اجتماعات ضبابية لـ«فتح»
| عبد المنعم علي عيسى
خرج عضو اللجنة التنفيذية لحركة فتح عباس زكي من اجتماع لهذي الأخيرة كانت قد عقدته يوم السادس من الشهر الجاري، وفور خروجه أدلى بتصريح قال فيه: إن الاجتماعات طرحت للمرة الأولى موضوع إحياء خيار المقاومة على بساط البحث.
يتبادر إلى الذهن تساؤل هو الأهم: هل يندرج تصريح زكي في نطاق الدعاية، أم هو محاولة لشد عصب الشارع الفلسطيني، أم إنه فعلا يمثل خيارا حقيقيا يمكن أن تلجأ إليه حركة فتح من جديد لتتلاقى مع نظيرتها حماس؟
في معرض الجواب على التساؤل سابق الذكر لابد من الأخذ بعين الاعتبار للعديد من المعطيات، فهكذا قرار مصيري وقد يكون من الصعب على قيادة فلسطينية في ظل الانقسام الفلسطيني الراهن اتخاذه، حتى ولو كانت تلك القيادة هي نفسها من قام بالتوقيع على اتفاق أوسلو عام 1993 فالفارق بين الأمرين كبير، إذ لطالما شكل هذا الاتفاق الأخير نقطة فاصلة بين مرحلتين، وما سبقه كانت مرحلة لها توازناتها الإقليمية والدولية التي تختلف جذريا عن نظيراتها في المرحلة التي تليه، ومن المستحيل اليوم العودة بتلك التوازنات إلى ما كانت عليه قبل أوسلو لمجرد أن تقرر «فتح» أو منظمة التحرير إلغاء مسار هذا الأخير، أما التفكير بتلك الخطوة دون إدراج تلك الحسابات فهو بالتأكيد خطوة انتحارية ستكون أشبه بـ«كاميكاز» فلسطيني.
ما جرى في الـ25 عاماً التي تفصلنا عن يوم التوقيع على أوسلو كان زلزاليا، والتحول الحاصل على الصراع العربي الإسرائيلي لم يكن يخطر ببال اشد المتشائمين أو اليائسين، فمن كان يدري أن إيران ستصبح في القرن الحادي والعشرين هي «إسرائيل» القرن العشرين؟ ومن كان يدري أن داعمي القضية الفلسطينية هم أنفسهم من سيقومون بالتضحية بها على مذبح المصالح الضيقة حتى ولو كان فيها، وهي فيها فعلا، ضرر بالغ عليهم وعلى كياناتهم؟
ما بعد «الربيع العربي» لم يعد هناك من دولة قادرة على الوقوف فعليا إلى جانب الفلسطينيين كما كان الأمر عليه في السابق، كما لم يعد ممكنا الرهان على دعم سياسي فاعل، فالرياض الآن هي أمام خيارين لا ثالث لهما: إما تمرير «صفقة القرن» أو خسارة محمد بن سلمان لعرش أبيه، ومصر لجمتها كامب ديفيد، إضافة إلى أنها تصنف نصف الشعب الفلسطيني، أي حماس، في خانة الإرهاب، ودول الخليج الأخرى تحولت كلها إلى شركات مقاولات تفهم فقط لغة الأرقام والخسائر والأرباح التي يمكن أن تترتب على قيامها بأي فعل من الأفعال، وسورية والعراق مدمرتان، والأردن خائف من أن يصبح كيانه هو «فلسطين» المستقبل، ولذا فهو مستعد للانخراط في أي مشاريع من شأنها إبعاده عن ذلك الخطر الماثل، ثم إن فترة التفاوض المديدة نفسها كانت قد أنتجت شرائح وتيارات مختلفة في رؤاها في الداخل الفلسطيني نفسه، ومختلفة أيضاً في قراءتها للأحداث وكذا طريقة مواجهة ما يخطط، إضافة إلى أنها، أي فترة التفاوض المديدة، قد أفرزت طبقة من المتفاوضين على درجة عالية من الكفاءة والأهم أنهم باتوا من ذوي الخبرات العالية في السياسة الدولية وتوجهات الغرب والنيات المضمرة بعيداً عما هو معلن، وما عرفوه يجعلهم مدركين، أو هكذا استنتجوا، لعبثية أي خيار يمكن أن يذهب إليه الفلسطينيون عدا الخيار «الإسرائيلي»، وعليه مما سبق لا يمكن النظر إلى تهديدات «فتح» بالعودة إلى خيار المقاومة من جديد إلا من باب الدعاية «ولزوم ما لا يلزم»، وتل أبيب لا تعير تلك التهديدات أي اهتمام يذكر لأنها تدرك دوافعها والأسباب التي أدت إليها.
في مطلق الأحوال ليس المطلوب من السلطة الفلسطينية اليوم الذهاب إلى إلغاء اتفاق أوسلو، والمطلوب منها فقط هو الإعلان عن وقف التنسيق الأمني القائم بينها وبين تل أبيب وبعد ذلك لكل حادث حديث.