فكرة الحرب على سورية وليدة حلف «ناتو».. وروسيا لن تتخلى عن سورية إطلاقاً … رولان دوما لـ«الوطن»: كل من راهن ويراهن على ضعف وسقوط الرئيس الأسد سيخسر الرهان
| باريس – عدنان عزام
اعتبر وزير خارجية فرنسا الأسبق رولان دوما أن الحرب التي تشن على سورية هي فكرة حلف شمال الأطلسي «ناتو» وذلك في سياق حربه التاريخية على روسيا وعلى حلفاء روسيا.
ورأى دوما أن كل من راهن ويراهن على ضعف وسقوط الرئيس بشار الأسد سيخسر الرهان لأنهم لا يملكون في عقولهم قاعدة البيانات الصحيحة وهم يتكلمون عن أحلامهم كما لو كانت حقائق!
وفي مقابلة مع «الوطن» في باريس ورداً على سؤال حول دخول الحرب على سورية عامها الثامن، قال دوما: أنا شهدت ولادتها وانطلاقتها حيث كنت في لندن نهاية 2010 ودعاني أشخاص لا أعرفهم من قبل لطعام الإفطار وأعتقد أنهم لم يكونوا قادرين على توقع موقفي أو ردة فعلي وقد أخبروني بأنهم يقومون بالإعداد لتشكيل جيش لتحرير سورية وبعد ثلاثة أشهر من هذا اللقاء انطلقت فعلاً الحرب على سورية.
واعتبر دوما أن هذه الحرب تهدم حقباً طويلة من العلاقات بين فرنسا وسورية وتؤذي العلاقات بين الشعبين الفرنسي والسوري، وأضاف: «إنها حرب رهيبة مستمرة منذ ثماني سنوات والآن علينا أن نفكر بالسلام، بعد كل حرب لا بد من السلام».
وأوضح دوما أن فكرة هذه الحرب على سورية هي «وليدة حلف «ناتو» في سياق حربه التاريخية على روسيا وعلى حلفاء روسيا، وروسيا تقول دائماً إنها تدعم سورية ولن تتخلى عنها وذلك لأن لروسيا حلماً أبدياً بالوصول إلى المياه الدافئة بالمتوسط وهي سياسة مستمرة لروسيا ولن تتخلى عنها وأنا على علاقة جيدة مع الروس وأعرف أنه ليس لديهم النية مطلقاً بالتخلي عن سورية في المحافل الدولية».
ولفت دوما إلى تغير السياسة الفرنسية تجاه سورية، و«أنا شاهد على ذلك وقد حاولت مقاومة هذا التحول الذي بدأ شيئاً فشيئاً ولم يحدث دفعة واحدة».
وقال: «نعلم جميعاً أن الجنرال ديغول قرر بعد نهاية الحرب العالمية الثانية مغادرة الحلف الأطلسي وقد برر ذلك بقوله: لا أريد أن تجد فرنسا نفسها وقد تم زجها بحرب لا تخدم مصالحها الوطنية وقد حافظ الرؤساء الفرنسيون بعده على هذا النهج من جورج بومبيدو إلى فاليري جيسكار دوستان إلى فرانسوا ميتيران لكن التغيير بدآ وبعكس ما كنا نتوقع مع وصول جاك شيراك إلى الحكم الذي كتب فور وصوله إلى الحكم إلى قيادة حلف الأطلسي وأخبرهم برغبة فرنسا بالعودة إلى أحضان «ناتو» وتسلم بعض المهمات في أوروبا الجنوبية لكن قيادة الأطلسي رفضت العرض بعد دقائق من تسلمه لأن ذلك له علاقة بأمن إسرائيل وقد سلك الرئيس ساركوزي وهولاند هذا الطريق وكانت أول رسالة لفرانسوا هولاند عندما استلم مهامه الرئاسية هي لقيادة حلف الأطلسي ليؤكد لهم بقاء فرنسا تحت قيادته واتخذ هذا القرار من دون أي حوار أو نقاش في البرلمان ما جعل فرنسا منقادة تماماً للسياسة الأميركية الأطلسية وهذا ما يفسر السياسة الفرنسية الحالية تجاه سورية، وهذا ما حذر منه الجنرال ديغول عندما قال: لا أريد أن أرى فرنسا تأخذ مواقف معادية لمصالحها الوطنية».
وأضاف: «من يتابع تسلسل الأحداث يفهم تماماً سياسة «ناتو» ولا يفاجأ بأي قرار له». ورأى دوما أن التحضيرات التي يشهدها الشرق الأوسط هي لإشعال حرب عالمية ثالثة «وأعني بذلك التحضيرات العملية وليس الكلام النظري وعلى سبيل المثال القاعدة العسكرية الفرنسية في أبو ظبي، التي أقامتها فرنسا للاشتراك بحروب «ناتو» في المنطقة، لأنه في حال قيام «ناتو» بأي حرب ستكون فرنسا مجبرة على الاشتراك بها».
وأوضح دوما أنه لم يتفاجأ بالموقف الروسي من الحرب على سورية وعودة روسيا إلى مسرح الأحداث في الشرق الأوسط، وقال «لا أبداً لم أفاجأ، لأن هذا هو موقف روسيا التاريخي والتقليدي، وكما هناك مواقف تقليدية أو سياسات تقليدية لفرنسا ولبريطانيا ولأميركا فإن لروسيا موقفها التقليدي، وسياساتها التقليدية، لروسيا موقف واحد في الأمس واليوم وغداً، وليس صعباً فهم ذلك على من يتابع الأحداث وهذا ما يجعلنا نعرف ونتوقع ما سيقوم به حلف ناتو».
ولفت دوما إلى أنه لم يتفاجأ أيضاً بصمود الشعب السوري والجيش العربي السوري والرئيس بشار الأسد، وقال: «لم أفاجأ لأنني أعرف تماماً الرئيس بشار الأسد وأعرف عائلته، أعرف والده الرئيس حافظ الأسد الذي كان يستقبلني عندما كنت وزيراً للخارجية وقد استقبلني مرتين لمدة سبع ساعات كل مرة، إنه يعرف تاريخ المنطقة جيداً، لقد كان رئيساً ذكياً وخلال اجتماعين معه ذكرني بمسؤولية فرنسا وبريطانيا بتقسيم المنطقة من خلال اتفاق سايكس بيكو وفي كل مرة كان يقول لي عد لزيارتنا». وأضاف: «وعندما حضر الرئيس بشار الأسد إلى باريس كتبت له واستقبلني أيضاً، نعم أعرفه جيداً وأقول لكل الذين يراهنون على ضعفه وسقوطه أو على تخلي الروس عنه إنهم سيخسرون الرهان لأنهم لا يملكون في عقولهم قاعدة البيانات الصحيحة وهم يتكلمون عن أحلامهم كما لو كانت حقائق!!».
*وإن كان يعتقد أنه حان الوقت لتغير فرنسا سياستها، أم أن هذه العلاقة مع سورية مرهونة بالعلاقات الدولية؟، قال دوما: «العلاقة مع سورية تاريخية وخاصة في المجال الثقافي والكل يعلم أن المبالغ المرصودة في الموازنة الفرنسية لحماية التراث والتنقيب عن الآثار في سورية كبيرة جداً، كانت فرنسا حاضرة دائماً هناك وأنا أعرف الكثير من الفرنسيين الذين يعملون ويهتمون بكل ما يجري هناك». وأضاف: «وهنا أردد مرة ثانية لكل الذين يقامرون على ثبات سورية ومواقف روسيا أنهم سيخسرون، لن يتخلى السوريون عن أرضهم ولن يتخلى الروس عن مواقفهم من سورية والحل لا يأتي إلا من خلال مؤتمر دولي تشارك به كل الأطراف وأنا متأكد أننا سنشهد في يوم ما مثل هذا المؤتمر».
وحول ما عاناه السوريون من جراء الحرب وبقائهم متوحدين خلف قيادة الرئيس الأسد، قال دوما: «الشعب السوري شجاع جداً وذكي ومثقف ولديه الكثير من المفاتيح في يده، لقد رسم الرئيس حافظ الأسد طريقاً والرئيس بشار الأسد يسير عليه وعلى كل من يريد التحدث بهذا الموضوع احترام هذا النهج وعلينا جميعاً البحث عن حل من خلال مؤتمر شامل للسلام في الشرق الأوسط».
وإن كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيقبل يوماً ما بهذا الكلام؟، قال دوما: «لم أره منذ فترة طويلة ولكن أرجو أن يهتم بهذا الكلام».