قراءة في أسباب الاعتراف الإسرائيلي
| رفعت البدوي
بعد عقد من الزمن جاء اعتراف العدو الإسرائيلي وبشكل رسمي بتنفيذ الغارة الجوية على الأرض السورية زاعماً أن 8 طائرات إسرائيلية نفذت مهمة عسكرية ناجحة في عمق سورية في فجر السادس من أيلول العام 2007 كان الهدف منها حسب مزاعم العدو تدمير مفاعل نووي سوري في مراحله الأخيرة.
أرفق هذا الاعتراف بمشاهد مصورة عن الغارة الإسرائيلية على مبنى مؤلف من 4 طبقات في داخل الأرض السورية.
إن السماح لرئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية بالإفراج عن خبر الغارة والإيحاء بتدمير مفاعل نووي هو خبر ليس بجديد لأن السلطات السورية في صبيحة السادس من شهر أيلول للعام 2007 بادرت للكشف والإعلان عن قيام طائرات العدو بالغارة على مبنى في منطقة (الكبر) في أطراف دير الزور ويمكننا في ذلك العودة لأرشيف تصريحات السلطات السورية في ذاك الوقت.
أما تصنيف الهدف الذي تعرض للغارة الإسرائيلية ووصفه بالمنشأة النووية يحتاج إلى توثيق حيث إن رواية السلطات السورية كانت قد تحدثت عن تمكن الطائرات الإسرائيلية من اختراق الأجواء السورية من جهة الحدود المشتركة مع تركيا وبالتواطؤ مع سلطاتها منفذة غارة جوية على مختبر للمواد الزراعية مؤلف من 4 طبقات.
إن الإعلان الإسرائيلي عن تصنيف هدف الغارة بالمفاعل النووي هو خبر مشكوك فيه يبقى من دون مصداقية حتى وإن كان الخبر الإسرائيلي استند إلى جملة من المشاهد الموثقة والمراقبة الحثيثة المرفقة مع صور جوية لحظة إلقاء طائرات العدو قنابلها على مبنى مؤلف من 4 طبقات لتترك معها عدة أمور بحاجة إلى تفسير ولا بد من الإشارة إليها:
1- ما الذي يثبت أن المبنى المستهدف عبارة عن منشأة لمفاعل نووي سوري؟
2- هل بات المفاعل النووي مع تجهيزاته وتكرير المياه الثقيلة وتركيب المعادلة وتوفير مسارب اليورانيوم المفترض أن تكون ضمن مساحات واسعة، يقتصر على مساحة ڤيلا بأربع طوابق؟
3- إن الادعاء الإسرائيلي بتدمير مفاعل نووي يستند إلى مواد وأتربة قام تنظيم داعش بتجميع عينات منها بعد الاستيلاء على المنطقة بالاشتراك مع كبار الضباط في جهاز المخابرات الأميركية وضباط من المخابرات الإسرائيلية جميعهم قاموا في العام 2014 بتجميعها ونقل قسم منها إلى الولايات المتحدة مباشرة، أما القسم الآخر فتم نقله إلى مفاعل ديمونة الإسرائيلي لفحصه. وهذا الأمر يكشف مدى التعاون والتنسيق الوثيق بين تنظيم داعش الإرهابي والمخابرات الأميركية والإسرائيلية واستعمال التنظيم لأغراض تخدم أميركا وإسرائيل.
4- إن الإعلان الإسرائيلي عن هوية الهدف ووصفه زوراً بالمفاعل النووي السوري هو خبر تم فبركته وإخفاؤه بهدف استعماله بالزمان والمكان المناسبين لتوجيه الاتهام لسورية في سعيها للحصول على تكنولوجيا القنبلة النووية خصوصاً بعد نجاح الدبلوماسية السورية في دحض مزاعم أميركا وإسرائيل باستخدام الجيش العربي السوري المواد الكيميائية ضد التنظيمات الإرهابية في الغوطة وخان العسل ومطار الشعيرات وغيرها.
5- إن الإعلام الإسرائيلي عن الغارة الإسرائيلية يثبت بالدليل القاطع أن الكيان الصهيوني هو كيان ضد العقل والعلم والتقدم العربي بكل الأمكنة والظروف والأزمنة على اختلاف معاييرها ولا يمكن الركون إليه في أي شكل من الأشكال.
6- إن توقيت الإعلان الإسرائيلي عن هوية الهدف والغارة الجوية الإسرائيلية والادعاء بالاشتباه في منشأة نووية سورية هو رسالة واضحة موجهة لإيران والدول الحليفة لها في محاولة لردع إيران عن الاستمرار في سياستها الداعمة لسورية وقوى المقاومة في المنطقة ومؤشر على وجود نيات إسرائيلية أميركية مبيتة ضد إيران ومفاعلاتها النووية وتعبير عن الهلع الإسرائيلي خصوصاً في هذا الظرف الإقليمي الذي يشهد توتراً في غاية الخطورة جراء ممارسة التهديد الأميركي لإيران بالانسحاب أو إلغاء الاتفاق النووي معها وإمكانية اندلاع مواجهة إقليمية شاملة تكون إيران وأميركا فيها وجهاً لوجه، هو تعبير عن القلق السائد في داخل إسرائيل على المستويات كافة العسكري والمخابراتي والسياسي إضافة إلى ضعف جبهة إسرائيل الداخلية والقلق الذي يسود أوساط إسرائيل جراء إحباط مشروعها في سورية بعد الانتصارات والتحولات الإيجابية للجيش العربي السوري وانقلاب الصورة لمصلحة الدولة السورية.
7- من المؤكد أن هيبة سلاح جو العدو الإسرائيلي أصيبت بضرر بالغ وبفقدان الثقة خصوصاً بعد نجاح الدفاعات الجوية للجيش العربي السوري بإسقاط طائرة F16 درة التاج في سلاح الجو الإسرائيلي وإن الإعلان عن الغارة الإسرائيلية تأتي على خلفية إمكانية استعادة الثقة بالقوة الإسرائيلية ومحاولة لإعلاء سمعة سلاح الجو الإسرائيلي بعد إصابته في تاجه مباشرة ما شكل خلطاً في الأوراق وضرورة إعادة ترتيب حسابات العدو الإسرائيلي على مختلف المستويات.
8- على افتراض أن الهدف الذي تم تدميره في سورية هو بالفعل مفاعل نووي سوري فهذا دليل وأضح أن سورية كانت في وقت ما تسعى جاهدة لبلوغ مستوى التوازن الإستراتيجي بين سورية وإسرائيل وهذا دليل كاف لمعرفة سبب تجميع شياطين الأرض ضد سورية واستعمالها في الحرب الكونية التي تشهدها سورية من 7 سنوات وبشكل متواصل.
لم يكن اعتراف العدو الإسرائيلي بالغارة مصادفة بالتزامن مع التهويل الأميركي الإسرائيلي بتوجيه ضربة عسكرية ضد المراكز الحكومية السورية في العاصمة التي وصفها أحد الخبراء بعويل كلب مسعور خائف مذعور وجد نفسه وحيداً في غابة مخيفة بل إن المقصود كان زيادة التهويل على تقدم الجيش العربي السوري في محيط الغوطة.
نخلص للقول: إن العدو الإسرائيلي ومن حيث لم يحتسب أسهم بفتح أبواب المساءلة عن مفاعلاته النووية التي يمتلكها للمساءلة أمام الأمم المتحدة وعن أسباب بقاء العدو رافضاً الانضمام الى اتفاقية منع انتشار وتطوير الأسلحة النووية، حتى يومنا هذا.
لكن يبقى السبب الرئيس الذي دفع العدو للإعلان عن فعلته إنما هي محاولة يائسة منه لدفع البلاء عنه باستعادة تظهير حقبة الغطرسة والتفوق الماضي الذي ولى ولأن العدو الإسرائيلي نفسه أدرك متأخراً استحالة العودة إلى تلك الحقبة.