ثقافة وفن

عندما يلعب الأب دور الأم في غيابها … التضحية هل هي كلمة مرتبطة بـ(الأم) فقط؟ وهل يمكن لأحد أن يؤدي دورها؟

| هبة الله الغلاييني

لا أحد ينكر أن الأم أكثر (تورطا) في دور رعاية الأطفال، وخصوصاً ما يتعلق بتفاصيل إلباسهم وإطعامهم والسهر على راحتهم، وتحمل أمزجتهم المتقلبة.
لكن الخبر السعيد أن هناك تطورا كبيرا لدور الأب في هذا الإطار. ففي السبعينيات وحسب بعض الإحصائيات كان هناك رجل واحد فقط من بين خمسة رجال يشهد ولادة طفله، وارتفعت النسبة الآن إلى درجة أصبح هو السائد الآن.
واليوم يحضر حوالي نصف الآباء دروسا في تربية الأطفال مع زوجاتهم، ولم يتوقف التطور في مسألة انخراط الآباء في رعاية أطفالهم عند ذلك الحد، بل وصل إلى درجة لا يمكن تصديقها.

لايجيد العناية بالطفل
يعترف محمد عبد الكريم (رجل أعمال، أب لأربعة أطفال) بأنه لم يحدث قط أن قام بتغيير الحفاض لطفل من أطفاله، أو قام بتجهيز الطعام لأحدهم، فهو كما يقول لا يعرف كيف يقوم بهذه الأمور، إضافة إلى ذلك، وحسب قناعاته، فإن هذه المهام تدخل في دائرة تخصص المرأة وحدها، وهي المهيأة للقيام بذلك، ويضيف: (زوجتي ربة منزل وأنا أعمل ساعات طويلة خارج البيت، ومهمتي توفير الحياة الكريمة لأطفالي، على حين إن مهمة زوجتي هي الاهتمام بشؤون الأطفال ورعايتهم وإطعامهم، وأنا أفضل أن يقوم كل شريك بمهامه التي خلق لها، والتي يجيدها، كما أن النساء لديهن الحنان والعاطفة الفطرية، الأمر الذي قد لا يتوافر بشكل كامل لدى الرجل الذي يغلب المسائل العقلية على العاطفية).
أما محمد العمر(مهندس مدني،أب لطفلين) فيؤكد بدوره أنه لا يستطيع أبدا أن يقوم برعاية أطفاله، وخاصة عندما يكونون صغاراً في شهورهم الأولى. ويوضح: (شخصياً لا أستطيع حمل الأطفال أو حتى الاقتراب منهم ولمسهم وهم في سن صغيرة، ذلك أني أشعر بأنهم سوف ينزلقون من يدي. لذا لا أستطيع التعامل معهم حتى يبلغوا عامهم الثاني). كذلك يعجز محمد عن القيام بمهمة ثانية بخصوص رعاية الأطفال، حيث يقول: كذلك، فإن بكاء الأطفال الرضع يزعجني بشكل كبير، وليس لدي مقدرة على تهدئتهم، ولذلك، سرعان ما أنادي زوجتي للقيام بهذه المهمة التي أظنها عبارة عن مهارة أنثوية لا تجيدها سوى الأمهات.

لابد من عناية الأم
بدوره يقر أسامة أبو الشامات (محاسب، وأب لطفلة واحدة) بعدم قدرته على تقديم أي نوع من الرعاية لابنته الرضيعة، ويوضح أن هذه المهمة مستحيلة بالنسبة إليه، لافتاً إلى أن إطعام الطفل وتنظيفه والوقوف على احتياجاته مهمة لا تستطيع القيام بها سوى الأمهات، فقد جبل اللـه تعإلى المرأة على العطف والرحمة والصبر، لذا كانت الأمومة من نصيبها، وقد هيأت لذلك الدور منذ شهور الحمل الأولى، ومهما فعل الرجل ذلك فلن يستطيع أن يحل محلها (وبصراحة كاملة يختم أسامة حديثه قائلاً: (يزعجني بكاء الأطفال الصغار ويصيبني بالتوتر. وعندما تبكي صغيرتي، أضطر للخروج من الغرفة ولا أعود إليها ألا بعد أن تكون أمها قد قامت بتهدئتها وسكتت).
في المقابل يبدو أن لدى (محمود عبد الرحيم) مدير شركة خاصة، وأب لأربعة أطفال، رغبة كبرى في مساعدة زوجته في ما يخص رعاية أطفالهما وخاصة الأصغر فيهم سنا، لكن هناك عقبتين تحولان دون ذلك، يلخصهما بالقول: (أولا: لا اعرف كيفية القيام بذلك، والأمر الثاني هو أنني معظم الوقت أكون في العمل، بينما زوجتي ربة منزل متفرغة للعناية بهم) ويروي محمود تجربة له في هذا الإطار ويصفها بالصعبة لافتاً إلى أنه (حينما كانت زوجتي تلد طفلنا الثاني في المستشفى، كنت أهتم بشقيقه الأكبر في البيت، وكان يبلغ حينذاك عامين ونصف العام. ولمدة ثلاثة أيام كاملة كنت احضر الرضعات، وأحممه وأغير له الحفاضات) يتذكر محمود تلك الأيام ويضحك ويضيف (لم أكن أقوم بالأمور بشكل جيد، حيث كنت أقوم مثلا بإلباس طفلي الحفاضات مقلوبة أو غير متوازنة) ويضيف: (واجهت أوقاتا عصيبة لكني نجحت في نهاية الأمر، ومرت الفترة بسلام ومن دون أخطاء كبيرة).

المشاركة بالعناية بالأطفال
معلومات محمد بكر (موظف، أب لثلاثة أطفال) عن رعاية الأطفال وتجربته في ذلك (لا بأس بها) كما يقول، كاشفاً أنه تعلم تغيير الحفاضات وتحضير زجاجة الحليب من أجل المشاركة المعنوية مع زوجته في رعاية الأطفال والاهتمام بهم ويعقب محمد بكر قائلاً: (إن دخول الأب في التفاصيل الخاصة برعاية أولاده ومعاونة زوجته في ذلك، يعود بفوائد كبرى على الحياة الزوجية، حيث يزيد الارتباط بين الشريكين، ويجعل الأطفال أكثر قربا من الأب بسبب هذه اللمسات الأنثوية التي تضفي الحب والحنان على العلاقة بينه وبين أطفاله).
وبالنسبة إلى (مصطفى بعلبكي) وهو أب لأربعة أطفال، فإن (هناك قدراً كبيراً من المتعة في رعاية الأطفال عندما يكونون في أعمار صغيرة) فهو يكشف أنه يتولى (إطعامهم وتنظيفهم وهدهدتهم وسرد قصص ما قبل النوم لهم) وذلك حتى يخفف عن زوجته (بعض الجهد الذي تبذله في هذا الشأن) لأن بعد مصطفى عن عائلته بسبب ظروف عمله (دوامين) لا يتيح له هذه المشاركة (إلا بشكل متقطع) وهو إذ يطمئن الآباء بشأن إمكانية تعلم كيفية رعاية الأطفال، يقول: (إن الأمور في بدايتها تكون صعبة، لكن مع تكرار التجربة تصبح أكثر سهولة) ويلفت مصطفى إلى (أن المشاركة في رعاية صغاري فتحت عيني على طرق ومهارات مختلفة للقيام بالأشياء، كما أنني أصبحت أكثر تقديرا لما تقوم به زوجتي من مهام).
وبكثير من التباهي والفخر يحكي علي زيادة (موظف، أب لطفلين) حكاية مشاركته الكاملة لزوجته في رعاية طفليهما من الألف إلى الياء، وخاصة أنها امرأة عاملة مثله، مبيناً (أن تلك المشاركة في رعاية الصغار، تولد متعة لن يشعر بها إلا من جربها). يشرح (أقوم بتحميم صغاري منذ ولادتهم، أحضر لهم وجباتهم، وإذا بكى أحدهم ليلاً استيقظ مع زوجتي أهدهده، وأعطيه خافض الحرارة بصبر، دون تذمر، وأفعل ذلك بمتعة كما تقوم به زوجتي تماما. فأنا مع هؤلاء الصغار أكتشف عوالم جميلة) يبتسم ثم يواصل حديثه قائلاً (في البداية، كان هناك بعض الصعوبات في القيام بمثل هذه الأمور، حيث إنني لم أكن أعلم الكثير بشأن رعاية الرضيع، وأذكر أنني قمت ببعض الأخطاء الصغيرة مثل غلي الحليب الصناعي قبل إطعامه لطفلي، أو إضافة الماء البارد إليه… وهكذا أخطاء).

