عربي ودولي

نمو الإنفاق العسكري الصيني ومنظار الحرب الباردة الملون

| الوطن

في الخامس من آذار الجاري عقد الاجتماع الأول للمجلس الوطني الصيني الثالث عشر في العاصمة بكين، وأظهر تقرير العمل الحكومي المقدم من قبل رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ، ومشروع الموازنة العامة المقدم من قبل وزارة المالية بأن مقدار الإنفاق على الدفاع الوطني لعام 2018 سوف يصل إلى مبلغ 11069.51 مليار يوان صيني أي ما يعادل 175 مليار دولار أميركي تقريباً، وبنسبة نمو بلغت 8.1 بالمئة عن العام الذي سبقه.
ومثل كل المرات السابقة قامت وسائل الإعلام الغربية بانتهاز الفرصة لإثارة الضجة حول نمو صندوق الدفاع الصيني، ولكن يمكن القول إنه وعلى خلفية القوة الوطنية الشاملة للبلاد، والمناخ الأمني المحيط بالبلاد، إضافة للتغيرات العميقة التي يشهدها الوضع الإستراتيجي العالمي، فإن زيادة الإنفاق العسكري الصيني تعتبر مشروعة ومعقولة كما أن هذه الزيادة معتدلة وثابتة ومستدامة.

تطور الجيش الصيني
يقسم الإنفاق العسكري الصيني بشكل أساسي إلى ثلاثة أجزاء هي: نفقات الموظفين وتكاليف التدريب ونفقات المعدات، ويحتل كل جزء من هذه الأجزاء قيمة الثلث تقريباً من مجموع الإنفاق العسكري العام.
في السنوات القليلة الماضية قامت الصين بتنفيذ زيادة معتدلة في نفقاتها الدفاعية، وشكل قسم كبير من هذه النفقات تعويضاً عن النقص في نفقات معينة للسنوات الماضية، ومن أهم ما يتم الإنفاق عليه هو تحديث المعدات العسكرية وتحسين الظروف المعيشية للعسكريين وتحسين ظروف المعيشة لتدريب الوحدات الشعبية.
في الوقت الحاضر، هناك ثورة في التطور السريع للجيوش في العالم، ووفقاً للوضع الجديد والقائم على سياسة إستراتيجية عسكرية، تعمل الصين أيضاً بشكل مستمر على تعميق الدفاع الوطني والإصلاحات داخل القوات المسلحة الصينية وتبذل الجهود الممكنة في سبيل تحسين القدرة القتالية الشاملة لقواتها المسلحة، ويمكن القول إنه يتم تركيز حجم الإنفاق الدفاعي الوطني أساساً على تحسين هيكلية الأسلحة والمعدات وتطوير أنواع جديدة من هذه الأسلحة.

الإنفاق الدفاعي الصيني أقل من دول العالم الأساسية الأخرى
يحتل الناتج الاقتصادي المحلي لجمهورية الصين الشعبية، المرتبة الثانية عالمياً، وفي ظل دراسة القوة الاقتصادية الصينية يمكن اعتبار أن نمو الإنفاق على الدفاع في الصين لا يزال ضمن الحد الأدنى اللازم للدفاع عن التنمية السلمية في البلاد.
كما يمكن الاستنتاج من خلال ما تحتله ميزانية الدفاع الوطنية من إجمالي الناتج المحلي للبلاد أو من خلال نسبة النفقات المالية للدولة أو حتى من خلال نصيب الفرد من الدخل، أن مستوى الإنفاق الدفاعي الصيني يعتبر أقل من دول العالم الأساسية الأخرى.
كما يمكن أن نرى من خلال الناتج المحلي الإجمالي لجمهورية الصين الشعبية أن نفقات الدفاع الصينية لسنوات عديدة قد شكلت نسبة 1.3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهذه النسبة تعتبر أقل من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والهند، مع الإشارة إلى ميزانية الدفاع الأميركية لعام 2018 تشكل ما يعادل نسبة 3.4 بالمئة من الناتج الإجمالي المحلي الأميركي، وفي الهند 1.58 بالمئة وفي روسيا ما يعادل 2.8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
من خلال الأرقام يمكننا أن نرى بشكل لا لبس فيه، أنه على الرغم من أن الإنفاق الدفاعي للصين يأتي في المرتبة الثانية عالمياً بعد الولايات المتحدة، ولكن مجموع هذا الإنفاق لا يشكل سوى نحو 24.6 بالمئة من مستوى الإنفاق لوزارة الدفاع الأميركية، أما بالنسبة لنصيب الفرد من تكاليف الدفاع فنسبة الصين هي فقط 18/1 مقارنةً مع الولايات المتحدة، و9/1 مقارنةً مع بريطانيا ومع فرنسا هي 7/1 أما مع روسيا واليابان فإن النسبة هي 5/1.

تطور الصين لا يشكل أي تهديد لأي دولة
الصين لا تزال تعتبر دولة نامية لم تحقق بعد التوحيد الكامل للوطن، وهي دولة كبيرة محاطة بمحيط معقد وصعب، حتى أنه يمكن القول أنها الدولة الكبيرة المحاطة بمحيط إقليمي هو الأكثر صعوبة وخطورة، ومن أجل تحقيق نهضة الدولة والأمة الصينية يجب أن تكون الصين قادرة على مواجهة الأوضاع والتحديات الدولية القاسية والمتزايدة.
وفي هذا الإطار ومن أجل دعم السلام العالمي والأمن القومي في الصين، فإن بكين لديها حاجة ملحة لتعزيز الكفاءة القتالية للقوات المسلحة، ومن الضروري زيادة الإنفاق العسكري للبلاد، ومن ضمن ذلك يأتي تطوير الأسلحة والمعدات الحديثة، بالإضافة لتحسين الوضع المعيشي للعسكريين داخل القوات المسلحة، وبالتالي تعزيز قدرة جيش الشعب لكسب الحرب.
أما بالنسبة إذا ما كانت دولة ما ستشكل تهديداً للبلدان الأخرى، فيمكن التأكيد أن هذا التهديد لا يكمن بشكل أساسي في أن هذه الدولة هي دولة قوية عسكرياً أم لا، بل يكمن هذا التهديد في السياسات الداخلية والخارجية التي تنتهجها هذه الدولة.
ونستطيع أن نؤكد أن الصين تلتزم دائماً بطريق التنمية السلمية، وتنتهج سياسة دفاع وطنية دفاعية محضة، لذلك فإن تنمية الصين لا يمكن أن تشكل تهديداً لأي دولة أخرى.
وإجمالاً فإن السلام والتنمية هما الطموحان المشتركان للمجتمع الإنساني والموضوع الأساسي للتنمية العصرية.
ومن خلال كل ما سبق يمكن أن نستنتج أنه إذا كان هناك شخص ما يملأ رأسه بالتفكير بالحرب الباردة التقليدية ومفهوم اللعبة التي محصلتها صفر، فيمكن اعتبار أن هذا الشخص لا يمكن أن يرى إلا العداء والمواجهة للآخرين.
ومن أجل تقييم الإنفاق العسكري الصيني بشكل صحيح وموضوعي يرجى خلع النظارات الملونة، وعدم افتعال الضجة حول هذا الأمر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن