قضايا وآراء

بكين.. سرّ التميز لا العيش في عقدته

| عبد المنعم علي عيسى

حسم الصينيون خيارهم فيما يخص شكل الحكم الذي يريدونه، فقد أقر البرلمان الصيني يوم الأحد المنصرم قراراً يقضي بإلغاء الحد الأقصى للولايات الرئاسية، الأمر الذي فسر على أنه تعبيد للطريق أمام الرئيس شي جيبينغ لكي يكون رئيساً مدى الحياة على الرغم من أن دوائر القرار في الحزب الشيوعي الحاكم كانت قد قالت إنه ليس بالضرورة أن يكون الأمر كذلك وخصوصاً أن هذا الأخير قد أضحى حارسا للتجربة والنظام في آن معاً.
أهمية الحدث هو أن التوجه الصيني سابق الذكر يأتي متناقضاً مع توجهات العالم بأسره، فالغرب ومن استطاع أن يغزوه فكرياً يسوقان لفكر «الديمقراطية» المشوبة بنكهته والمحدودة في مداها تحت أي ظرف كان، لكن متى كانت الأمة الصينية متوافقة مع هذا العالم؟ بل متى كانت تشبه باقي الأمم في تفكيرها أو رؤاها أو كاريزماها السياسية؟
أراد الصينيون عبر الذهاب إلى ما ذهبوا إليه أن يقولوا إن الأساس في نجاح تجربتهم التي تمر اليوم بمرحلة هي الأشد حساسية إنما يعود إلى الاستقرار السياسي الذي عاشوه، وإلى هذا العامل الأخير تعزا كل الإنجازات التي حققوها في المراحل السابقة بما فيها أنهم يقفون اليوم على أعتاب التربع على عرش الاقتصاديات العالمية خلال وقت قريب، صحيح أن للحكم المديد العديد من السلبيات انطلاقاً من أنه يؤسس لتراكم المزيد من الأخطاء، كما أنه يبقي النظريات في حالة جمود أو مراوحة في الوقت الذي يمضي فيه الخارج في هرولته إن لم يكن في جريه، إلا أن الصحيح أيضاً أنه يضمن بقاء الأولويات هي نفسها دون حدوث انقطاع أو تغيير، كما يعطي فرصة لتنفيذ الإستراتيجيات البعيدة المدى، فالمؤكد أن هذي الأخيرة، ومهما تكن النظريات المعتمدة، قابلة للتغيير بتغير القيادات حتى وإن كان ذلك التغيير يقع في عمق النظام لا خارجه.
نجح الصينيون الذين تميزوا على امتداد تاريخهم بالروية والحكمة والعمل بعيداً عن الأضواء فيما أخفق فيه السوفييت، وبشكل أدق نجحوا في زمن الرئيس السابق دينغ سياو بينغ في مقابل إخفاق السوفييت زمن الرئيس السابق نيكيتا خروتشوف، عبر إصلاحات هذا الأخير، أي سياو بينغ، الاقتصادية والداخلية التي بدأها في عام 1978، حيث ساهمت عملية التخفيف من إجراءات «المركزة» في مجالي الإدارة والاقتصاد في انتعاش الوضع الاقتصادي الصيني، والاقتصاد هو الذي يمثل على الدوام المختبر الذي تتحدد فيه متانة النظريات وكذا قابلتها للدوام والاستمرارية، والأهم هو أن سياو بينغ كان قد نجح في الجمع ما بين الراديكالية الاقتصادية وبين الماركسية المتشددة وكلاهما مع براغماتية موسعه كانت قد أضحت السمة البارزة للسياسات الصينية منذ عام 1971 أي منذ أن انحازت الصين بعد الزيارة السرية التي قام بها وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر إلى بكين وفيها نجح هذا الأخير في جذب الصين إلى جانب بلاده في مواجهة الاتحاد السوفييتي على الرغم من توحد العقيدة والإيديولوجيا مع هذا الأخير.
وفيما بعد سينجح الرئيس الحالي شي جيبينغ في الإمساك والسيطرة على زمام برنامجه الإصلاحي الموروث عن ماوتسي تونغ ثم عن دينغ سياو بينغ وصولاً إليه لكن مع استبعاد تام لارث زهاو زيا نغ 1987-1989 الذي كان يمثل النسخة الصينية من غورباتشيوف، ولم يسمح في أن تسيطر عليه قوة اجتماعية صينية أخرى في أي مرحلة من المراحل، أو أن تتداخل فيه التأثيرات الخارجية، وبشكل عام كان العامل الضامن للنجاح هو أن الإصلاح نشأ وترعرع في إطار «المبدأ» وفي ظلال «العقيدة» والإيديولوجيا، لا في إطار الخروج عليهما كما فعلت بيروسترويكا غورباتشيوف التي جاءت على أساس القبول بالأمر الواقع والرضوخ لاختلال ميزان القوى العالمي في أعقاب إطلاق الأميركيين لمشروع «حرب النجوم» في عام 1983، وهو ما أدخل السوفييت في دوامة افتقدوا فيها التوازن بين الإصلاح الداخلي وبين الهجومية في العلاقات الدولية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن