التغيرات الدراماتيكية في إدارة ترامب فوضى وإخفاقات وحافة الهاوية
| قحطان السيوفي
استقالة أو إقالة أو طرد- لا فرق- العديد من الطاقم القيادي لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب آخرها إقالة ماكماستر، مستشار الرئيس للأمن القومي، وتعيين جون بولتون بدلا منه، وإقالة أو طرد وزير خارجيته ريكس تيلرسون بالطريقة المُهينة الذي تم الإعلان عنها، وقبل ذلك استقالة جاري كوهن، كبير المستشارين الاقتصاديين للرئيس ترامب حيث يخرج من إدارته كل من لديه بعض الرشد ويخالفه الرأي.
لم يعد في إدارة ترامب الآن إلا عدد محدود جدا من الراشدين، من صفاته أنه يكذب ويهين ويتصرف كفتوّة ويثور غضباً ويحاول الانتقام ويفاخر ويرفض الانتقاد. ترامب غير قادر على تمالك نفسه. يعتقد أنه نابغة وتزعجه تفاصيل الاستراتيجيات السياسية سواء كانت حول ملفات ترتبط بالمهاجرين في أميركا أو البرامج النووية لكوريا الديمقراطية وإيران.
هذه التفاصيل بعضها ورد في كتاب مايكل وولف «النار والغضب». تصرفات رئيس الدولة العظمى منذ أول يوم له في البيت الأبيض تعبّر عن شخصية فوضوية، غير مُلمّة لا بالسياسة ولا بالدبلوماسية… وهذه التصرفات زادت حجم الإخفاقات التي تترتب عملياً على السياسات وخاصة بعد توجيه الإهانات لشعوب إفريقيا، وبعد تجريحه بالمسلمين وبخصومه في الكونغرس. ترامب يظن أنه ما زال في عالم الترفيه، وأن بإمكانه مثلاً التعاطي مع دول وشعوب كما كان يتعاطى مع نساء رفضن معاشرته وشعبية الرئيس ترامب أقل من 37 في المئة وهو بات مصدر القلق الأول للجمهوريين في انتخابات الكونغرس. إذ بعد خسارات نيو جيرسي وفيرجينيا وألاباما الأخيرة يضع الديموقراطيين على عتبة الفوز بأغلبية مجلس النواب في تشرين الثاني المقبل، إخفاقات ترامب عملياً هي كنز سياسي للديموقراطيين. فبإهانته الأقليات والمهاجرين، يقلص رقعة التنافس الانتخابي ويصوّر الحزب الجمهوري وكأنه معني فقط بالرجل الأبيض ومعادٍ للأقليات والنساء.
خارجياً، الصين هي الرابح الأول من تخبط ترامب وإخفاقاته. فأمام كل زلة لسان لترامب حول الأفارقة أو أميركا اللاتينية هناك عقد اقتصادي جديد للصين، فمن شبكة الاتصالات في كامل إفريقيا، إلى الشراكات الاقتصادية مع باكستان وإيران… في الشرق الأوسط، يقول مسؤولون في الإدارة إن ترامب لا يكترث بتفاصيل الملفات المطروحة. همه قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ومزاعمه الخلبية بمحاربة «داعش». وشراهته لشفط المزيد من أموال حكام الخليج، إذ يسجل لترامب نجاحاً وحيدا فقط في ابتزاز حكام الخليج العربي ماليا.
الميديا الأميركية تلاحق ترامب كما لم تفعل مع أي رئيس سابق. هو يقول عن أي خبر لا يعجبه أنه «خبر كاذب». «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» وصحف أخرى ومطبوعات إلكترونية تقول إن الرئيس حقق رقما قياسيا للكذب.
مثلاً؛ ادعى أن الرعاية الصحية التي حملت اسم باراك أوباما أفادت عدداً قليلاً من الناس. هي أفادت أكثر من 20 مليون أميركي.
أصر على أن الإقبال على تلفزيون سي إن إن انخفض كثيراً. الواقع أن الإقبال على سي إن إن كان الأعلى منذ خمس سنوات.
زعم أن خططه الضريبية تعني أن 30 مليون شركة صغيرة ستستفيد من برنامجه الضريبي، ولكن الحقيقة أن مليون شركة صغيرة فقط ستستفيد.
صحيفة فاينانشال تايمز تقول إن كلمة «ترامب» أصبحت تُستَعمَل (كشتيمة) في ملاعب الرياضة، وبين الناس العاديين في الولايات المتحدة.
بإقالة ترامب لوزير خارجيته ريكس تيلرسون بالطريقة المُهينة الذي تم الإعلان عنها، وماكماستر مستشار الأمن لقومي؛ يكون قد أخرج من الساحة الأشخاص الذين يقفون ضده باستثناء جيم ماتيس، وزير الدفاع الأميركي.
(مايك بومبيو) بديل تيلرسون، يشارك الرئيس عقليته غير الدبلوماسية ومن ثم يساعد ترمب لتحقيق سياسته الانعزالية «أمريكا أولا» تيلرسون وصف ترامب بأنه «بليد وذو عقل ضعيف بل أحمق». هذا الوصف الغاضب الذي تم تسريبه جاء في أعقاب اجتماع قال فيه الرئيس إن على الولايات المتحدة مضاعفة ترسانة أسلحتها النووية عشر مرات. استقالة جاري كوهن، كبير المستشارين الاقتصاديين للرئيس ترامب، الذي استقال مطلع العام وجه ضربة كبيرة للجمهوريين في واشنطن ورجال الأعمال الذين يسعون إلى منع الرئيس من إشعال فتيل حرب تجارية عالمية. قال أحد خبراء السياسة الجمهوريين إن قادة الحزب، كانوا يعتبرون كوهن «ضامناً للاستقرار في القضايا الاقتصادية. حلول مايك بومبيو رئيس الاستخبارات المركزية الأميركية، محل ريكس تيلرسون، يضع متشددا من الصقور ليكون مسؤولاً عن السياسة الخارجية؟ في وقت حرج تمر به أميركا في علاقاتها المتوترة مع كل من إيران وكوريا الديمقراطية وروسيا، بومبيو مُنتقد قوي للاتفاق النووي الإيراني، ويقول يجب إلغاؤه.
جادل تيلرسون وماتيس بأن نسف الاتفاق النووي مع إيران سيكون كارثياً، وسيعمق الانقسام بين أميركا وحلفائها الأوروبيين.
التأثير المحتمل لذلك على قمة ترامب المزمعة مع رئيس كوريا الديمقراطية، كيم جونج أون، سيكون كبيرا. الخبراء يستبعدون إمكانية أن يتمكن ترامب من إقناع «رئيس كوريا الديمقراطية بنزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية، لأن إنهاء الصفقة مع إيران يمكن أن يقضي على أي فرصة متاحة في إبرام اتفاقية مع بيونج يانج، لأنها ستقنع زعيم كوريا الديمقراطية، أنه لا يمكن الوثوق في الولايات المتحدة بالوفاء بأي اتفاق بالنسبة للعالم. بومبيو يستخدم في أحيان كثيرة لغة الحرب المقدسة بين الإسلام المتطرف والغرب المسيحي. الوجهة التي ستؤول إليها هذه الأفكار تنذر بالسوء لعلاقات أميركا مع الشرق الأوسط وما وراءه.
مسلسل الإقالات والاستقالات في إدارة ترامب أثارت مخاوف كبيرة تتعلق بتعرض إدارة ترامب للفوضى والمزيد من الإخفاقات، كما تثير تساؤلات حول اتجاه السياسة الأميركية الداخلية والخارجية نحو حافة الهاوية.