلام يشكل أساساً قانونياً لملاحقة مجرمي الحرب هؤلاء في محاكم دولية لو كنا في عالم أكثر توازناً، فإن شهادة سفير الولايات المتحدة السابق في دمشق روبيرت فورد أمام اللجنة الفرعية المختصة بشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقية في الكونغرس الأميركي بتاريخ 6 شباط الماضي هي دليل جديد على مساعي واشنطن المحمومة لإسقاط الدولة الوطنية السورية، وهي بالمناسبة شهادة مكتوبة وخطية، إضافة لخبراء آخرين في الشأن السوري مثل جوشوا لانديس، وتشارلز ليستر.
شهادة فورد، والخبراء الآخرين جاءت بناءً على دعوة رئيسة اللجنة الفرعية المختصة بالشرق الأوسط، وشمال إفريقية روز ليهتنين، وهي من متشددي المحافظين الجدد التي افتتحت الجلسة بالقول: إن الكثير من الناس تشجعوا بعد تصريح وزير الخارجية ريكس تيلرسون الأخير الذي دعا فيه إلى مرحلة «سورية بعد قيادة الأسد»! وما قصدته هو تصريحه في كانون الثاني 2018 الذي أكد فيه أن الجنود الأميركيين سوف يبقون في سورية حتى بعد هزيمة داعش، وأعاد تأكيد التزام إدارة ترامب بما سماه «تغيير النظام»، ودعا المجتمع الدولي لتقويض الدولة السورية اقتصادياً من خلال رفض تمويل جهود إعادة الإعمار!
وقد أشادت رئيسة اللجنة، وفورد بكلام تيلرسون، وأهداف الإدارة الحالية التي برأيهم بحاجة للأفعال، حسب قولهم، والأمر ليس هنا فإدارة ترامب واضحة في أهدافها العدوانية تجاه سورية، وحلفائها، وهي تحاول تنفيذ ما تقوله، وبرز ذلك من خلال ما بات يعرف بـ«وثيقة الخماسية» التي أخذها المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا إلى فيينا، ثم تسريب الوثيقة البريطانية التي نشرتها صحيفة الأخبار اللبنانية، التي تعكس خطة العمل التنفيذية التي يطالب بها فورد، وغيره من محاولات تقسيم سورية عبر الأمر الواقع، وإسقاط مخرجات سوتشي، والعمل على كتابة دستور سوري جديد بأيد أممية برعاية دي ميستورا، ثم الدعوة لانتخابات رئاسية لا يسمح للرئيس بشار الأسد بالترشح لها حسب ما رشح من وثائقهم، وحسب ما يخططون، ويتوهمون!
الأمر واضح ومكشوف، ولكن كلنا يتذكر أن دول الخليج: السعودية، قطر، الإمارات، إضافة لتركيا، وواجهات المعارضة السورية، كانت تشتكي صباح مساء من أن إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما ليست جادة في تغيير النظام في سورية، وأنها لا تولي هذا الأمر الأهمية الكافية، وترافق ذلك مع حملة إعلامية واسعة للضغط، وإبراز ذلك خاصةً من مرتزقة إعلام موائد البترودولار حتى خيل للبعض أن أوباما متواطئ مع الدولة السورية، وعميل روسي، أو إيراني، وجنده الحرس الثوري الإيراني للعب هذا الدور، وكانت أبواق المعارضين السوريين تدعي دائماً أن إدارة أوباما لم تقدم الدعم لثورتهم الميمونة المظفرة، وأنه لو قدمت إدارة أوباما الدعم المطلوب لما بقي «النظام» حسب تعبيرهم، يوماً واحداً! هكذا سوقوا، وروجوا لسنوات مضت في كل إطلالاتهم البهية عبر الشاشات، وعبر كتاباتهم التنظيرية، على الرغم من أن ما أنفق على ثورتهم المزعومة يكفي كما قال الفنان العربي زياد الرحباني «لتعليم البقر الرقص والعزف على البيانو»!
مشكلة هؤلاء، أن من يعريهم هم أسيادهم ورعاتهم، فها هو روبرت فورد الأب الروحي لكل هؤلاء يقول في شهادته، الخطية، إن الولايات المتحدة أنفقت ما لا يقل عن 12 مليار دولار خلال الفترة مابين 2014- 2017، وهذه المليارات هي إضافة لمليارات أخرى أنفقت لتغيير النظام في سورية بدءاً من عام 2011، أي مليارات آل سعود، وآل ثاني، وآل نهيان، وغيرهم، ويقول بالحرف: «كلفة العمليات العسكرية الأميركية في سورية خلال السنة المالية 2014 حتى نهاية 2017 كانت مابين 3-4 مليارات دولار، وإضافة تكلفة العمليات العسكرية، فإن موازنة عام 2017 اقترحت أن تتضمن 430 مليون دولار لبناء قوات أمن محلية، وموازنة عام 2018 تضمنت 500 مليون دولار، ويتابع في شهادته أن الولايات المتحدة أنفقت أيضاً 7.7 مليارات دولار لجهود ما سماه الدعم الإنساني خلال الفترة 2014-2018، وهذا الرقم لا يمكن استثناؤه من التكلفة الإجمالية التي دفعتها الولايات المتحدة للوصول إلى هدفها بتغيير النظام، حسب تعبيره.
ويفضح فورد تباكي الولايات المتحدة على البعد الإنساني في سورية بالقول: إن وكالة التنمية الأميركية «يو إس إيد»، والوكالات الحكومية الأخرى لا تقدم الدعم الإنساني إلا للمناطق التي يسيطر عليها المتمردون، حسب مصطلحهم، بما في ذلك المناطق التي تدار من فرع القاعدة في سورية أي جبهة النصرة! ليعترف بشكل واضح أمام اللجنة أن ما يسمى المساعدة الإنسانية الأميركية لسورية مسيسة بشكل كبير للغاية! وسبب تسييس التمويل الذي يسمونه إنسانياً أنه جزء من الجهود المركزة لتقويض سلطة الدولة السورية على أراضيها من خلال إنشاء إدارات سياسية مستقلة، ومنظمات مجتمع مدني، ومؤسسات صحية، وبنية تحتية، وسلطات أمر واقع تعتمد وتعتاش من التمويل الأميركي فقط! أي إنشاء أذرع عميلة، ومرتزقة عسكرية، ومدنية لخدمة المشروع الأميركي الهادف لإسقاط الدولة السورية، ونموذج شمال شرق سورية قائم أمامنا.
يخلص فورد للقول: «إذا جمعنا كل هذه الأرقام، فإن تكلفة الدعم العسكري والمدني الأميركي خلال الأعوام الأربعة الماضية يصل إلى نحو 12 مليار دولار» ليتساءل في شهادته أمام اللجنة: «إن هذا مبلغ ضخم جداً، ومن غير الواضح متى ستتوقف هذه النفقات».
لكن الأكاديمي المختص بالشأن السوري ذهب أبعد من ذلك عندما قال في شهادته إن هذا المبلغ أي 12 مليار دولار، قد لا يتضمن النفقات الخاصة بعمليات وكالة الاستخبارات المركزية «سي أي إيه» في سورية، وهو أمر كشفت عنه أكثر من صحيفة أميركية فـ«نيويورك تايمز» كانت قد اعتبرت أن برنامج الـ«سي أي إيه» في سورية، هو أحد أكثر البرامج تكلفة، منذ بدء الوكالة برامج تمويل الجهاديين في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي.
أما «الواشنطن بوست» فقد نشرت في حزيران 2015 أن عمليات الـ«سي أي إيه» السرية في سورية تكلف الوكالة نحو مليار دولار سنوياً، غير الأموال التي تنفقها السعودية، وقطر، وتركيا لتدعم ما يسمى المعارضة السورية، وعادت الـ«نيويورك تايمز» في آب 2017 لتقول إن برنامج عمليات الوكالة في سورية هو أحد أكثر برامج العمليات تكلفة في تاريخ السي أي إيه!
أما تشارلز ليستر أحد كبار الباحثين في معهد دراسات الشرق الأوسط في واشنطن، والذي يحشد منذ سنوات من أجل قلب نظام الحكم في سورية، فقد اعترف في شهادته المكتوبة أمام اللجنة نفسها أن «برنامج تغيير النظام في سورية قد أخفق»، مقترحاً طرقاً جديدة لإسقاط الرئيس الأسد حسب زعمه!
إن مجمل هذه الشهادات يجب أن تقوم جهات حكومية وقانونية بتوثيقها، وخاصةً أن هناك تسجيلاً صوتياً لها موجود على موقع لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس الأميركي، وكذلك استخدامها في وسائل الإعلام المرئية من أجل إطلاع الرأي العام عليها، إضافة إلى آلاف الوثائق، والشهادات التي تدين التورط الأميركي المباشر لإسقاط الدولة الوطنية السورية، ومؤسساتها، خلافاً لميثاق المنظمة الدولية التي تحتل الولايات المتحدة فيها صفة عضو دائم في مجلس الأمن الدولي مسؤولة عن حفظ الأمن والسلم الدوليين.
الحقيقة المهمة الأخرى أن لا فرق في الاستهداف لسورية بين إدارة أوباما، وإدارة ترامب فالهدف واحد، والوسائل مختلفة، وما ختم به فورد شهادته من أن «الجميع يريدوننا خارج سورية» هو صحيح، وسوف يتحقق، لأن أهم عامل لطرد المحتل هو الشعب السوري الذي لن يسمح لدولة القتلة، والمجرمين أن تبقى مدنسة لأرضهم الطاهرة، وما على فورد إلا تذكر مشهد الهروب من فيتنام، وبيروت، والعراق، وبالتأكيد سورية التي سيتذكرها كثيراً هو، وعملاؤه، ومرتزقته، وستدخل التاريخ العالمي ضمن أساطير الصمود والصبر، والقدرة على هزيمة الغزاة، ووكلائهم من عتاة المجرمين، والقتلة.
سورية ستكون عقدة أكبر من عقدة فيتنام لدى الأميركي، وهذا ما يكتبه السوريون بصمودهم في كل يوم، وبدعم حلفائهم، وأصدقائهم، لأن نصرهم هو نصر لكل الأحرار والمتحضرين، والمتنورين في هذا العالم.