25 آذار
| حيدر زياد
في مثل يوم أمس الخامس والعشرين من آذار، على ما أذكر قبل سبع سنوات، خرج صوت قبيح من أحد مساجد الدوحة، ليكشف الوجه الحقيقي لما سمي «الربيع العربي»، فأطلق توصيفاً طائفياً على ما يجري، وتوعد من على منبره أمام المصلين، وقطب حاجبيه وثخن صوته وهو يتوعد.
كان صباح جمعة، وكانت خطبة يوم العطلة الأسبوعي، وكان الجامع على اسم أمير قطر، وكان الخطيب أستاذه ومعلمه ومرشده الروحي إن لم يخف أكثر من ذلك.
كان أيضاً رمزاً دينياً حتى وقت قصير وقريب، للتعايش بين الأديان، والتسامح، وتقديم صورة جديدة متنورة عن الإسلام، وقدوة دينية في الدفاع عن فلسطين والقدس ومقدسات المسلمين في الأرض المحتلة.
أيام فقط على «الحراك» في سورية، وبعد انطلاقه في ليبيا، ونجاته في تونس، وانتصاره في مصر، بزهوة قائد حربي، ينزل هذا الرمز إلى مستوى الوضاعة الدنيا، من صفوة الإيمان الروحي، لمستنقعات التوصيف المذهبي. من الحديث عن ازدهار أمة المسلمين إلى السعي في خرابها. من الدعوة لوحدة الأمة أمام عدو متحد، إلى العمل على شرذمتها لخدمة أعداء كثر. من نصرة فلسطين، إلى تضييع قضيتها ربما للأبد.
كان صعباً في الأسابيع الأولى من آذار، التفكير بشكل صائب. كانت الأوضاع معقدة، وكنا مستسلمين للإعلام الذي كان استعد، بعدته وخططه ونحن في غفلة. كانت ملاحقة التفاصيل سهلة لأنها لم تكن كثيرة حينها، لكن الوصول للاستنتاج الصحيح كان بعيد المنال، فما جرى في مصر وتونس وما كان يجري في ليبيا كان مسكراً ومشوشاً.
جاءت الخطبة، في توقيت اعتقده صاحبها وتلاميذه من الأمراء مثالياً، لاستخدام الزخم الحاصل في إفريقيا الشمالية ونقله إلى المشرق.
اعتقد الشيخ حينها أن بإمكانه ركوب الموجة، وأنه يعرف عما يتحدث وأن الأسابيع معدودة لحصاد النتائج.
ولكن خطبته الصباحية تلك، كانت من أصدق وثائق «الربيع العربي»، ومشهداً مؤرشفاً وجديراً بالإعادة عن وقائع كثيرة يمكن توثيقها ليس عن تلك الفترة فحسب، بل عن خدعة التلاحم السياسي العربي، كما كان يحلو لنا القول عن العلاقات السورية القطرية، وعن تأثير بعض المشايخ الدينيين ضيقي الأفق، المتعصبين، المتعطشين للنفوذ، على بيوت الحكم العربية، ولاسيما في الخليج.
وكانت وثيقة عن مستوى الانحطاط الذي هي عليه هذه الأمة، فرغم أن الحديث يعبر عن رأي قطر في تركيبة سورية الديمغرافية، إلا أنه ساد كرأي مختبئ في كواليس الاجتماعات العربية، ولاسيما مجلس جامعتها، الذي كان لنا حظوظ الانفلات منه في هذه الأزمة، إلى حين إصلاحه، إن لم يفت الأوان.
لم تكن تلك الخطبة، حينها، إلا مقدمة لما سيقوله رئيس حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان، من ذلك الوقت حتى الآن، مجدداً لدينا نظرة الاحتقار لكل الشخصيات الدينية من هذا المستوى، وبهذه اللغة، ولاسيما حين تكون في مناصب السلطة واتخاذ القرار، بإشعال الحروب، وتذكية نارها.
يا لها من كارثة، ما كنا عليه من خديعة، كعرب وكسوريين، وليس فقط ما أصبحنا عليه لاحقاً.
لذلك ليس مثل عودة الغوطة لأهلها وربيعها لدمشق صاحبته الحقيقية أجمل من رد في التوقيت ذاته على ذلك الصباح المقيت، منذ سبع سنوات، ووجه صاحبه، وتلاميذه، سواء من كان كبيراً بينهم أم فتياً.