قضايا وآراء

الانتصار على العنف

| مازن بلال

خلال أسبوعين كانت صورة الغوطة الشرقية ترتسم بشكل مختلف، فبغض النظر عن التفاصيل العسكرية التي حققت نهاية العنف والتصعيد فيها، فإن تراتبية الحدث تطرح العديد من المؤشرات السياسية، ورغم أن خروج المجموعات المسلحة من المناطق السورية ليس جديداً لكنه يكتسب رمزية خاصة في منطقة الغوطة الشرقية، فهي المكان الذي أصبح عنواناً لـ«نهاية الدولة السورية»، ونقطة الارتكاز لـ«الائتلاف السوري المعارض» في جميع مراحل التفاوض، وبالتأكيد فإن «الانهيار الدراماتيكي» لم يكن سهلاً على الصعيدين العسكري والسياسي، إلا أنه يمتلك رمزية ستؤثر بالتأكيد في مستقبل الأزمة السورية عموماً.
يمكن اعتبار «الانتصار على العنف» محوراً أساسياً في مسألة الغوطة الشرقية، فلم يعد بالإمكان بعد اليوم الضغط على الحدث السياسي السوري عبر العاصمة دمشق، أو تصوير الدولة السورية ضمن حصار تفرضه المجموعات المسلحة على «المركز السياسي»، فالانتصار على العنف في دمشق لا يشبه أي حالة سابقة، وخروج المسلحين من الغوطة يمتلك أمرين أساسيين:
الأول هو انعكاس لرمزية تحرر العاصمة من «العنف» المفروض على حياتها، فالمسألة ليست فقط حرية حركة السكان من دون خوف من قذائف الهاون، بل أيضاً حرية التحرك السياسي والمناورة ضمن الحل السياسي على أرضية أقوى خالية من تفاصيل الحرب والعنف.
عمليا فإن معركة سورية مع الإرهاب مستمرة، ولكنها تُخاض اليوم بمنطق مختلف لأنها تسير على إيقاع «دولة مُتحكمة» بجغرافيتها، فالغوطة الشرقية ليست مساحة فقط فهي إطار سياسي وعسكري ظهر منذ سبع سنوات، وأسس الشكل الأكثر تطرفاً للحدث السوري، فالمنطق السياسي الذي كان يطرح بشكل دائم أن الدولة غير قادرة على التحكم بمحيط عاصمتها، ومن ثم لا تستطيع حل أزمتها أو التعامل بشكل فعال مع مستقبل البلاد عموماً، فالغوطة بالمعنى السياسي هي قاعدة العنف التي تؤشر إلى «دولة فاشلة» وفق المقياس الأمريكي على أقل تقدير.
الثاني هو المفارقة التي ظهرت بقوة لحظة انهيار المجموعات المسلحة، فقبل خروج أي مدني بقيت المعابر التي تم إنشاؤها جزءاً من التدابير السياسية التي تم انتقادها بشكل متكرر من الهيئات الدولية، إلا أن المفاجئ أن الخروج الكثيف طوى صفحة كاملة على المستوى السياسي، فالمبعوث الدولي «ستيفان دي ميستورا» وجميع عناصر الحل السياسي غابوا بشكل مفاجئ عن المشهد.
غياب عناصر الحل السياسي ليس غريباً لأن انتهاء العنف في الغوطة أخلّ بالميزان السياسي لجبهات التفاوض، حيث لم يعد هناك مساحة سياسية يمكن تمثيلها من الطرف الأساسي في منصات التفاوض، وهذا الآمر سيملك تداعيات مختلفة لأن ممثلي المعارضة لم يفقدوا الأوراق فقط، بل خسروا أيضاً «الشرعية الدولية» التي منحت لهم منذ سبع سنوات لإجراء التغيير السياسي العنيف في سورية.
الانتصار على العنف سيفتح بوابات سياسية جديدة لأنه سيتيح هامشاً من التحرك ضمن معادلة جديدة، فالصراع السياسي لم يعد محكوماً بـ«بندقية» تفرض على الأطراف السياسية، وأصبحت المساحات مفتوحة لتأسيس سياسي – اجتماعي يُفترض أنه متحرر من الخوف ومن الغطاء الإقليمي والدولي، فالانتصار على العنف سيعيد التمثيل السياسي إلى عمق المجتمع خلال وقت قصير.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن