صراعات الخليج وأزمتا سورية واليمن
| أنس وهيب الكردي
لا تزال الدوحة تقترب، وبخطوات متسارعة، من إيران وروسيا مبتعدةً عن الرياض وواشنطن، وذلك على وقع تشكل لوحة إقليمية جديدة يعاد فيها نسج العلاقات بين صراعات الخليج العربي وأزمتي سورية واليمن.
لقد كانت قطر يوماً رأس حربة التحالف الدولي الإقليمي في دعم المسلحين سياسياً، مالياً، عسكرياً ودبلوماسياً، واصطفت إلى جانب الأتراك والسعوديين والأميركيين والأوروبيين في شراكة بمواجهة روسيا وإيران، والآن أصبح ذلك من الماضي، وبعد الدخول الروسي العسكري على خط الأزمة السورية خريف العام 2015، اقتربت الدوحة بشكل كبير من الإيرانيين تحت وطأة عاملين: تفجر النزاع التركي الروسي على خلفية إسقاط أنقرة للمقاتلة الروسية سو24 في سماء اللاذقية، وتعمق الخلافات القطرية السعودية حول قضايا الأزمة السورية وبالأخص التسوية السياسية والدور الروسي.
عملت الدوحة على موازنة التفاهمات الروسية السعودية وضغوط موسكو العسكرية على المسلحين المدعومين من تركيا وقطر، عبر التقارب مع إيران، لكنها مع ذلك حافظت على الود تجاه إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ثم عدل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بعيد توليه مقاليد الحكم في الولايات المتحدة، أولويات العلاقات الأميركية في الخليج العربي، مانحاً السعودية وحليفاتها، دفعة قوية، استغلتها لتفجير الأزمة القطرية، وعندها تحول خيار أمير قطر تميم بن خليفة آل ثاني بالانفتاح على طهران إلى ضرورة للبقاء في مواجهة مقاطعة وحصار فرضته الدول الأربع السعودية والبحرين والإمارات ومصر.
لم يتوقف الأمر عند تدهور العلاقات السعودية القطرية، بل إن العلاقات القطرية الأميركية الراسخة تعرضت لاهتزاز بسبب ازدواجية المواقف بين ترامب وبقية «المؤسسة» حيال «الأزمة القطرية»، وتعززت المخاوف في الدوحة من ثبات الدعم الأميركي التقليدي لقطر بعد انقلاب ترامب، مؤخراً، على كبار مسؤولي إدارته: وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون وهاموند ريموند ماكماستر، اللذين اتخذا صف الدوحة خلال الأزمة القطرية، بخلاف رئيسهما الذي ساند، وعلانيةً، الرياض.
دفعت هواجس قطر من تحلحل الدعم الأميركي لها، إلى تعزيز علاقاتها مع موسكو، وفي هذا السياق يصل الأمير تميم هذا الأسبوع إلى العاصمة الروسية موسكو للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
مع إنهاء الجيش السوري وحلفائه لوجود مسلحي «فيلق الرحمن» و«حركة أحرار الشام الإسلامية» في غوطة دمشق الشرقية، يكون النفوذ القطري في الأزمة السورية قد شارف على الزوال، وبالتالي، باتت قطر قادرة على التحرر من سياستها القديمة حيالها، وإرساء تقارب أكبر مع كل من إيران، التي مدتها بشريان الحياة لمواجهة المقاطعة والحصار، وروسيا، بما يمكنها من زيادة هامش مناورتها على الساحة الدولية في مواجهة واشنطن.
بطبيعة الحال، لن يكون هناك تأثيرات واسعة لأي تحول قطري تجاه سورية، لأن تركيا الحليف الأول للقطريين حملت «السيف» وأدخلت قواتها العسكرية في مجاهل الشمال السوري، متبوئةً مكانة مهمة بين المتدخلين الكبار في مجريات الأزمة السورية.
ولأن الدوحة ستعمل على معارضة الرياض في مسرحين إستراتيجيين للسياسة السعودية: شرق سورية واليمن، فإن التنسيق ما بين السعودية وجماعة الإخوان المسلمين في اليمن سيتزعزع، مضيفاً مأزقاً جديداً إلى مآزق السعوديين في «البلد السعيد».
لقد قطعت قطر وإيران شوطاً كبيراً نحو إرساء إستراتيجية متناغمة لمنع انتصار الرياض في اليمن وزعزعة استقرار النفوذ الأميركي السعودي في شرق سورية، ويبدو أن روسيا غير بعيدة عن التعاون معهما سواء في المسرح السوري، كما أظهرت مفاوضات القطاع الأوسط من الغوطة الشرقية ومدينة حرستا، أو المسرح اليمني، وذلك بهدف إرباك السياستين الأميركية والسعودية في المنطقة.