إطلاق مشروع «خبز الحياة» لدعم الإنتاج الفني وصون الدراما السورية … آن الأوان أن نفكر في دراما محترمة.. ومن يود التجارة فليتاجر خارج ضمائر الناس وعواطفهم
| وائل العدس
هيمنت على الدراما السورية مواسم من الليل البهيم متجسدة بالأعمال الساقطة والرديئة فناً وفكراً وأخلاقاً والتي لا تعبر أبداً عن المجتمع السوري.
مؤخراً، أطلقت المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني مشروعها الجديد بعنوان: «خبز الحياة» لدعم الإنتاج الفني وصون الدراما السورية.
ودعا المشروع الفني الدرامي الإبداعي بحسب المؤسسة إلى التعاون معها من أجل إنتاج غزير ونوعي بطريقة إبداعية رابحة على كل المستويات تحقق المصلحة المشتركة للجميع.
وأكدت المؤسسة أن الهدف من المشروع حماية الإبداع والمبدعين والعاملين في قطاع الإنتاج الفني وصون الدراما السورية من التشتت والضياع اعتماداً على النبل وكرم الأخلاق.
ودعت المؤسسة الجهات والأفراد الراغبين في التعاون مع المؤسسة للمساهمة بإنجاح هذا المشروع الوطني وللاطلاع على التفاصيل عبر موقع المؤسسة وموافاتها بالمناسب عبر البريد الإلكتروني الموجود على الموقع لغاية 15 من الشهر الجاري، أي يوم الخميس المقبل.
ولهذه المناسبة، تناقش «الوطن» حال الدراما السورية وكيفية إنقاذها من الانحدار والتدهور، وهي مسؤوليات تقع على عاتق وزارة الإعلام ونقابة الفنانين، ومن بعدهما لجنة صناعة السينما والتلفزيون.
حوار بيزنطي
عندما تفقد الدراما أخلاقها وقيمها الإنسانية التي أنشئت لأجلها أصلاً، فإنها بلا شك تؤدي إلى الإفلاس الثقافي والهبوط الاجتماعي وتدن في مستوى الحوار حتى يبدو حواراً بيزنطياً لا طائل منه.
لا يختلف اثنان على أن أهم وظائف الدراما تسليط الضوء على الواقع المعيش، لكن بعض الأعمال شوّهت المجتمع السوري وأظهرت الخيانة وكأنها ظاهرة اجتماعية دارجة، وأن الجنس الهاجس الأول والأوحد للناس من دون التطرق أصلاً إلى مسوغاتها.
كما نلحظ انتشار ظاهرة جديدة وخطيرة تتمثل بانتقال عدوى السينما التجارية إلى الدراما، فعوامل الجذب التي يخاطب بها صناع الفن السابع لحصد أكبر قدر من الأموال في شباك التذكر أصبحت تتوارد في التلفزيونات، بعيداً عن الأفكار الهادفة والبناءة.
لذا أصبح الحديث عن المحرمات أمراً يسيراً، ولتفرض مشاهد الإغراء والإيحاءات الجنسية على البيوت والعائلات بموضوعات سطحية ورغبات تافهة ونماذج مستهلكة واستغلال الجسد لأهداف ربحية واعتبار المرأة كائناً من الدرجة الثانية، أو حتى العاشرة.
إضافة إلى ذلك فإن استخدام ألفاظ ومشاهد تخدش الحياء بات أمراً اعتيادياً، بل أصبح هناك استثمار تجاري لمثل هذه الألفاظ التي فيها من الإباحية الكثير، وهناك تعمد مسبق لاستخدامها بهدف اجتذاب قطاع أكبر من الجمهور، لكن الاستخدام المفرط لهذه الألفاظ قد ينفر الناس ويؤدي إلى نتائج عكسية، فالبيت السوري والعربي محافظ بشكل عام.
اللغة البصرية الراقية في الأعمال السورية تحولت إلى لغة الجسد الإغوائية ومسلسلات سفاح القربى والخيانات الزوجية لتخرج إلى مسلسلات ما أنزل اللـه بها من سلطان ولتتحول الدراما من حالة ننتمي إليها وتنتمي إلينا إلى حالة نخجل منها وتخجل منا.
الدراما السورية تحولت إلى عملية تجارية تخضع لميزان العرض والطلب فقط من دون النظر إلى معايير أخرى، لذا تخرج أحياناً عن مسارها وهدفها النبيل.
وتبيع شركات الإنتاج أعمالها بالعملة الصعبة، ما يعني أنها لم تتأثر بالظروف الاقتصادية التي فرضتها الحرب على سورية، ورغم ذلك لجأت إلى تقليص المصاريف والأجور متحججة بالأزمة.
الشللية ظاهرة نهشت جسد الدراما، حتى إن هوية المخرج صارت تدور في الأذهان فور متابعة عدة مشاهد من دون العودة إلى الشارة.
وآن الأوان لنفكر في دراما محترمة تطرح قيماً رفيعة من دون أن تحسب حساب الدكاكين والبسطات والتجار، ومن يرد التجارة فليتاجر خارج الدراما وخارج ضمائر الناس وعواطفهم.
بكل الأحوال يجب ألا نتنازل عن الاعتداد بالدراما السورية بعد الذي وصلت إليه من نجاح محلي وعربي والتضحيات التي قدمها فنانون كبار صنعوا هوية حقيقية للثقافة السورية، فالدراما السورية مركز إشعاع وطني يشبه أكبر مراكز الأبحاث والدراسات في دول العالم.
وزارة الإعلام
تعد وزارة الإعلام المسؤولة الأولى والأخيرة عن مسار الدراما السورية، خاصة أنها تعتبر واجهة البلد وتتابع من الملايين في أرجاء الوطن العربي.
هذه الوزارة المهمة والمفصلية لم تبخل يوماً عن دعم الدراما، واليوم أصبحت مسؤولياتها أكبر من خلال التحفيز على صناعة الدراما وتشجيع الإنتاج الجيد ودعم صنّاع الدراما باعتبارها الأهم في ترسانة القوى الناعمة والمؤثرة.
والمطلوب دعم المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي مادياً ورفع موازنتها بما يتناسب مع زيادة عملية الإنتاج.
ويجب مراعاة ظروف هذه الصناعة التي تنفق المليارات ويشاهدها جميع طبقات الشعب، ويجب في الوقت نفسه إجبار المنتجين لاحقاً على مراعاة الذوق العام وليس فوضى الشارع والاهتمام بقضايا المجتمع التي تؤثر في الناس، مثلما يراعون الظروف الاستثنائية والتحديات الكبرى التي نواجهها في هذه المرحلة الصعبة.
وجميل أن توجه الوزارة بتقديم دراما تعزز الهوية السورية بتفاعلها عبر التاريخ، والتركيز على الوسطية من دون تطرف ولاسيما أن هناك محاولة إعلامية عبر القنوات المعادية لأن يقدم السوري كمتطرف إن كان دينياً أم سياسياً وأخلاقياً، أو تصويره على أنه متشدد أو منحل، لذا يجب أن نعيد صورة المواطن السوري.
وبما يتعلق بالتقنيات نذكر أن معظم المحطات تتجه نحو تقنية HD وهي غير موجودة في التلفزيون السوري ما يستدعي وجود تقنيين وضرورة جودة الهندسة الفنية، لأن بعض الأعمال لا ترقى إلى أدنى مستوى الصورة والصوت مع العلم أن هناك أعمالاً على مستوى فني وتقني عالي في الوقت نفسه.
إضافة إلى تطوير القاعدة التقنية الفنية من خلال شراء كاميرات حديثة وجزر مونتاج وبرامج غرافيك بما يتناسب مع تطوير الصورة البصرية لتنافس مع ما يعرض على شاشات المحطات العربية الأخرى.
نقابة الفنانين
المطلوب من نقابة الفنانين تطوير مهامها ونظام عضويتها لتصبح فاعلة أكثر في الوسط الفني، من خلال حماية حقوق الفنانين والفنيين بفرض صيغة العقد المعتمد في نقابة الفنانين على جميع جهات الإنتاج ويكون لهذا العقد ثلاث نسخ واحدة مع الفنان أو الفني والثاني مع شركة الإنتاج والثالث مع النقابة نفسها، إضافة إلى توحيد صيغة عقود التنازل والشراء لكل الشركات العامة والخاصة.
وعلى النقابة أن تجد صيغة لتفعيل دور خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية بمن فيهم قسم التقنيات لرفد الوسط الفني بتقنيين وفنيين أكاديميين.
بين النص والإخراج
على كتّابنا أن يسلطوا الضوء على الواقع وأن يعالجوا في كتاباتهم سلبيات هذا الواقع وأن يحاولوا إبراز عواقب الاستخفاف بالقيم والأخلاق، خصوصاً في هذا الوقت الذي طغت فيه موجة التغريب التي أبعدت فئة لا بأس بها من المجتمع عن القيم ودفعتهم لتقليد النمط الغربي في الحياة كنوع من التقليد الأعمى.
كما لم ترتق المعالجة التي طرحها كثير من النصوص إلى المستوى الاحترافي بل شابها الركاكة والعجز والتشتت وعدم التسلسل بخلق الأحداث.
مشكلة بعض الكتاب تكمن بطرح فكرته من دون أن يعرف من أين يبدأ وكيف يختتم خطوطه، بل يتخبط في تقديم أحداث فارغة ومكررة بعيدة عن التخطيط والشكل العلمي.
وأيضاً هنالك مشكلة جديدة تكمن بظهور أسماء لا علاقة لها بالبناء الدرامي ولا الحرفة كلها، حتى إن كل من هب ودب بدأ يجرب الكتابة من دون معرفة لهذه الثقافة ومداها على المتلقي.
ومن أبرز التفاصيل التي تحتاجها الدراما السورية وجود أشخاص في العملية الإنتاجية يمتلكون الخبرة والرؤية الثاقبة والنفس الفني الحقيقي لصناعة الدراما، كذلك تحتاج إلى آليات صحيحة وحقيقية في تسوية العمل.
أما مسؤولية النتيجة النهائية للعمل فتقع على المخرج، ولكن النسبة الأكبر من المخرجين باتوا يتعاملون مع العمل الدرامي على أنه مصدر رزق بغض النظر عن الرسالة التي يقدمها للمجتمع.
الآلية الرقابية
لأن الرقابة تعتمد على العنصر البشري وتتفاوت من شخص لآخر، يجب إعادة هيكلة آلية الرقابة بحيث نحتكم لفكر رقابي مؤسساتي وليس لمزاجية الرقيب أو ثقافته الذاتية ومعتقداته الخاصة.
توحيد جهة الرقابة ضرورة حتى لا تتضارب الرؤى وتحدث الفوضى التي لا تخدم الإبداع ولا الصناعة.
ويجب إيجاد آلية موحدة جديدة للتقييم بحيث يتمكن الكاتب من مناقشة اللجنة في مرحلة تقييم النص والمخرج في مرحلة تقييم المشاهدة.
هناك سيناريوهات ضعيفة تمّ تبنيها وعرضها ما يعني أنها نالت الموافقة على النص ثم الصورة، فكيف تمت الموافقة على نص هزيل ضعيف والمعلوم أنه يمر على أكثر من قارئ؟ وكيف تمت الموافقة على الشريط بعد التصوير؟.
إذاً، للرقابة دور مفصلي في ضبط الفوضى الدرامية من خلال فرض معايير أخلاقية وفكرية تفرض على النصوص، وعدم تمرير أي فكرة تسيء لمجتمعنا، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها.
الثقافة السورية
على الدراما السورية تقديم أعمال تترجم الثقافة السورية بكل سماتها وخصائصها وفي مقدمتها الاعتدال بعيداً عن التطرف والتعصب، في مواجهة خصم إيديولوجي استئصالي.
إضافة إلى الاقتراب من الشارع السوري أكثر، وملامسة قضاياه الملحة بشكل جدي، وإعادة إعمار الإنسان السوري بإعادة ترميم التصدع الذي أصاب النفوس والعلاقات الاجتماعية والعيش الواحد، على اعتبار أن الدراما السورية من أهم الوسائل السلسة للتأثير في المشاهد السوري ويجب توظيفها في المرحلة الحالية لهذا الهدف النبيل.
السوريون فقدوا الثقة بذواتهم ومحيطهم، والرسالة الأهم التي يجب أن تقدمها الدراما إعادة الثقة بالإنسان السوري.