ياسين بقوش نجم الكوميديا.. في ذكراه الخامسة
| وائل العدس
قبل خمسة أعوام، استشهد أحد أهم الفنانين السوريين المؤسسين جراء قذيفة هاون أطلقتها مجموعة إرهابية مسلحة على سيارته أمام منزله في مخيم اليرموك بدمشق عن عمر 75 عاماً.
إنه ياسين بقوش الذي اشتهر بأعماله الفنية الكوميدية مطلع السبعينيات مع الفنانين الكبيرين دريد لحام ونهاد قلعي بدور «ياسين» صاحب شخصية الإنسان البسيط والساذج.
هو واحد من أولئك العمالقة الذين أرسوا الكوميديا السورية سينمائياً ومسرحياً وتلفزيونياً، وأحد الأركان المهمة في الدراما السورية حيث تخصص بشخصية مستقلة تماماً استطاعت أن تدخل قلوب الجماهير العربية والجماهير السورية.
«ياسينو» صاحب المسيرة الإبداعية المتميزة ترك فراغاً لا يستطيع أحد ملأه لأن التميز والخصوصية كانا أهم سماته خلال هذه المسيرة التي لا يستطيع أحد ملامستها.
أهمله المنتجون والمخرجون في العشرين عاماً الأخيرة من حياته ما دفع به ليعمل ممثلاً للأدوار الثانية والثالثة في الإذاعة.
مجد وشهرة
اكتشفه القصاص الشعبي حكمت محسن وأشركه معه في سلسلة إذاعية كانت بعنوان «متعب أفندي» حيث كانت المحطة الإذاعية الأولى له وبعد هذه الفترة انتقل إلى المسرح القومي.
ورغم أن مجده صنع برفقة مؤسسي الكوميديا السورية دريد لحام ونهاد قلعي ورفيق سبيعي وناجي جبر، فإن البداية كانت على يدي عبد اللطيف فتحي (أبو كلبشة) الذي أسس فرقة «المسرح الحر». عمل ياسين معه منذ عام 1956، ثم انتقل إلى «مسرح العرائس»، وكان واحداً من ممثلي المسرح القومي، وعمل في مسرحية سعد اللـه ونوس «سهرة مع أبي خليل القباني» للمخرج أسعد فضة، إضافة إلى عمله أواخر الستينيات مع عمر حجو في «مسرح الشوك».
لكن كل ذلك كان نقطة في بحر الشهرة التي حصدها الكاراكتر الذي صنعه نهاد قلعي، فرسخ «ياسينو» في ذاكرة الجمهور ولم تتمكن سنوات غيابه الطويلة من محو أثره.
من «صح النوم» إلى «مقالب غوار» و«ملح وسكر» و«وادي المسك» و«عريس الهنا» و«تلفزيون المرح»، ظل بقوش أسير شخصية تؤلف الطيبة والفرح الذي يولد من رحم السذاجة.
ورغم بساطته في أدواره الفنية فإنه كان فناناً مثقفاً يقرأ كثيراً.
قدم عشرات الأعمال التلفزيونية والسينمائية الكوميدية وفي السنوات الأخيرة شارك في عدد من الأعمال الكوميدية والتاريخية ومنها ما اعتمد عليه كممثل رئيسي مثل «ياسين تورز» و«ياسين في المطبخ» وشارك بدور حاخام يهودي في المسلسل التاريخي «سيف بن ذي يزن» كما شارك في بطولة مسرحيات كوميدية قدمت على مسارح العاصمة دمشق.
وسام الاستحقاق
أصدر الرئيس بشار الأسد المرسوم رقم 96 للعام 2013 لمنح بقوش وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة تقديراً لجهوده وإنجازاته في خدمة الفن، سلمته الدكتورة نجاح العطار نائب رئيس الجمهورية للشؤون الثقافية لعائلته.
ونوهت العطار وقتها بما قدمه الفنان ياسين بقوش إلى جانب رفاق دربه من إنجازات للفن والوطن في رحلة عمر حملت مشاعل الإبداع ترك فيها بصماته في حياتنا الفنية الناشئة منذ بدايات ستينيات القرن الماضي في المسرح والسينما والتلفزيون.
وأكدت أن يد الإجرام الأسود التي اغتالت بأبشع طريقة فناناً جماهيرياً أحبه الناس هي نفسها التي تعيث في أرضنا وتختطف أحباءنا ومناضلينا والصفوة من أبنائنا وشبابنا وتعمل على تدمير بيوتنا ومنشآتنا ومساجدنا وكنائسنا ومستشفياتنا ومدارسنا ودور الأهل الآمنة في أحيائنا وتقوم بتدمير اقتصادنا وتراثنا وتستلب لقمة العيش من أطفالنا.
وأشارت إلى أن الفنان الراحل ينضم إلى قوافل المجد من كتاب وإعلاميين ومبدعين كما المناضلين من أبناء جيشنا البواسل الذين أعددناهم لحماية أرضنا من كل عدوان متوقع ولم نتصور مطلقاً أنهم سيقضون على أيدي إخوة لهم من سورية مغرر بهم أو من الوطن العربي الذي كنا ومازلنا على استعداد لافتدائه بالروح وبكل ما نملك.
وشددت على أن سورية احتضنت ياسين بقوش ابن ليبيا الشقيقة وتبنته كما تبنت كل عربي وجد فيها ملاذاً لم يشعر يوماً أنه ليس ابن سورية وهو القائل: «لم أشعر يوماً أنني من ليبيا.. هذا البلد الأمين سورية لم يعلمني سوى الخير والمحبة.. هذا البلد عشت فيه كل حياتي تربيت وكبرت وعملت وتزوجت وأنجبت في كنفه ولن أغادره إلا إلى الموت ولن أغادره ولو مت أنا وأطفالي من الجوع».
وقالت: «إن ياسين بقوش باقٍ في قلوبنا وفي ذاكرتنا وفيما ترك من أعمال.. سلام عليك شهيداً يا أبا الهيثم وسلام على كل شهدائنا الذين رووا أرضنا بدمائهم أطفالاً ونساء ورجالاً.. وسلام على أبطالنا البواسل من قواتنا المسلحة الذين قضوا وهم يدافعون عن أهلهم ووطنهم وسلامه واستقراره وما بدلوا تبديلاً».
مسيرتي الفنية
في إحدى حواراته الصحفية، تحدث بقوش عن مسيرته الفنية الطويلة فقال: أنظر إلى مسيرتي الفنية وأنا أعتز بها لأني استفدت منها كثيراً ثقافياً وأدبياً واجتماعياً وربيت أولادي على هذا النهج، فكلما نظرت إلى أولادي وهم يحملون ثقافة عالية أحس نفسي أني ملك هذا العصر على بيتي وأهلي وأصدقائي، وهذا الاعتزاز بالأخلاق يجعلك إنساناً عالي الرأس، بهذا الحب من الناس ومحبتهم المحيطة بي في الشارع وفي البيوت والمقاهي وكلما شاهدوني يبتسمون لي، ما يجعلني أملك كل شي من السعادة في هذه الحياة.