إما تقسيم سياسي وإما جغرافي!
| بيروت – محمد عبيد
لا يمكن اعتبار قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب استبدال وزير الخارجية القادم من عالم النفط والأعمال ريكس تيلرسون برئيس الاستخبارات المركزية «CIA» مايك بومبيو تدبيراً عادياً يندرج في إطار تحسين الأداء الروتيني لإدارة ترامب، بل إنه قرار نوعي يشكل تحولاً استراتيجياً في مقاربات الولايات المتحدة الأميركية لقضايا العالم وفي مقدمها أزمات الشرق الأوسط لكونه المنطقة الأكثر سخونة وتأثيراً في السياسات الدولية لأكثر من قرن مضى.
انطلاقاً من ذلك، يجب التوقف عند أمرين، الأول: إن هذا القرار سيسقط كل التباينات التي كانت تحكم مواقف كل من وزارة الخارجية من جهة ومديرية الاستخبارات المركزية من جهة أخرى تجاه التحديات التي كانت ومازالت تواجهها واشنطن في العالم، وقد يصح القول: إن القرار المذكور سيوحد رؤية كل من هاتين الجهتين المعنيتين إلى حد التماهي وخصوصاً أن المديرة التي خلفت الوزير الجديد جينا هاسبل عملت خلال الفترة الماضية كنائب لبومبيو. والثاني: إن هذا القرار سيقدم الإجراءات الاستخباراتية-الأمنية على الاعتبارات الدبلوماسية، وبمعنى آخر إن الـ «CIA» ستلعب دوراً أكبر في السياسات الخارجية الأميركية على أساس أنها المصدر الأساسي وربما الوحيد للمعلومات التي سترتكز عليها تلك السياسات بدل أن تكون عاملاً مساعداً يمكن الأخذ بمعطياته عند الحاجة. ولعل أبلغ تعبير عن هذا التماهي والاندماج هو ما قالته مندوبة واشنطن في الأمم المتحدة نيكي هايلي حين وصفت قرار ترامب بالـ «عظيم».
لاشك أن ترامب بقراره هذا يستكمل تركيب فريق «صقور» ينسجم مع اندفاعاته التي قد يصفها البعض بالمتهورة، على حين أنها في الواقع تُعبِر عن مسارٍ جديد يرسمه الرئيس الأميركي في أدائه يحاول من خلاله التأكيد على أنه ليس الرئيس الذي راهن كثيرون في الداخل والخارج على إقصائه قبل انقضاء السنة الأولى من ولايته نتيجة عدم أهليته لقيادة القطب «الأقوى» في العالم، إضافة إلى الخوف من قضائه على ما تبقى من سطوة مزعومة وهيبة موصوفة لهذا القطب على المقدرات السياسية والعسكرية والاقتصادية لهذا العالم.
لكن الواقع أيضاً أن اندفاعات ترامب الحالية أو المتوقعة مستقبلاً كان من الممكن أن تفعل فعلها في ظروف موضوعية غير تلك التي نعيشها الآن، فالأحادية القطبية التي أمسكت لسنين طويلة بالقرار السياسي الأممي الذي كان يُشرع الاعتداءات الأميركية على دول العالم لم تعد قائمة، بل إنها تتعرض يومياً لنكسات صادمة نتيجة عدم قدرة هذا القطب الأميركي وحلفائه الغربيين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي على تمرير قرارات تسمح لهم بالاقتصاص من كل من عارض سياساتهم أو واجهها أو تحداها، وهو أمر سيزداد حدة وتصاعداً مع إعادة انتخاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأكثرية ساحقة لولاية جديدة تتجاوز موعد انتهاء ولاية ترامب، إضافة إلى ما يعنيه هذا الانتخاب في هذه اللحظة «الشرق أوسطية» المفصلية الذي سيسمح لبوتين باستكمال استعادة الدور التاريخي – معدلاً – للاتحاد السوفييتي السابق كندٍ فاعل ومؤثر ومبادر للحد من طغيان الدور الأميركي وتفرده في إدارة أزمات المنطقة والإمعان في إغراقها بالصراعات خدمة لاستمرار نفوذه وتفوق حلفائه وأدواته وفي مقدمهم: الكيان الإسرائيلي.
هنا يكمن التحدي الأبرز لروسيا ومعها الصين الحليف الإستراتيجي الكامن إلى جانب دول وقوى محور المقاومة وفي مقدمهم سورية وإيران. إذ إن تحقيق الأهداف الأميركية المُبَيتة من خلال إعادة الوضع في سورية إلى المربع الأول أي مربع رسم خارطة تقسيم تدريجي يسمح ببقاء قوات الاحتلال الأميركية على خط العبور بين العراق وسورية، والأهم أنه يمنع إتمام انتصارات الجيش العربي السوري وبسط سلطة الدولة على كامل التراب السوري، وهذا ما أكده المبعوث الدولي ستافان دي ميستورا في تصريحه الأخير، والذي يُشتَّم منه رائحة ابتزاز سياسي يهدف إلى وضع الدولة السورية أمام خيارين: إما القبول بالآليات «الأممية» للحل السياسي وإما مواجهة خطر التقسيم وفق الخارطة الأميركية.
في الواقع، إن هذين الخيارين يقودان إلى النتيجة ذاتها: التقسيم، لأن الآليات «الأممية» المطروحة وفق بيان جنيف1 تؤدي إلى تقسيم سياسي والخارطة الأميركية تقود إلى تقسيم جغرافي.
إن مواجهة الاحتلال الأميركي لمنع تقسيم سورية جغرافياً تبقى أسلم وأجدى من القبول والإذعان لقرارات «أممية» تُشرع التقسيم السياسي للشعب والدولة والمؤسسات.