صرخة المرأة السورية.. صرخة عشتار هي قضية وطن … أيسر ميداني: قانون الأحوال الشخصية يجب أن ينسف لأن دستورنا ينص على المساواة بين الرجل والمرأة
| سارة سلامة
بين ماضٍ كانت فيه ملكة هي زنوبيا التي تحدت إمبراطورية روما، وسميراميس الملكة الآشورية، وآلهة الحب والخصب والجمال عشتار، وأديبة وشاعرة هي ماري عجمي أول صحفية سورية كان لها أول مجلة نسوية تسمى «العروس»، ونازك العابد التي خرجت هي وزميلاتها الدمشقيات ضد الانتداب الفرنسي، وأسست جمعية نسوية سميت «نور الفيحاء»، وغيرهن الكثير.
نرى المرأة السورية اليوم في واقع سوداوي وتحت فتاوى ظلامية تجعل منها عبدة أو سلعة تباع وتشرى، وتحت قوانين ناظمة في قانون الأحوال الشخصية، سواء أكانت منصفة أم مجحفة بحقها، هي قوانين ذكورية لا تتناسب مع مكانة المرأة السورية وتعمل على نسف تاريخ نضالها العريق، وهي التي كانت دائماً إلى جانب الرجل في جميع المجالات الثقافية والتربوية والفنية والزراعية وأيضاً العسكرية، وهي التي أعطت وعلمت الحضارة للعالم كله.
وفي هذه الحرب التي تمر علينا كانت فيها المرأة الخاسر الأكبر فهي إما أرملة وإما ثكلى أو مغتصبة ومقيدة، وهنا تقع المسؤولية على المجتمع في تأسيس وبناء المرأة لأنها بحق مفتاح التطور الاقتصادي وعجلة التقدم الاجتماعي في أي بلد من البلدان.
هذا الملف نفتحه مع السيدة أيسر ميداني في حوار مع «الوطن» تضيء لنا فيه على واقع المرأة السورية في الحرب ودور الإعلام والدراما والقوانين الناظمة لها.
في الثامن من آذار احتفل العالم بعيد المرأة العالمي، كيف ترين واقع المرأة السورية؟
المرأة السورية حافظت على الوطن وبقيت صامدة وقامت بحركة من التكافل والتضامن، إذاً هي حضن الوطن ومع بدء الحرب كان لها دور فعال وفرضت نفسها من خلال الجمعيات التي ظهرت بشكل تلقائي ولعبت دوراً كبيراً، ووجدناها في أحيانٍ كثيرة إلى جانب الجيش يداً بيد أو من خلال الطبابة أو الطعام أو المساعدات وزيارة الجرحى، إضافة إلى أن المرأة السورية متجذرة بالأرض ودأبت للحفاظ على عائلتها لتبقى صامدة في وجه الحرب الشرسة التي تتعرض لها سورية.
هل المرأة السورية كانت مستهدفة في هذه الحرب؟
بكل تأكيد، والواقع الموضوعي يقول إنها كانت مستهدفة بقدر ما كانت العائلة السورية مستهدفة، وما أكثر الفتاوى الفاسدة التي وجهت لها من السبي والاغتصاب وجهاد النكاح، ومن تبعات الحرب تصدير قيم مزرية وسوداوية وتسيء لصورة المرأة ولكيانها، وتسيء لها باعتبارها إنساناً إلا أنها عند الفكر الظلامي هي سلعة تباع وتشترى وتغتصب وتسبى.
هذا الذلّ الذي تتعرض له المرأة السورية لم يمرّ على بلادنا والهدف الأساسي منه إذلال المرأة السورية الرائدة والشامخة، فالسورية ومنذ زمن بعيد كانت مثالاً يحتذى به في مختلف البلدان، وكأن هذه الفتاوى وضعت لإذلالها والتشفي منها، فالمرأة السورية كانت آلهة وملكة وعلمت الدنيا الزراعة لانشغال الرجل بالصيد، فهي كانت يداً بيد مع الرجل تتحمل أعباء المعيشة وتسانده.
لماذا إذاً نتجاهل تاريخ المرأة السورية وإنجازاتها ونحاول إلغاءه؟
هذا ما أحاول أن أقوله إننا ومنذ فترة نقزّم تاريخنا فالأديان كلها ولدت في هذا البلد ومختلف الحضارات الآرامية والفينيقية والنبطية والحتية والغساسنة والمناذرة، لماذا إذاً نلغي ونتجاهل هذا التاريخ الممتد والراسخ في أعماق التاريخ.
ربما من ساهم في ترسيخ هذا التفكير الرجعي هو الأفكار الإسلاموية التي شوهت الإسلام وعمدت على تقزيمنا وتقزيم مجتمعنا، ومنها أتت قضية الأحوال الشخصية وهو قانون مشتق من الدين.
برأيك هل القانون السوري ينصف المرأة؟
أرى أن قانون الأحوال الشخصية يجب أن ينسف من أساسه، لأننا نملك دستوراً حضارياً يعتمد على المساواة بين الرجل والمرأة وبين كل أفراد المجتمع ويعتمد على المواطنة، فالمرأة السورية تَنتخب وتُنتخب قبل مثيلتها في فرنسا وسويسرا، حيث بدأت السويسريات بالانتخاب في عام 1968.
وفي السابق كان زواج القاصرات ممنوعاً غير أننا اليوم نشهد زواجهن، وذلك لأن من أتى بـ«داعش» والفكر «الإسلاموي» كان موجوداً بالفعل منذ البداية، وللأسف نكتشف أن ابن تيمية يدرس في كلية الشريعة والمناهج.
وبرأيي يجب تغيير القانون بما يتناسب مع الدستور، وهذا ممكن مع وجود الإرادة السياسية ووجود شريحة كبيرة من السيدات اللواتي يعانين، ولا ننسى أن السعودية وقطر تتربصان بكل سيدة سورية، ومع الأسف نرى أن الفتيات السوريات أصبحن ألبومات على الإنترنت مثلما حدث بالفتيات العراقيات.
وهنا أرفع الصوت مناديةً بصرخة أنثوية سورية بأنه آن الأوان لنغير قانون الأحوال الشخصية المنافي للدستور، ونجعله متناسقاً معه، ويجب أن تكون المرأة مثل الرجل ولها الحق في أن تكون ربّ أسرة في هذا الوقت المصيري، وهناك الكثير من السيدات، سواء كنّ زوجات شهداء أو مخطوفين، والكثير منهن اختفى أزواجهن وليس معروفاً إن كانوا على قيد الحياة أم ماتوا، في حالة يرثى لها فهن لا يستطعن استخدام أموال العائلة ولا يمكنهن تقرير مصير أبنائهن والقانون يلزمهن بالرجوع إما إلى والد الزوج أو أخيه.
كيف يجب أن نعامل هذه الشريحة وما الواجبات التي تترتب على المجتمع؟
السيدات اليوم أصبحن مضطهدات في عوائل أزواجهن، وأيضاً فإن الفقر زاد من مأساتهن وأصبحن أكثر من مضطهدات، واليوم نرى أن معظمهن صانعات في بيت أهالي أزواجهن، وهو الأمر الذي لا يمكن تقبله لزوجة شهيد أو زوجة مخطوف، فليس من شيمنا وعاداتنا كسوريين ذلك.
وماذا عن وضع النسوة اللواتي تم اغتصابهن؟
من المفترض أن نبجلهن ولكن في الواقع هن منبوذات من المجتمع وربما من عائلاتهن، ويجب معاملتهن كجرحى حرب، ولكن للأسف في بلدنا حتى جرحى الحرب ليس لهم اعتبار ووضعهم بالويل، وهذا ملف آخر يجب أن يناقش ونفتح به جروحهم لأنه على الرغم من جراحهم فإن العناية الطبية ليست كافية، ومعاشاتهم تقطع بعد ثلاثة أشهر، ولا يوجد أي احتضان لهؤلاء الجرحى، وهذا أمر غير مقبول في بلدنا بلد العزة والشهامة والكرامة، وهنا تقع المسؤولية علينا جميعاً لنتحرك ونحتضن جرحانا ونساءنا واحترام نساء الشهداء وعدم استسهالهن، وهي صرخة لنقول إنه آن الأوان لنرقى بأخلاقنا.
هل ساهمت الحرب في الفساد الأخلاقي بين الناس؟
لا شك في أن انتشار الفوضى والبيئة الفاسدة كلها جاءت من مفرزات الأزمة، ولكن كذلك هذه الصدمة أنشأت أشياء جيدة، فهناك أناس لم يملكوا بحياتهم عملاً اجتماعياً ونراهم في الحرب انخرطوا بالمجتمع المدني والأهلي، حيث كانت مأساة كبيرة لهم عندما مسّ أهل بلدهم مكروه فكانت شهامتهم كبيرة وأخذوا قرارهم بالوقوف إلى جانب وطنهم ودحض أي عدوان بشتى الوسائل.
في الجانب الآخر فهناك الكثير من الأشخاص الذين يستهترون بالسيدات وإذا ما دقننا نجد الكثير من القوانين المجحفة ومنها القانون الذي يتيح لزوجة الشهيد بأن تتزوج أخا زوجها، وإذا لم تتزوجه فهي قد تكون عرضة للابتزاز من عائلة الزوج. والكثير من الحالات يتم أخذ الأطفال منهن ويتخلى فيها أهل الزوج عن واجباتهم تجاهها، وهنا تكون حياتها قد دمّرت بالكامل، وأيضاً إذا بقيت في بيت أهل الزوج فربما يترتب عليها عبء كبير ومهين وتكون مجرد صانعة.
ما دور الإعلام في تسليط الضوء على المرأة وقضاياها والارتقاء بها؟
لا شك أن من حقنا الاحتفاء بالنصر، لأن النصر رائع ولكن إذا ما كنا نريده نصراً مستداماً وليس فقط نصراً عسكرياً يجب علينا العمل على المستوى الإيديولوجي والقانوني والتربوي والفكري، وأنا على المستوى الشخصي صدمت صدمة كبيرة في أخلاقيات الناس وعدم احترامهم لبعضهم وفي تعاملهم مع المرأة، وهذا يدلّ على أن الأفكار الداعشية لم تكن غريبة كثيراً على تفكير بعض الناس قبل أن تأتي «داعش» إلينا.
كما يجب تنمية الاستقلالية المالية لكل إنسان حتى يكتفي ذاتياً وعلى هذا الأساس فإن الدولة كان لديها الكثير من المبادرات الرائعة المتمثلة بالمشاريع الصغيرة لكل الناس وبالنسبة للجرحى وعائلات الشهداء والسيدات ونساء الشهداء والمخطوفين ليكون لديهم استقلالية ومصدر رزق خاص بهم.
هل تعمدنا تشويه صورة المرأة السورية في الدراما؟
يقع على عاتق الدراما واجبات كثيرة ولكن ما نراه أنها عمدت بشكل أو بآخر إلى تشويه صورة المرأة السورية، إضافة إلى تشويه العلاقات الأسرية، وعملت على تسويق العنف إن كان في العائلة أم في العلاقات بين الزوج والمرأة وأولاهما، وبين الكنة والحماية، والأخت وأختها، عوضاً عن ترويج العلاقات الراقية فأصبح المجتمع يتماهى مع العنف، وليس مصادفة أن تدفع دولة قطر لهذه الدراما وتحولها في هذا الاتجاه.
واليوم تقع على عاتق صانعي الدراما مسؤولية كبيرة في الترويج لمجتمع أفضل، والاحترام ضمن العائلة وبث علاقات المحبة والحوار، لأن الحوار أصبح شبه غائب في العائلة، وطبعاً أثر في ذلك عدد من العوامل منها وسائل التواصل الاجتماعي والتلفونات الذكية التي أصبحت حائلاً كاملاً للتواصل في العائلة الواحدة وعملت على عزل الأشخاص بعضهم عن بعضٍ.
ويجب ألا نستهين بغياب دور الأهل وتفاعلهم وغياب الحوار الحقيقي والبناء ضمن العائلة لأن هذا الأمر خطير جداً وهو موضوع يمس كل المجتمعات ليس فقط في سورية، ويجب علينا استغلال جميع الوسائل من إعلام وإعلان ودراما لنروج لعلاقات عائلية مبنية على المحبة والتواصل والاحترام والحوار الدائم بالعمق، حوار يحمل فلسفة الحياة والمحبة التي تجعل من الأبناء يلجؤون إلى أهاليهم والتواصل معهم في أي شيء يواجهونه خارجاً، وخاصة أن الأولاد كثيراً ما يتعرضون للعنف ولحالات نفسية صعبة في المدرسة، ويساعد النقاش في تخفيف الضغط، أما عدمه فيخلق تناقضاً ويؤدي إلى الهروب الذي يعتبر الحل الوحيد ويؤدي إلى الانتحار أو النوم كثيراً.
واليوم يصوبون المرأة السورية لأنهم يريدون تصويب العائلة لأن العائلة هي البنيان الذي يلجأ إليه الإنسان عندما يكون في حالة تعب أو يأس وفاقداً للحنان، فالعائلة هي البنية التي تجعله يعبر ويشحذ كل طاقاته مجدداً.
ومن ناحية أخرى يجب التطرق إلى قضية العمارة والبيت الموضوعي لما له من إثر كبير، أي إن ابتعادنا عن بيئة البيت الدمشقي المريح للنفس من بحرة وشجر وورود ولجوءنا للعشوائيات ساهما في خلق الكثير من الفوضى الداخلية، والسكن البشع يخلق بشاعة في الداخل وحالة من عدم الاستقرار والعنف، ويبقى الساكن في بيئة عشوائية إنساناً غير قادر على التنفيس أو أخذ طاقة إيجابية.
هل تأخر سن الزواج هو أيضاً من تبعات الأزمة؟
هذه ليست مشكلة ولكن تتجلى المشكلة الحقيقية في الزواج المبكر والقسري، ولا شك أنه تأخر وتأخرت معه قضية الإنجاب، ومن المفضل أن تكمل الفتاة تعليمها ثم تتزوج لأنه بكل أسف يتم تزويجها طفلة، ويجب احترام حقوق الطفل لأن البنت طفلة حتى تبلغ 18 عاماً، ويجب أن نعي أحقيتها في التعليم مثلها مثل الشب وهذا الأمر يجب أن يكون بقوة القانون من خلال الضغط على الأهالي لتعليم أبنائهم وبناتهم على الأقل إلى سن 18 عاماً لأن نتائج الحرب ستكون كبيرة جداً عليهم، وخاصة في المناطق التي كانت تحت سيطرة «داعش».
كيف ترين المرأة السورية في المحافل الدولية؟
منذ بداية الأزمة وتحديداً منذ نهاية العام 2011، وأنا أحمل على عاتقي الدفاع عن سورية في الخارج طارقةً كل الأبواب، وعندما اكتشفت أن الأمر تدخل خارجي في شؤون بلادي جئت ووقفت بعكس الكثيرين الذين تركوا البلد، وكان ذلك واضحاً من خلال تكالب وسائل الإعلام الغربية والعربية على تقرير مصيرنا وكان واضحاً منذ البداية أن هناك تدخلاً ومصلحة وحرباً كبيرة ستدار، ومن وقتها كرست كل وقتي للدفاع عن سورية وأوقفت عملي وقدمت محاضرات في مختلف المدن الفرنسية وإلى الآن أقوم بعمل تقرير باللغة الفرنسية كل أسبوعين يبين حقيقة ما نتعرض له.
أيسر ميداني مثال للمرأة السورية القوية والبارزة، ماذا تقولين لها في عيدها؟
قلبي على بنات بلدي وعلى بلدي وأنا كرست وقتي لأفعل كل ما أقدر عليه حتى أرفع من المستوى وأساعد وأحتضن، وأقول للمرأة: آن الأوان لتنتصب وتدافع عن حقوقها الشخصية، لأنها تحتاج حتى تكون إنساناً فعالاً في المجتمع إلى التحرر من عبوديتها، ومن ناحية أخرى إني أرى المرأة السورية بطلة وليست خانعة ولكن للأسف أقنعوها بأن ديننا هكذا ومن أجل ذلك خنعت، وهذه أكبر كذبة لأن ديننا هو الذي ساوى بين الرجل والمرأة وزوجة النبي خديجة كان لها عملها ولم تكن تابعة ولم تكن عبدة للنبي، واليوم من الواجب أن نعرف أن الدين الإسلامي دين المساواة والكبرياء والشموخ للمرأة، وكفى بيعنا قصصاً مغلوطة عن المرأة في الدين وهذه كلها قصص ابن تيمية والوهابية والكثير من القصص التي ألفت لأسباب اجتماعية ذكورية ولهيمنة الرجل على المرأة.
ما رأيك بمقولة المرأة نصف المجتمع وكيف نترجمها على أرض الواقع؟
بالنسبة لي اعتبرها أكثر من ذلك بكثير وربما أراها كل المجتمع ولذلك أقول إن قضية المرأة ليست قضيتها فقط بل هي قضية الوطن وقضية الرجل وقضية الأحزاب السياسية والجمعيات وقضية الجميع، لأنها تمثل قضية وطن وإذا أردنا لبلدنا أن يكون ديمقراطياً يجب أن يرتقي بالمرأة ويحررها وتكون حرة بمبادرتها ولديها الإمكانية كي تعمل ومستقلة وشامخة في بيتها وأمام أولادها وفي حيّها وفي مختلف المجالات، لأنه في هذا الوقت تقع على عاتق النساء السوريات مسؤولية كبيرة هي بناء الأجيال والوطن والإعمار، فإذا كانت المرأة مهانة ومستهاناً بها لا يمكنها أن تبني أو تربي أجيالاً شامخة.