شؤون محلية

لماذا لم تصدر وزارة المالية قيمة المبالغ التي استردتها من الفاسدين؟

| نبيل الملاح

في إطار ما أكتبه حول معاناة وهموم المواطن والوطن، وتقديم الأفكار والرؤى لإعادة بناء مؤسسات الدولة بناءً عصرياً سليماً، والتركيز على مكافحة الفساد بشكل جاد وفعال، باعتبارها المدخل والأساس في الإصلاح وإعادة البناء، ومن دون ذلك لن يكتب النجاح لأي مشروع إصلاح أو بناء.
أتحدث في هذا المقال عن موضوعين يتصلان بالمسؤولية والشفافية، حيث ما زلنا نسمع من المسؤولين كلاماً جميلاً منمقاً، لكنه بعيد عن الحقيقة والواقع في كثير من الأحيان، ويؤدي ذلك إلى تراكم الأخطاء واتساع التجاوزات وإضعاف مؤسسات الدولة لتصبح تحت سيطرة ونفوذ الفاسدين والمفسدين.
لابد من العمل على إيجاد صيغ فعالة للتفاعل بين المواطن والمسؤول، وبين المسؤولين وأصحاب العلم والخبرة الذين لابد من الاستعانة بهم في مرحلة إعادة البناء والتصدي للفساد. ولابد أن يتحلى المسؤولون بأعلى درجات المسؤولية والشفافية، وأن يتحلى المواطنون بالموضوعية والواقعية، فالوطن للجميع، وعلى الجميع يقع عبء إعادة بنائه.
أعود إلى الموضوعين اللذين سأتحدث عنهما في هذا المقال:
الموضوع الأول: قرأت منذ عدة أيام خبراً في صحيفة «الوطن» عنوانه: «الحجز على 13 مليار ل.س لرجال أعمال وفاسدين في العامين الماضيين لمصلحة 86 جهة حكومية»، وبقراءة تفاصيل الخبر تبين أن معاون وزير المالية قال إن الحجوزات الاحتياطية خلال عامي 2016- 2017 بلغت 13 مليار ليرة سورية، وكلنا يعلم أن الحجز الاحتياطي يبقى حبراً على ورق إلى أن يصدر حكم قضائي مبرم بحق المتهم المدعى عليه، وسمعنا كثيراً عن فاسدين أحيلوا على القضاء وقضوا مدة محددة في السجن وخرجوا بعدها من دون أن يسددوا المبالغ المحكوم عليهم بها، وبعد فترة عادوا إلى حياتهم الطبيعية ليتنعموا بثرواتهم التي نهبوها وهربوها خارج البلاد.
والسؤال: ألا يجب تعديل القانون ليبقى المحكوم عليه بمبالغ محددة في السجن إلى أن يقوم بتسديدها مع فوائدها وغراماتها؟ أليس من غير المعقول أن يحبس السارق المرتشي الفاسد لمدة لا تزيد على سنة مهما بلغت المبالغ التي حكم بها؟!
لقد طالبت وزارة المالية منذ العام 2004 وما زلت أُطالبها أن تصدر بياناً سنوياً بالمبالغ التي استردت من الفاسدين المحكوم عليهم وغير المحكوم عليهم، ودخلت خزينة الدولة فعلاً، وأعتقد أن هذه المبالغ لن تكون مساوية للحجوزات الاحتياطية، ولن تكون مساوية للمبالغ المحكوم بها في الأحكام القضائية الصادرة، وأتمنى أن تظهر وزارة المالية غير ذلك.. إن الدولة اليوم بأمس الحاجة لاسترداد الأموال المنهوبة لتوظيفها في إعادة البناء، ودعم موازنتها التي تعاني من عجوزات كبيرة.
الموضوع الثاني: كنت قد اقترحت على وزارة التجارة الداخلية عام 2015 وعام 2017 إعادة النظر بقانون الشركات، وهو القانون الأهم والأساس لتأسيس الشركات التجارية وتنظيم عملها والأحكام المتعلقة بحلها وتصفيتها، وبينت أن قانون الشركات تضمن أحكاماً عامة لجميع أنواع الشركات ولم يفرق بين شركات الأشخاص (تضامن، توصية) وشركات الأموال (محدودة المسؤولية، مساهمة)، وكذلك لم يفرق بين التصفية الرضائية والتصفية القضائية، ما أدى إلى إشكالات وتداخلات في الأحكام الواردة فيه.
وكان على الوزارة المعنية معالجة ذلك بالسرعة الممكنة.. من خلال إصدار تعليمات حول تطبيق بعض هذه الأحكام، واقتراح تعديل الأحكام الأخرى التي لابد من تعديلها بقانون.
إن أهمية قانون الشركات في الحياة التجارية والاقتصادية، تتطلب إجراء مراجعة شاملة له والاستعانة بأهل الخبرة والعلم من القضاة والماليين والفعاليات التجارية.
وأسأل: هل من المعقول نشر قرار حل وتصفية شركة تضامن في الجريدة الرسمية؟ في الوقت الذي لا يلزم القانون نشر عقد تأسيسها في الجريدة الرسمية، ألا يمكن أن تعالج وزارة المالية ووزارة التجارة الداخلية هذه القضية بتعليمات مشركة وفقاً للقانون روحاً ونصاً؟!
تعاني مؤسسات الدولة التنفيذية والقضائية من قصور في فهم النصوص القانونية وتفسيرها، وعدم وجود ضوابط وقواعد ملزمة تضمن التفسير والتطبيق السليم للقانون، وهذا القصور أدى إلى إيجاد مجال واسع للفاسدين والمفسدين لابتزاز الناس والعبث بالقانون.
كل ذلك يتطلب اختيار المسؤولين في مختلف المستويات من أصحاب العلم والخبرة والنزاهة والإخلاص، وإيجاد الآليات الناجعة لمراقبة وتقييم أدائهم، ويبقى صوت المواطن هو الأهم في ذلك.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن