قضايا وآراء

أردوغان ونهاية اللعبة

| تحسين الحلبي

بعد سنة تكون بريطانيا قد أنهت عملية خروجها من الاتحاد الأوروبي وتترك هذا الاتحاد لفرنسا وألمانيا بصفتهما أكبر دولتين فيه لكن أسئلة عديدة تطرحها فرنسا وألمانيا حول مستقبل علاقات بريطانيا وعضويتها بحلف الأطلسي، لأن خروجها من الاتحاد سيؤثر في مدى توافق سياساتها مع سياسة الدول الأوروبية الأعضاء في الحلف وخاصة أنها أكبر دولة يعتمد عليها الحلف في نفقاته العسكرية فثمة من يتوقع أن تتراجع عن كل ما كانت تقدمه للحلف.
وكانت فرنسا وألمانيا أعدتا حساباتهما لما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد حين قررتا قبل سنتين وضع خطة إنشاء نواة جيش للاتحاد الأوروبي باسم أوروبا وليس باسم حلف الأطلسي وعند ذلك لن يربط بريطانيا بالاتحاد الأوروبي سوى اتفاقية «الاجتماعات التشاورية بين الاتحاد وبريطانيا».
وهذه الاتفاقية لا تلزم الاتحاد بدعم كل ما تريده بريطانيا لأنها لم تعد عضواً في الاتحاد رغم استمرار وجودها بالأطلسي.
ومع هذه التطورات يبدو تماماً أن خريطة سياسية دولية لما يطلق عليه «المجتمع الدولي» بدأت تشق طريقاً لم تألفه علاقات لندن باريس التاريخية الاستعمارية منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حين كانت الدولتان تتقاسمان مناطق مستعمرات تحتلها في مختلف القارات وكان آخرها اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، ولذلك لم تجد فرنسا في هذه الظروف سوى التحالف المتزايد مع ألمانيا لتحقيق مصالحهما في أوروبا وفي العالم بينما ستميل بريطانيا أكثر فأكثر نحو الانضمام إلى إستراتيجية الولايات المتحدة لنيل حصتها من المصالح.
ولذلك يرى مركز أبحاث كارينجي يوروب في 13 آذار الجاري الذي يهتم بالدراسات حول مستقبل الإستراتيجية الأوروبية أن عهد «بوتين وترامب غير كتب قواعد اللعبة الدولية، فقد بدأت تتلاشى مؤسسات ما بعد الحرب العالمية الثانية وتخلف وراءها فراغاً تملؤه الصين ويبقى الأوروبيون ضعفاء إلا إذا غيروا اتجاههم». ويضيف مركز كارينجي إن الدول الأوروبية «تواجه مفترق طرق وكاميرون وميركل لا يعولان إلا على الاقتصاد والاندماج السياسي وإذا فشلا فهناك احتمالات قوية بأن تتحول أوروبا إلى دول شبه متفرقة تتجنب التضامن مع بعضها وتتجاهل تحديات «الثورة الرقمية وتترك النفوذ للصين وروسيا» لكن السؤال الذي يطرح نفسه أمام تدهور تماسك قوة الحلف الأطلسي والمستقبل الغامض للاتحاد الأوروبي: ماذا سيفعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يعتمد على حلف الأطلسي والاحتمال غير المؤكد لانضمامه للاتحاد الأوروبي؟!
يرى مارك بييرني من مركز كارينجي أوروبا نفسه في 20 شباط الماضي في تحليل بعنوان «لعبة الشرق الأوسط أكبر كثيراً من تركيا» أن «الاتحاد الذي اختار أردوغان السير فيه بالحرب على سورية سيحمل نتائج بعيدة الأثر على تركيا والعالم» وأن العمليات الحربية التركية ضد سورية ستولد أخطاراً كبيرة على تركيا بعضها «حقيقي جداً وآخر ملموس والبعض الآخر قابل للتصور» فتركيا بموجب ما يرى «بييريني» تلعب في ساحة تضم لاعبين كباراً وإقليميين وهي تواجه الآن عقبات قصيرة المدى لكنها ستواجه ما هو أكثر تعقيداً فقد أغلق باب الاتحاد الأوروبي في وجهها بموافقة فرنسا وألمانيا والنمسا وبلجيكا وهولندا.. وإضافة إلى ذلك سيواجه أردوغان تطوراً مهماً في نيويورك فهناك محكمة أميركية ستصدر حكمها ضد الجرائم المالية في قضية البنك التركي الرسمي «هلق» في منتصف نيسان المقبل ويتوقع مكتب العقوبات المالية أن يكلف قرار الحكم تركيا مليارات من الدولارات وهو بنك بإدارة وملكية الحكومة التركية، وأدين بمخالفة القوانين الأميركية.
ويضاف إلى هذه المشكلة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب مصاعب أخرى حول لعبة أردوغان في شمال سورية وتوغل وحدات تركية إلى مناطق يسكنها الكرد السوريون، وكانت أوروبا قد حذرت أردوغان من أي أعمال عسكرية في المتوسط قرب قبرص بسبب الخلاف على الغاز في تلك المنطقة.
وإضافة إلى هذه الصعوبات التي يواجهها أردوغان بدأت مراكز أبحاث أميركية وأوروبية تؤكد أن ميزان القوى في المنطقة التي يلعب في ساحتها أردوغان لا ترجح كفته الإقليمية أو الدولية لمصلحة سياسته وترى هذه الأوساط أن التصاعد في الخطاب العسكري الأميركي تجاه المنطقة لن يكون سوى محاولة أميركية- إسرائيلية لزيادة قدرة «الردع» التي تآكلت ولم تعد تحقق أهدافها منذ شباط الماضي وبعد خطاب بوتين في الأول من آذار الجاري بل إن ردود الفعل الروسية والسورية والإيرانية على التهديد الأميركي أدت إلى تزايد في قدرة الردع الإقليمية والدولية لمصلحة روسيا وإيران وسورية ولم يبق لأردوغان سوى اللعب في الوقت المستقطع في نهاية المباراة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن