قضايا وآراء

الغوطة.. معركة الفصل

| عمار عبد الغني

كثيراً ما راهن أعداء سورية على جيوش الإرهاب في الغوطة الشرقية لتكون الورقة الأقوى التي يضعونها على الطاولة كلما دعت الحاجة السياسية والعسكرية وحاولوا عبر البروباغندا أن يصوروها كقوة منظمة يحسب لها حساب في الميدان واعتبروها «معارضة معتدلة» تفاوض بالنيابة عنهم في «أستانا وجنيف» وغيرهما، مستفيدين من المواقع المنتشرة فيها قرب العاصمة التي تعامل الجيش العربي السوري معها بحذر حرصاً على حياة أهلنا في الغوطة التي تتخذهم «جبهة النصرة» الإرهابية والميليشيات المتحالفة معها دروعاً بشرية وكذلك الحفاظ على حياة الناس في دمشق ومحيطها، بعبارة أخرى تعاملت الدولة السورية بسياسة النفس الطويل مع هؤلاء وأعطتهم الفرص الكافية للعودة إلى رشدهم وتصويب البندقية بالاتجاه الصحيح نحو العدو والمتمثل بالكيان الإسرائيلي، وفي هذا الإطار صبرت كثيراً على انتهاكاتهم لاتفاق مناطق تخفيض التصعيد حتى طفح الكيل وبات العمل العسكري الحل الوحيد لمعالجة الوضع وتخليص الأهالي من القتل اليومي والتدمير الممنهج للممتلكات.
اعتقدت الولايات المتحدة الأميركية ومعها فرنسا وبريطانيا وأدواتهم في الخليج أن الغوطة ستكون الفرصة الأخيرة لهم لتعديل كفة الميدان، بعدما صرفوا المليارات على أتباعهم فيها تسليحاً وتدريباً ودعماً لوجستياً واعتبروا أن الجيش العربي السوري سيعجز عن تحقيق أي تقدم فيها وعندها سيفرضون شروطهم بما يتناسب مقاس مصالحهم، لكن لم يطل الوقت حتى تبخرت أحلامهم، حيث كانت مدة أسبوعين كافية لأبطال جيشنا حتى يسيطروا على أكثر من نصف الغوطة ويقطعوا أوصال مسلحي «النصرة» والميليشيات يضيقون الخناق الإستراتيجي عليهم في بؤر منفصلة عن بعضها وبات موضوع تطهيرها من رجس الإرهاب وإعادة الأمن والاستقرار مسألة وقت لا أكثر.
تقدم الجيش السريع وغير المتوقع من أعداء سورية، جعلهم في وضع لا يحسدون عليه فكذبة الكيميائي باتت مستهلكة ولا يصدقها أحد والضرب على وتر المعاناة الإنسانية جاء بنتائج معاكسة لما يشتهون، حيث منعت «النصرة» والميليشيات خروج أي مواطن من الممرات التي أمنتها الدولة للحفاظ على حياتهم، وكذلك شهادة من كانت تحتجزهم تلك الميليشيات في مسرابا أوضحت للعالم حقيقة «معارضة واشنطن المسلحة والمعتدلة» التي تفيد بأنها لا تختلف عن داعش و«النصرة» الموضوعتين على لائحة الإرهاب الدولية، ومن ثم استنفد المتآمرون كل الوسائل المتاحة لعرقلة تقدم الجيش العربي السوري، ما يعني أن تكرار سيناريو حلب أصبح أمراً واقعاً ستتبخر مع مخرجاته آخر أحلامهم في التفتيت والتقسيم.
ما حدث في الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق من إنجازات، أكد من جديد جملة حقائق يأتي في مقدمتها أن الجيش الذي حاولوا إنهاكه، بات أكثر قوة وصلابة وتمرساً في المواجهة وأن الدولة السورية نجحت في الحفاظ على السيادة الوطنية واستقلالية القرار من خلال التفاف الشعب حول جيشه وقيادته، وهذا سيتمخض عنه إستراتيجياً رسم الخطوط العريضة لعالم جديد متعدد الأقطاب ينهي أحادية الهيمنة الأميركية على القرار العالمي.
بعبارة أخرى، اللعبة انتهت ودخلنا في الربع ساعة الأخير من الحرب الكونية على سورية وسيكون تحرير الغوطة المعركة الفاصلة والمسمار الأخير الذي سيدق في نعش المشروع الصهيوأطلسي الذي حاولوا من خلاله حرف بوصلة الصراع من عربي إسرائيلي إلى عربي عربي، بل «طائفي وإثني داخلي» واستطاعت سورية ببسالة جيشها ودماء شهدائها وصمود شعبها وحكمة قيادتها أن تكون نقطة تحول كبرى في رسم شكل التحالفات لعقود قادمة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن