تأرجح بين التسوية المؤقتة والصراع المفتوح
| أنس وهيب الكردي
تبتعد آمال التسوية السياسية لأزمة سورية باطراد مع اتساع مدى وارتفاع حدة الصراعات ما بين القوى الدولية والإقليمية على أرضها، وإن كان صحيحاً أن تلك الصراعات أثرت، وتأثرت بمجريات الأزمة السورية، إلا أن المدى الذي وصلت إليه الصراعات سواء خارج سورية أو داخلها، لا ينبئ بقرب ظهور بصيص من الضوء في نهاية النفق.
مع تصلب مناطق النفوذ التابعة لهذه الدولة أو تلك في غير منطقة من سورية، لا يلوح في الأفق أي احتمال للتعاون بين القوى الدولية بهدف تسوية الأزمة السورية، والأرجح أننا أمام مشهد فوضوي بامتياز.
تشير التحولات الميدانية إلى أن الحكومة السورية وحليفاتها سائرات في طريقهم لاستئصال الإرهاب، مع حرصهم على تكثيف الضغوط على الولايات المتحدة كي تسحب قواتها من شرق وشمال سورية، وتتراجع عن مضمون ورقة واشنطن وترفع يدها عن الورقة الكردية، إضافة إلى مساعيهم لحصر التسوية السياسية بمخرجات مؤتمر سوتشي، وتتضاءل قدرة الدول الداعمة للميليشيات المسلحة على فرض رؤيتها للتسوية أو حتى التوصل إلى حل وسط، مع كل تقدم ميداني للجيش السوري وحلفائه، وأيضاً، مع ازدياد وتائر الصراع بين الولايات المتحدة، ومن ورائها السعودية وفرنسا من جهة، وتركيا من جهة أخرى، بشأن ملامح تسوية القضية الكردية في سورية.
لقد عدلت الولايات المتحدة سياستها حيال سورية، معلنةً عودتها إلى الانخراط في عملية جنيف، بعد أن تركت روسيا تتحكم بالعملية لعام خلا وقررت البقاء في شرق البلاد، من أجل تأمين نفوذها في العراق وتقليص نفوذ إيران الإقليمي، ولو أدى ذلك إلى مواجهة مع تركيا، هذا القرار الأميركي الكبير جاء متفرعاً من رغبة واشنطن في تأكيد مصالحها الدولية والإقليمية في مواجهة المتحدين الدوليين والإقليميين، وعلى رأسهم روسيا وإيرانـ، وهكذا، بات مفتاح عملية جنيف موجود ليس فقط في موسكو بل أيضاً في واشنطن، التي انتقلت من موقف المحايد من مسار أستانا إلى المعترض عليه، ما يعني اقتراب مناطق خفض التصعيد الأربع من نهايتها.
لم يتأخر قط رد موسكو على التشدد الأميركي، ووقف الرئيس فلاديمير بوتين أمام مجلس الدوما الروسي كاشفاً عن صاروخ كروز جديد «لا يقهر» من شأنه أن يحيل الدرع الصاروخية التي تنشرها واشنطن كطوق حول منافساتها في أوراسيا، إلى خردة.
أيضاً، وفجأة عدلت الحملة التي يقودها الجيش السوري طريقها من إدلب إلى الغوطة الشرقية، في إطلاق لرصاصة الرحمة على منطقة خفض التصعيد هناك، وسعياً من روسيا إلى إنهاء أي نفوذ للولايات المتحدة وحليفاتها على مقربة من دمشق.
مضت روسيا خطوة إضافية في تحسين علاقاتها مع طهران، فبعد أن ضبطت سياستها الإقليمية على أساس التعاون مع إيران في المسرح السوري، والاقتراب من الموقف السعودي في المسرح اليمني، تصدت الدبلوماسية الروسية لحملة دولية وإقليمية في مجلس الأمن الدولي استهدفت إدانة إيران على خلفية نقلها صواريخ بالستية إلى «أنصار الله» في اليمن، أطلقتها الأخيرة على مدن سعودية، وبذلك، عززت موسكو شراكتها مع طهران حول المسائل الإقليمية، وتصدت لمحاولات واشنطن استخدام مجلس الأمن كأداة لفرض عقوبات جديدة على إيران.
وإحباطاً للمناورات الأميركية الساعية إلى جذب تركيا بعيداً عن شريكتيها في مسار أستانا، وتذكيراً لأنقرة بعواقب الانفتاح على الولايات المتحدة، وافقت روسيا على صدور القرار الدولي ذي الرقم 2401، وساهمت قواتها في إدخال الإغاثة إلى مدينة عفرين بريف حلب الشمالي الغربي، على الرغم من أن الروس لم يذهبوا بعيداً إلى حد القبول بموقف الحكومة السورية وإيران من الهجوم التركي في المنطقة.
وإذا كان الجيش السوري وحلفاؤه الروس والإيرانيون بصدد تقليم أظافر الولايات المتحدة وحليفاتها في غرب سورية خلال العام 2018، تحت غطاء الحرب على جبهة النصرة، فعلى الأرجح أن تعمل موسكو على فتح الباب أمام تهدئة ما لتسوية مؤقتة مع واشنطن قبل أن تعود إلى تصفية الحساب مع الوجود الأميركي في شرق سورية العام المقبل.
ربما فضل مسؤولون في الإدارة الأميركية عروض التهدئة الروسية لكسب الوقت وترسيخ القواعد العسكرية الأميركية في شرق سورية، وإنشاء هياكل عسكرية ومدنية تكون قادرة على تحمل الضغوط المقبلة، لكن المخاطر في ظل وجود إدارة متشددة في واشنطن، تبقى قائمة، بأن البلدين وعوضاً عن أن يتجها إلى تهدئة أو تسوية، قد ينزلقان إلى صراع مفتوح، عنوانه المجابهة حول خط نهر الفرات.