خربشات على الورق!
| عصام داري
ليست الطبيعة وحدها التي ترسم لوحات جمال أخاذة، فالإنسان يمتلك شيئاً ربما يفوق قدرات الطبيعة وحلاوة الدنيا، يمتلك الخيال الذي يمكّنه من رسم عالم ساحر نعيش فيه لحظات حلم تهدي أرواحنا السكينة والفرح.
الطبيعة جبارة، لكن شرارة تشبه البرق من عين حسناء تفعل ما لا تفعله الطبيعة، قد تحيلك رماداً أو بركاناً، أو تقذف بك إلى أعماق المجهول، وربما نسمة عابرة، أو كلمة ناعمة، تغير خرائط وكيمياء الإنسان وتحول الزهر المنفلت في البساتين إلى قوارير عطر، وحروف الأبجدية العصية إلى قصائد عشق وبحور شعر.
وما بين الطبيعة والإنسان تمضي الحياة مسرعة، ويطير قطار العمر قاطعاً المحطات، وتصير الأيام والسنوات بمنزلة ثوان لا أكثر كلما وصلنا إلى محطة ونظرنا إلى الخلف قليلاً نكتشف كم ابتعدنا عن نقطة البداية.
تتعبنا الأيام، وتهدنا الأحزان، وتنال منا الحياة وتترك السنوات بصمتها على تكويننا فنصير أشباه البشر نسير على الأرض ونجر خيبات عمر مضى.
ليس تشاؤما ما أعلنه، بل هو لحظة تأمل في حياتنا التي نمضيها في هذا الكوكب، وكثيراً ما تصدمني اللحظة بقوة، فأسأل نفسي عن سر عشقي للحياة، وكرهي لها في آن، في هذه اللحظة، عندما يستوي الوجود مع العدم، الحب مع الكراهية، التفاؤل مع اليأس، تكون الحياة على أبواب النهاية.
أقول دائماً إننا ندفع من بنك أعمارنا سنوات عديدة لقاء متعة عابرة، أو وهم زائل، لا نقدر نعمة العمر المحدود الممنوح لنا على هذه الأرض، فنسرف في إضاعة السنوات من دون أدنى تفكير في الغد القريب والبعيد، كما نسرف ونبذخ عندما يكون لدينا بعض فائض من مال، ولا نفكر أننا قد نجد أنفسنا ذات يوم بحاجة إلى كسرة خبز وجرعة ماء.
أعمارنا محدودة جداً مهما طالت، ورسالتنا في الحياة تتطلب منا ترك بصمة قبل الرحيل الأخير ليذكرنا من سيأتي بعدنا، ومن لا يفعل ذلك فستكون حياته ومضة في الزمن لا يتنبه إليها أحد، لنصرف سنوات عمرنا في حب وفرح وعمل يفيد منه الآخرون، وبناء علاقات صداقة ومحبة قبل أن يبحر مركبنا في سفرته النهائية.
نحتاج إلى عمر آخر جديد كي نكفّر عن أخطائنا بحق أنفسنا أولاً، وحق الآخرين ثانيا، وعندها قد نجد ساعة هاربة من الزمن نمضيها في سعادة حقيقية لم تمر سابقا في تاريخنا الذي تحده من الشمال الأحزان، ومن الشرق البؤس، ومن الغرب الفوضى والجريمة والرذيلة، ومن الجنوب الفقر، ستأتي تلك الساعة الفرحة لا محالة، لكن توقيت سفرها إلى عالمنا في عالم الغيب، وعلينا الانتظار.
وفي الانتظار لا بأس من بعض الخربشات العشوائية كي أخرج من القوالب الجاهزة وأدخل في عالم من الخيال الطفولي المتمرد على كل ما هو قيد يحبس الحرية في قمقم صدئ عفا عليه الزمن.
هذه هي خربشاتي، هي مجرد توقيع يثبت أنني مازلت على قيد الحياة، أتمنى أن تكون هذه الخربشات رسالة واضحة الحروف لعشاق الحياة، وأصدقاء الفرح والشعر والموسيقا والغناء، ولكل إنسان تسكنه مشاعر وأحاسيس جياشة.