عن سيرغي سكريبال
| عبد المنعم علي عيسى
فضفاض هو النسيج الذي احيك حول قضية الجاسوس الروسي سيرغي سكريبال، حتى بدت هذي الأخيرة مضخمة بما لا تحتمله وقائع محاولة اغتيال تعرض لها جاسوس هو الآن في سن التقاعد، ومن الواضح أن لندن قد سعت إلى توسعة «الفرجار» لتطول دائرة سكريبال جملة من الدوائر الأخرى بحيث أن تستخدم الأولى في خدمة الأخريات والعكس أيضاً صحيح.
أعلن في لندن يوم الرابع من آذار الجاري عن أن الجاسوس الروسي سيرغي سكريبال قد وجد هو وابنته يوليا مغشياً عليهما في مركز تجاري في مدينة سالزبري البريطانية، إثر تعرضهما للتسمم بغاز للأعصاب «توفيتشوك» وسيجري الإعلان بعد أيام عن أن التقديرات تقول إنه تم دس الغاز في حقيبة يوليا أو في مستحضرات التجميل في حقيبتها، وعلى الفور كان قد جرى اتهام موسكو، أو أجهزة مخابراتها، بالوقوف وراء محاولة الاغتيال انطلاقاً من القاعدة الجنائية التي توصي بالبحث عن المستفيد للكشف عن الفاعل، ولتدعيم تلك الفرضية جرى استحضار حادثة اغتيال الجاسوس الكسندر ليتفننكو في العام 2006 بمادة اليورانيوم المشعة، حيث إن الربط بين الحادثتين يهدف إلى تسليط الضوء على «أسبقيات» روسيا لا على ما يمكن أن يتكشف من أدلة أو براهين.
القضية هي قضية جاسوسية بامتياز ولهذا النوع من القضايا خصوصية تتميز بها، والكثير منها يظل لفترات طويلة غامضاً أو بلا دليل، ولذا فإن على السياسة استثمار الحدث آنياً دونما انتظار لحين تكشف الحقائق، ومن هنا جرى تحويل القضية إلى أزمة سياسية انطلاقاً من حالة احتياج أميركية غربية لمفاعيل حدث ضبابي من هذا النوع في وقت بدا فيه الكباش الأميركي الروسي في أوجه ليس في سورية أو الشرق الأوسط فحسب، بل وفي بحر البلطيق والبحر الأسود أيضاً، وبشكل ما لن تكون موسكو بعيدة عن الصراع المرتقب بين أميركا والصين في بحر الصين الجنوبي.
وبشكل عام وأياً تكن المسارات التي ستنتهي إليها قضية سكريبال فإن للأزمة شقين: استخباراتياً وسياسياً، وكلا الطرفين يعمل على تسجيل نقاطه في كلا الشقين، فلندن، ومن ورائها واشنطن، تعاطت مع الأمر على أن وصول الاستخبارات الروسية KJB إلى جاسوس أدانته محكمة روسية بالتجسس لمصلحة بريطانيا وفي ظل منح الأخيرة له حق الحماية واللجوء السياسي، يعتبر نجاحاً كبيراً لأن من شأنه أن يقلص مساحات المستنقع الروسي الذي تصطاد فيه الاستخبارات البريطانية 16 M لجذب عملاء جدد لها، فالرسالة، في حال كانت الاستخبارات الروسية هي المسؤولة عن المحاولة، تريد أن تقول إن ما من سقف قادر على حماية الذين يخونون بلادهم، وفي النهاية فإن المال الوفير الذي يحظى به الجواسيس لن يكون معادلاً بالتأكيد لثمن خسارة الحياة، وفي مقلب آخر على الضفة البريطانية فإن النتيجة السابقة تتعمق هنا أكثر فعجز السلطات البريطانية عن تأمين الحماية لأولئك الذين خانوا بلدانهم لأي سبب كان هو أمر من شأنه أيضاً أن يقلص مساحات المستنقع سابق الذكر، أما في الشق السياسي فإن الأزمة بشكل من الأشكال لها علاقة أيضاً بقضية اتهام الغرب للجيش السوري باستخدام السلاح الكيميائي في الغوطة الشرقية، والقاسم المشترك بينهما هو روسيا، على حين أن الأولى تخدم الثانية وكذا الأمر أيضاً فيما يخص خدمة الثانية للأولى، ولطالما تبدت العلاقة بين الحادثتين بوضوح في طلب لندن إلى موسكو الإجابة عن تساؤلين في 12 من الشهر الجاري بعد منحها مهلة 24 ساعة للرد، فقد كان أحد التساؤلين هو الإجابة إذا ما كان البعض من ترسانة روسيا من الغازات قد تم تسريبه إلى جماعات خارجية، ومن الواضح إلام يومئ ذلك التساؤل بالتأكيد، ومن ناحية أخرى وهو الأهم فإن طرح موضوع روسيا على جدول أعمال مجلس الأمن هو رسالة سياسية بالغة الأهمية يريد التكتل الغربي من وراءها إفهام روسيا بأنها هي أيضاً يمكن أن تكون عرضة للحساب أو أنها ليست معصومة عن المساءلة.