الدور مرتبط باختلاف الجنس
في ذات الإطار تؤكد الاختصاصية الاجتماعية (روعة السمان)، أن الأدوار المرتبطة باختلاف الجنس بين الآباء والأمهات (أصبحت أكثر تقارباً في هذه الأيام، حيث اتسعت رقعة مشاركة الرجل في الأعمال المنزلية، بما في ذلك رعاية الأطفال) وتقول: (لم يعد الآباء يتأففون من مهام لم يكونوا يقربونها في السابق مثل تغيير الحفاضات، أو يتحاشون القيام بمهمات صعبة كوضع أطفالهم في الفراش وسرد قصة ما قبل النوم لهم، بل بات من العادي أن ترى الرجل في الأسواق والمحال التجارية حاملاً طفله، بينما لم يكن أحد يشاهد هذا المنظر قبل أقل من عقدين من الزمن). وتلفت السيدة روعة إلى (أن الأعراف الاجتماعية التقليدية في السابق، كانت توكل للنساء القيام بمسؤوليات الأطفال من الألف إلى الياء، بينما كانت لدى الرجل الشرقي في كثير من الأحيان مفاهيم اجتماعية تمنعه من مساعدتها في هذا المجال؛ لإحساس بعضهم بأن مساعدة الرجل لزوجته في المنزل في تربية أطفاله والقيام بما تقوم به الأم، قد ينقص من هيبته أمامها، أو يقلل من رجولته في المجتمع من حوله، ولم تسمح للرجل إلا بمشاركات محدودة لا تتعدى الأدوار التقليدية) وتجد الأخصائية (أن خروج المرأة إلى العمل ومن ثم مشاركتها الاقتصادية في البيت أحدث تحولا كبيرا في المهام التقليدية الموكلة إلى الطرفين، حيث بات من الضروري أن يتقاسم الزوجان مسؤوليات تربية الأبناء مناصفة بينهما، وهو الأمر الذي جعل الآباء العصريين يشاركون في رعاية الأبناء والاهتمام بهم في كثير من الأمور التي كانت تحتكرها الأم وحدها) وتختم قائلة: (الآن، هناك كثير من الآباء الذين يهتمون بإطعام أطفالهم، ويحضرونهم من الحضانة ويصحبونهم إلى الحدائق ويمضون معهم أوقاتا كثيرة، ويراعونهم كما تراعيهم أمهاتهم تماماً).
كما أشارت أبحاث حديثة، إلى أن الرجال العصريين أصبحوا يشاركون بشكل متزايد في تنشئة أطفالهم، وباتت لديهم مهام مشابهة للنساء. ووجد العلماء أن هناك تغييرات فيزيائية تحدث في أدمغة الآباء الجدد، كتلك الموجودة عند الأمهات. وكشفت الأبحاث أيضا أن الرجال الذين يساعدون في رعاية أطفالهم، لديهم ما يسمى (المادة الرمادية) في مناطق من الدماغ، المسؤولة عن الارتباط العاطفي والكشف عن احتياجات الرضيع والقيام بالعديد من المهام. ولكن خلافاً للأمهات، تم العثور على أجزاء من أدمغة الذكور مرتبطة باتخاذ القرارات واسترجاع الذاكرة، تصبح أقل نشاطاً بعد أن يصبحوا آباء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن