تركيا الحائرة والقلقة.. إلى أين تتجه؟
| بسام أبو عبد الله
لا يشعر المسؤولون الأتراك في هذه الأيام إلا بالقلق، والحيرة لما آلت إليه الأمور نتيجة سياساتهم الخاطئة والمدمرة التي يدفعون ثمنها الآن من دون أن يعترفوا ويقروا بذلك، فلغة التعالي والمكابرة لا تزال تغلف أغلبية تصريحاتهم، وكتابات كبار الإعلاميين في الصحافة التركية، ولكنها تعكس قلقاً عميقاً من تطور الأحداث ومن مواقف الولايات المتحدة الأميركية وإدارة دونالد ترامب.
وتحفل الصحافة التركية بالمقالات التي تعكس هذه الأجواء، والبيئة التي تخرج منها الأفكار، والمواقف، فمع عزل وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون ومجيء مايك بومبيو، بدا التشاؤم واضحاً في الأوساط التركية، إذ يرى الأتراك أن تيلرسون كان حريصاً على علاقات أفضل مع أنقرة، وعلى محاولة إيجاد حلول للخلافات العميقة بين البلدين، ويقول مراد تيكين في صحيفة «حرييت» الليبرالية إنه كان قد تقرر أن يلتقي وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو بتيلرسون في 19 آذار الحالي بناء على الاتفاق الذي تم بينهما في 16 شباط 2018، بينما تكون مجموعات العمل التي شكلت من الطرفين قد أنجزت عملها، إذ عقدت المجموعة الأولى اجتماعها في واشنطن 8-9 آذار 2018 وضمت أمنيين ودبلوماسيين ليضعوا خطة عمل مشتركة في مجالي الأمن والإدارة بشأن مدينة منبج، لكن السؤال الآن حسب تيكين: ما مستقبل هذا المسار بعد تيلرسون؟
يقول تيكين: إن وزير الخارجية الأميركي الجديد لديه أحكام مسبقة، إذ غرد معلقاً على محاولة الانقلاب في تركيا بتاريخ 16 تموز 2016 في اليوم التالي لمحاولة الانقلاب العسكري بالقول رداً على إعلان محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني تضامنه مع تركيا: ديمقراطية الحكومة الإيرانية مثل ديمقراطية أردوغان، كلاهما ديكتاتورية إسلامية شمولية، وجرى حذف هذه التغريدة، والحساب بعد أن عينه ترامب مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، ويؤكد مراد تيكين أن تعيين بومبيو في الخارجية بهذه الأحكام المسبقة، وجينا هاسبل التي تعرضت لانتقادات واسعة بسبب تورطها في برامج التعذيب داخل السي آي إيه، يظهر أن ترامب يريد سياسة خارجية صقورية، وهو ما سيكون له تداعيات كبيرة في الشرق الأوسط وأوروبا، وكذلك على علاقات أميركا بتركيا، ليخلص للقول: ليس من الواضح ما إذا كانت العلاقة التركية الأميركية سوف تتحسن في فترة بومبيو أم ستصبح أسوأ؟ لكن استناداً لما نعرفه لا يوجد أي مجال للتفاؤل!
أما حسن أوزتورك فقد أشار في صحيفة «يني شفق» الناطقة بلسان الحزب الحاكم إلى أن الأميركيين يكذبون ويخادعون، حسب اعتقاده، وأنهم يريدون إشغال تركيا بالتفاوض وتمرير الوقت، وتأخير العملية في عفرين قدر الإمكان، وسيعملون على إعادة إخراج داعش، وإحيائها مرة أخرى لاستخدامها خارج تركيا أي في الأراضي السورية وداخل تركيا، والقول: إن عملية عفرين تشكل عقبة في الطريق لمحاربة داعش!
ويذكر أوزتورك بما قالته واشنطن في 23 كانون الثاني 2018 أن البنتاغون لن يدعم أي قوات كردية تذهب لغرب الفرات أي إلى عفرين، وهذه المنطقة ليست ضمن أجندة البنتاغون، ولكن كيف سمح البنتاغون بانتقال 1700 مقاتل، حسب زعمه، من شرق الفرات إلى عفرين؟ ومن ثم فإن واشنطن تريد إشغال تركيا في عفرين، وإدخال منبج في المفاوضات واستخدام داعش مرة أخرى كحجة للبقاء في سورية.
وضمن هذه الأجواء المتشائمة والمشككة، ذهب إبراهيم قره غول رئيس تحرير الـ«يني شفق» في 13 آذار 2018 والمقرب من أردوغان إلى الحديث عن خطة أميركية سعودية إماراتية لإنشاء جبهة محافظة للإطاحة بأردوغان! وحسب قره غول فإن السعودية والإمارات هما الممولان الأساسيان لهذا المشروع للتدخل في الداخل التركي من خلال أوساط إسلامية محافظة، وهي الأوساط التي هاجمها أردوغان بشدة قبل أيام، وتضم بعض رجال الدين وأساتذة في كليات الشريعة، وزعماء بعض الطرائق الدينية، وخاصة مع انتشار فتاوى وتحريض، إضافة إلى محطات تلفزة، وإذاعة تبث في كل صباح مقابلات مع هذه النماذج الدينية مقابل مبالغ مالية كبيرة، الأمر الذي أدى إلى ردود فعل واسعة في الشارع التركي الذي استهجن هذه الفتاوى، والأحاديث التي تدعو مثلاً لتزويج البنات في سن الثامنة، أو التي تعتبر أن المرأة التي يضربها زوجها كل يوم محظوظة، على اعتبار أن إرضاء الزوج هو حكم ديني، وترافق ذلك مع حوادث اعتداء على فتيات في الشارع بسبب اللباس.
لكن أوساطاً علمانية تركية تتهم أردوغان بأنه أرخى الحبال لهذه الجماعات لأنها تدعم سياساته القومية.
إلا أن قره غول يحذر من مصادر التمويل الإماراتية السعودية وخاصة التي ستعمل من خلال أوساط إسلامية محافظة، مشيراً إلى النقاشات الدينية التي ظهرت في تركيا مؤخراً، والتي أشرت إليها أعلاه، وبرأيه فإن التحالف الذي قاد محاولة الانقلاب في 16 تموز 2016 لم يستسلم على الرغم من فشله، وأن غير هذه القناعة ستعتبر بمنزلة عمى سياسي، ولهذا يحذر من استخدام هذه القوى الدينية المحافظة التي ستشكل معارضة ضد أردوغان، وسيجري دعمها من خلال بنى متعددة الجنسيات وسيكون عام 2018 هو عام التدخل الأوسع في تركيا، ويختم مقاله بالقول: إن هذه العملية المتعددة الجنسيات ستكون ممولة من أموال البترودولار، وعقل بريطاني، وقوة أميركية، مع عدوانية إسرائيل التي ستقف خلف ذلك معتبراً أن من واجبه أن ينبه من خطورة ذلك.
إن قراءة سريعة لما يُنشر في وسائل الإعلام التركية تعكس قلقاً، وحيرة واضحة، ودهشة مما يجري، حتى إن المرء يخال نفسه يقرأ في صحف ليست تركية، وهي التي كانت جزءاً أسياسياً مع السعودي والإماراتي والبريطاني والأميركي والإسرائيلي والقطري والفرنسي في غرفة عمليات مركزية للتآمر على سورية وتدميرها.
الآن: تجد تركيا نفسها أمام خيارات صعبة ومعقدة، تجد نفسها في مرمى التصويب من حلفائها السابقين، ومهددة منهم، ويتآمرون عليها وهو ما قد يفسر سوء العلاقات بين أنقرة والرياض، وأنقرة وأبو ظبي، وتركيا تعرف، لأنها كانت تتآمر على سورية، أن الأوامر تأتي من الأميركي، وأما السعودي والإماراتي فهو ممول ومنفذ، كما كان القطري سابقاً، ولا يزال.
«من حفر حفرة لأخيه وقع فيها»! مثل قديم تعلمناه أيام الدراسة، فهل ينطبق على تركيا الآن، أعتقد ذلك، ولا مخرج لها إلا من خلال التنسيق مع دمشق التي حفرت لها حفرة فنجت منها لتقع تركيا في مخاطر التقسيم الوجودية، وليبقى السؤال الأساسي: إلى أين ستتجه في المرحلة القادمة؟ أنا من الذين يجادلون أن مخرجها واحد: التنسيق مع خصومها السابقين، لمواجهة حلفائها السابقين، وفهمكم كفاية!