ثقافة وفن

في يوم المرأة العالمي… تمكينها ثقافياً ومعرفياً وفنياً … لوحات أنثوية تجمع همّاً اجتماعياً يرفض الرضوخ لأزمة أو لتقليد

| سوسن صيداوي

مجرد لقطة، تستغرق ثانية من الوقت، ولكنها قادرة على أن توقف الزمن، وتوثّق المشاعر والأحاسيس وكل الأحداث عبر صورة، كانت بالأبيض والأسود، وهي اليوم ملونة، غنية، ومتنوعة، مثلها مثل المرأة، الجامعة بين القوة والضعف، الحنو والصرامة، الجمال والأنوثة إضافة إلى الكثير مما تمتلكه الحياة لأن في النهاية، المرأة حياة. بمناسبة عيد المرأة العالمي وبحضور كبير من الفنانين والمهتمين، افتتحت جمعية تاء مبسوطة معرض تصوير ضوئي يحمل اسم(3×9)لمجموعة فتيات في غاليري جورج كامل بدمشق، وذلك ضمن الخطة السنوية للجمعية التي تهدف إلى تمكين المرأة السورية عبر ورشات عمل في مجالات ثقافية. شاركت في المعرض تسع متسابقات، تقدمنّ إلى الورشة التي أعلنت عنها الجمعية، وعلمت الفتيات بها عبر صفحتها على الفيس بوك، وتم قبولهن، فتلقين تدريبات على آليات التصوير الضوئي. أسماء المشاركات: تاتيانا أبو عسلي، سولير أبو ضاهر، فريال لبابيدي، رنا غزالة، كندة دوبا، مريم نحلاوي، مرام الأحول، ندى محمد، هبة أبو هيف. كل مشاركة قدمت ثلاث لوحات، تتمحور مواضيعها حول النساء وظروف حياتهن اليومية، ومعاناتهن اليومية.
وبقي أن نذكر بأنه سيتم في ختام المعرض اختيار ثلاث فائزات بعد عرض الأعمال على لجنة التحكيم تضم فنانين تشكيليين وفوتوغرافيين.

الفرص لتعزيز مكاسب المرأة

اعتبرت رئيس مجلس إدارة جمعية «تاء مبسوطة» ديانا جبور، أنه أمر طبيعي أن تستغل الجمعية يوم المرأة العالمي وتزامن معه معرض (3×9) وأن تنشر فيه نشاطا لها، لأن الجمعية نسائية وتستهدف بنشاطاتها النساء، متابعة «جمعيتنا (تاء مبسوطة) ثقافية وفنية على خلاف بقية الجمعيات الموجودة، نحن نهدف إلى تمكين المرأة ثقافياً ومعرفياً وفنياً، حيث تتمكن الأخيرة من دخول سوق العمل الفني والثقافي، وأن تكون مؤهلة للمنافسة بالاقتصاد الحديث المعتمد على الاقتصاد المعرفي، وبالتالي امتلاك أدوات مختلفة عن المهارات التقليدية التي عادة يتم تدريب النساء عليها بمثل هذه الجمعيات المدنية». وحول اختيار شروط قبول الفتيات والمستوى المطلوب للموافقة على المشاركة في الورشة أشارت «كان من قبل لدينا ورشة كتابة إبداعية، والمشاركات فيها لسن بالضرورة أن ينتجنّ نصوصاً إبداعية، لكن يكفي أن يكنّ متذوقات للفن، فبمجرد قدرتهن على تذوق الفن والدفاع عن حقهن بأن يتابعن أعمالاً فنية وإبداعية، هذا يعني بأن كل واحدة منهن تحولت إلى منارة وسط ظلام الضيق، وممكن في مرحلة لاحقة أن تصبح كل واحدة إما متابعة وشغوفة، أو كاتبة ومبدعة، أو ربما ناقدة، لأنها في ظل تلك الحالات استلمت أدوات الكتابة والتذوق. وهنا في ورشة التصوير الضوئي، عرّفنا المشاركات على الحرفة، وكيف يمكن أن نترك مساحة للإبداع والفن ومعرفة القانون ثم التمرد عليه، لأن التمرد من دون معرفة قانون يصبح فوضى، وتركنا لهن حرية اختيار المواضيع على أن تكون حول المرأة أو تخدم المرأة».
وحول دور المرأة السورية الذي يجب تفعيله أكثر في مجالات الثقافة تحدثت رئيس مجلس إدارة الجمعية قائلة «لدينا أيضاً صالون ثقافي وهو تجربة رائدة بسورية، فحتى الصالون الثقافي سابقا الذي كانت تديرة امرأة في مصر، بالأساس تلك المرأة هي من بلاد الشام-مي زيادة-فلكي نبقى على خارطة الوجود والحضارة يجب أن نعيد إحياء الثقافة والإبداع، كي ترجع الثقافة جزءاً من حياتنا الاجتماعية وألا تكون مفصولة عن يومياتنا. أما عن توسيع شريحة السيدات المستهدفات في الجمعية وخاصة في فترة الحرب التي تعيشها سورية فهذا يعتمد على الإمكانات أولا، لكن الحرب هي تحد رغم ألمها ووجعها، وهنا يجب أن نسأل أنفسنا السؤال التالي:لم لا نحول هذا التحدي إلى فرصة، بمعنى أن هناك نساء استفدن من الحرب وأثبتنّ كفاءتهنّ، فهذه الامتيازات إذا لم نؤسسها ونحطها بمظلة مؤسسات مدنية وببيئة قانونية، يجب استثمار الفرصة لنرسّخ ونعزز مكاسب المرأة التي تحققت رغم الحرب».
التحكيم بموضوع

من جانبها تحدثت عضو مجلس إدارة الجمعية لورا أبو خضير عن أعضاء جمعية التحكيم وعن المواضيع المشاركة في المعرض، متابعة «تم اختيار لجنة التحكيم بالتنسيق بين جمعية تاء مبسوطة وغاليري جورج كامل، وهم من عدة اختصاصات ومجالات لأن التصوير فيه شق تقني وكذلك فيه شق فني وإبداعي، وبالتالي أسماء اللجنة التي ضمت فنانين تشكيليين وفوتوغرافيين على سبيل الذكر: ريمة سلمون، يوسف عبدلكي، نصوح زغلولة وجورج كامل. بالنسبة إلى مواضيع المعرض، كان مطلوباً من المتسابقات أن يقدمنّ رسالة أو موضوعاً متكاملاً، فمنهنّ من تحدثت بأعمالهن مثلا عن الحلم ومنهنّ عن العادات الاجتماعية والقيود، ومنهن من تحدثت عن الخيبات. والمواضيع مع الأسماء على الشكل التالي: ندى محمد (أزهار الإسفلت)، سولير أبو ضاهر (حياتها)، فريال لبابيدي (كينونة امرأة)، مرام الأحول (ذلك الزمن)، كندة دوبا (بدايات صحيحة الأخ- الأب-الزوج)، هبة أبو هيف (موت أبيض)، مريم نحلاوي (بين اليأس من الحياة والأمل بها مفتاح فامتلكيه)، تاتيانا أبو عسلي(روح)، رنا غزالة(قيامة).

مهنة لا هواية
من جانبه تحدث مدرب الورشة تليد الخطيب بأن عدد المشاركات في البداية كان اثنتي عشرة مشاركة، وبعد انسحاب ثلاث بقي تسع مشاركات تحدّين ضيق وقت الورشة، وظرف الأزمة القاسي الذي تعرضت له العاصمة في الفترة السابقة، متابعاً «أنا فخور بالجهود التي قدّمنها، علما أن وقت الدورة ضيق، والصور أخذت بوقت قصير وضمن أسوأ أسبوع عاشته دمشق نتيجة قذائف الهاون، ورغم ذلك خرجنّ وصورن في أماكن متعددة، لذا كان لي الشرف بأن أكون المشرف على هذه المجموعة المميزة من الفتيات. وبالطبع جمعية تاء مبسوطة تعلن أنشطتها عبر وسائل مختلفة منها وسائل التواصل الاجتماعي، من هنا عرفت المشاركات بهذه الدورة، وتقدمنّ لها. وكان المعيار الأساس والأهم لقبول المشاركات، هو الإحساس بحالة الرغبة في التعلّم لديهن. وهدفنا من الورشة والمعرض الحالي بأن نؤمّن لهنّ مدخلا إلى التصوير الفوتوغرافي، لا أن يبقى موضوع التصوير هواية، بل أيضاً مهنة، وبمناسبة عيد المرأة العالمي أحب أن أؤكد أن المرأة السورية أثبتت بأكثر من موقع بأنها ليست فقط قادرة على أن تتكيف مع الأحداث الأليمة التي يعيشها بلدنا، بل قادرة أن تتسامى وتبدع أكثر-ربما أفضل من أوقات السلم- ولو لدي تسع كاميرات لكنت قدمتها للمشاركات التسع».

الهمّ اجتماعي
في حين تحدث الفنان التشكيلي د. طلال معلا بأن المعرض ناقص بمكان، وبرأيه لا يكفي أن يمتلك المصور إمكانية استعمال الكاميرا، فلابد أن يدخل إلى المختبر، ويتحكم بألوان الصورة، مشدداً على ضرورة أن يتم استكمال الورشة بأعمال مختبرية في التصوير الفوتوغرافي، لتحصل المشاركات على موهبة متكاملة المعرفة التقنية في هذا المجال، متابعاً «لكن المعرض بالعموم جيد إذا قسناه بالمستوى الموجود، ومن الملاحظ بأن هناك هماً اجتماعياً لدى الجميع، وهماً ثانياً هو هم المرأة، باعتبارهن جميعاً نساء، رغم أنه لا ضير لو كان الهم مجتمعياً بشكل عام دون تمييز بين رجل وامرأة، لكن رغم اختلاف المواضيع ووجهات النظر، إلا أن الصورة الاجتماعية هي الحاضرة».

من المتسابقات
تحدثت المشاركات عن الورشة وما قدمته لهنّ من خبرة وحلم ممزوج بأمل واعد باستمرار موهبة ممكن أن تصبح مع الأيام حرفة أو وسيلة عيش. ومن المشاركات ندى محمد التي قالت «أنا طالبة في السنة الأولى في كلية الاقتصاد. بصراحة يعود الفضل لاشتراكي بالمسابقة لصديقتي التي تعلم بأنني أحب التصوير وأمارسه دائماً عبر كاميرا الموبايل، حيث أخبرتني عنها عبر صفحات التواصل الاجتماعي، وطبعا فضولي دفعني إلى زيارة الصفحة والمتابعة. شاركت بالمعرض بمجموعة من الصور كنت أطلقت عليها اسم «أزهار الإسفلت» وهي تحكي عن الطفولة وما يعانونه في الأزمة من مشاق وصعاب وكيف هم محرومون من أبسط حقوقهم. أنا سعيدة جداً بانتسابي إلى الورشة لأنها فتحت لي الآفاق وصقلت موهبتي البسيطة، ومكنتني من التعامل مع الكاميرا، ومنحتني الكثير من المعلومات والقواعد التي لم أكن أعيرها انتباها أثناء التقاطي للصور».
بينما مريم نحلاوي تجربتها في الورشة لم تكن مختلفة وقالت «أنا طالبة في كلية الاقتصاد وأعمل في مجال المحاسبة، اليوم وسائط التواصل الاجتماعي هي الأسرع في الإعلان، وعبر صديقتي التي شاركت إعلان الجمعية على صفحتها، علمت بالورشة وأرسلت إليهم برسالة وتم التواصل ثم الاشتراك، هذه أول تجربة لي من حيث التعامل مع الكاميرا، ولكنني مهتمة جداً بالتصوير، لأنه يمكننا من تشكيل لوحة من خلال لقطة لا تكلّف إلا ثانية من الوقت، وهذه اللقطة نفسها تنقل لنا مشاعر وأفكاراً وجمالاً. الفكرة الأساسية لمشاركتي بالمعرض هي تحرر المرأة من قيودها التي تفرضها على نفسها ويفرضها عليها المجتمع والتي لا يمكن أن تتحرر منها إلا عبر امتلاكها لمفاتيح حياتها بالثقة وبالاستقلال».
في حين وليدة المسرح تاتيانا أبو عسلي تحدثت عن تجربتها قائلة «حاولت من خلال ما قدمته من لوحات والتي تحمل عنوان «روح» بألا يتوقف الزمن على الرغم من أنه معروف عن الكاميرا بأنها توقف الزمن، كي تخلّد اللقطة التي تعبر عن موضوع توثّقه، وحاولت أن أقدم أمرا مختلفا، وبأن يبقى إيحاء الزمن موجوداً».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن