سورية أولاً
| نبيل الملاح
لقد كانت سورية عبر التاريخ في عين الحدث، وكانت دائماً من أولويات القوى العظمى في إطار تحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط، وانطلاقاً من ذلك كان الصراع على سورية وفيها.
وأصبحت سورية في عين العاصفة عندما تكرست قبلة للعرب ورأس الحربة في الصراع العربي الإسرائيلي ومقاومة المشروع الصهيوني، ولم تساوم على حقوق الشعب الفلسطيني التي أقرتها الشرعية الدولية بعد نضال طويل ومرير دفع فيه الفلسطينيون والشرفاء من العرب ثمناً باهظاً بدمائهم وأموالهم.
وللأسف الشديد تمكن المشروع الصهيوني أن يصل إلى مرحلة متقدمة في تحقيق أهدافه؛ بعد أن سقط ما سمي النظام العالمي الجديد الذي رافقته «العولمة» التي سماها البعض وأنا واحد منهم، «الرأسمالية المتوحشة» وكانت بالتأكيد من تخطيط وصنع اليهود الصهاينة الذين انضم إليهم الأميركيون الذين يشكلون حركة «الصهيونية المسيحية» ويقدر عددهم بسبعين مليوناً، وهؤلاء هم الذي انتخبوا الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب ويؤمنون بالعودة الثانية للسيد المسيح وضرورة توفير شروط ذلك من إعادة بناء الهيكل إلى غير ذلك.
ولن أخوض في كون هذه العقيدة خرافة أم غير ذلك، لكني أستطيع أن أؤكد أن هذه العقيدة راسخة بعقل هؤلاء اليمينيين المتشددين المتطرفين وبينهم رؤساء جمهورية لأميركا منهم رونالد ريغان وجورج بوش الابن، ويقال إن القسيس الذي يُحلف اليمين للرئيس الأميركي المنتخب من هذه الحركة بالذات.
وهذا ما ساعد على تقدم المشروع الصهيوني دون أن يدرك أصحاب هذا المشروع ومن وراءهم أن تحقيق أهدافهم سيؤدي بالنتيجة إلى فوضى عارمة في العالم وفقدان السيطرة عليه وانحلال النظام الدولي برمته، وهذا ما نشاهد بوادره في العقدين الأخيرين تحديداً من خلال انتشار النزاعات الكبيرة والخطرة في مختلف أنحاء العالم، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، وعدم قدرة الأمم المتحدة ومجلس الأمن على حلها بما يحفظ الأمن والسلم الدوليين.
إن هذا الواقع المرير والمؤلم الذي نعيشه في منطقة الشرق الأوسط يدعونا إلى اليقظة والوقوف بقوة وحزم في مواجهة المشروع الصهيوني أكثر من أي وقت مضى، فالهدف الذي يسعون إلى تحقيقه اليوم هو طمس الهوية العربية بعد أن استطاعوا إجهاض المشروع القومي العربي.
ويقع العبء الأكبر في ذلك على سورية قلب العروبة النابض التي تم استهدافها بأرضها وشعبها ووحدتها، ولا بد أن يدرك الجميع أن استمرار الصراع والقتال في سورية بين أطراف ينتمون إلى الشعب السوري يخدم المشروع الصهيوني ويؤدي إلى تقسيم سورية إن لم يكن جغرافياً فسياسياً.
وهذا يتطلب العمل على الحوار الوطني الجاد والمسؤول للخروج من الأزمة بما يحفظ كيان الدولة السورية ومؤسساتها، وإعادة بناء مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية بناءً سليماً ديمقراطياً ضمن إطار الدولة المدنية الحديثة، والمحافظة على هوية سورية العربية.
وفي هذا الإطار على رجال السياسة والإعلام تبني لغة المصالحة والتسامح والوحدة الوطنية، وعدم التحدث عن انتصارٍ بلغة التحدي والاستفزاز؛ هذه اللغة التي يجيدها المنافقون والانتهازيون.
إن سورية تمر بأخطر مرحلة في تاريخها الحديث، وهذا يتطلب العمل الجاد والمخلص للمحافظة على الدولة السورية وهويتها العربية، ولا بد في البداية من محاربة الفساد بكل أشكاله وإبعاد هؤلاء المنافقين والانتهازيين، والبحث عن رجال الدولة من أصحاب الكفاءة والخبرة والنزاهة وفق المعيار الأساسي بأن سورية «وطن للجميع»، ولتبقى «سورية أولاً».