«الانتصار على الحرب»
| حسن م.يوسف
«الخطيئة كالتل، ومع أن كلاً منا يجثم فوق تله الخاص به، إلا أنه لا يرى سوى تلال الآخرين».
تذكرت هذا المثل الإفريقي وأنا أصغي لثلة المتبطلين من الكهول والعجائز المهووسين بلعبة (المنقلة) أثناء انتظار الاسكافي كي ينهي عمله. أعرب أحد العجائز عن استخفافه بأبناء هذا الجيل: «أكل ومرعى وقلة صنعة». فتمطق أحد الكهول ونخر باستخفاف، وهو يحرك حصيات المنقلة في كفه محاولاً تخمين عددها، ثم أطلق حكمه على شباب اليوم قائلاً: «جيل آخر زمن»!
استفزني الكلام حتى كدت أتدخل في الحديث، إلا أن انتهاء الاسكافي من عمله أنقذني من تلك الورطة.
تذكرت ذلك الحديث المجحف بحق الشباب، قبل يومين، عندما رأيت صورة لعشرات الجنود الشباب وهم نائمون على الأرض بعد أن قاتلوا طوال الليل لتحرير الغوطة الشرقية. وقد هزتني تلك الصورة وجعلتني أندم لعدم دفاعي عن الشباب أمام أولئك العجائز المتخصصين بقتل الوقت عن طريق لعب (المنقلة).
تقتضي النزاهة أن نعترف أن شباب هذا الجيل هم أبطال معركة الاستقلال الثانية التي تخوضها سورية منذ سبعة أعوام عجاف، في وجه الفاشية العالمية المتحالفة مع الفاشية الظلامية المحلية. فشباب هذا الجيل هم الذين دفعوا الثمن الأغلى، لصون كرامتنا، وتعزيز هويتنا، ووحدة ترابنا الوطني.
صحيح أن بعض شباب هذا الجيل قد تخاذلوا وهربوا من ساحة المعركة، لكن الأغلبية الساحقة من شبابنا تشبثوا بالتراب الوطني وقاموا بما هو أكثر من الواجب، ولهؤلاء يرجع الفضل في صمود سورية في وجه الهجمة الفاشية العاتية!
تقتضي النزاهة أن نعترف أن جيلنا هو من أخفق في معالجة التحديات المختلفة التي فرضت عليه، بدءاً من بناء الإنسان عبر التربية والتعليم، مروراً بقضية فلسطين، وانتهاء بقضية التنمية. فجيلنا هو المسؤول أيضاً عن انسداد الأفق أمام بعض السوريين مما أغراهم بالانحراف والسقوط والخيانة أحياناً.
أؤمن أن شباب اليوم هم «جيل آخر زمن الهزيمة»، فهم يثبتون تفوقهم علينا لا في ميدان المعركة وحسب بل في عمق الرؤية وشمولها، اليوم كتب ابني رام على صفحته في الفيس بوك ما يلي:
«… احتواء المنتصر للمهزوم العائد ليس فضيلة… بل واجب واستحقاق وطني… فالانتقام من شيم أعداء الحياة أولاد الموت والظلام.
الدم ثمن باهظ يجب ألا يتكرر… دم العسكري والمدني حرام… هم ذهبوا فداء لنا نحن من سنبقى… ولكن كفى اليوم موتا… فلدينا وطن نندب من رحل عنه ونبنيه بالعرق لا بالدم… الإنسان السوري الفقير هو العبرة والمنطلق والمنتهى وكرامته يجب أن تصان… فالدول لا تبنى بتضحية الفقراء على مذبح السيادة والواجب… دول تبنى على تخمة النخب وألم الفقراء تؤجل الكارثة ولا تنتصر عليها… الانتصار بالحرب اليوم هو وقف النزيف وأمل لنا جميعاً… أما الانتصار على الحرب… فهو قضية وطن وإصلاح واقتصاد وفرص ومستقبل للجميع.
لدينا الكثير من العمل اليوم… لننتصر على الحرب غداً»
شباب اليوم، أنحني لكم!