قصتنا، متى نرويها؟
حسن م. يوسف :
«الذين يروون القصص يحكمون المجتمع».
أفلاطون 428-347 ق.م
أعترف أن فكرة أفلاطون هذه لم تبارحني منذ أن قرأتها قبل أكثر من ربع قرن. صحيح أنني لا أرتاح كثيراً للعبارات التقريرية القطعية لاعتقادي أن الحقيقة كائن حي ينمو ويتوالد ويموت، إلا أنني يوماً بعد يوم أزداد اقتناعاً بصواب الاستنتاج الذي توصل إليه أفلاطون بشأن سلطة من يروون القصص على المجتمعات.
لست أعلم على وجه الدقة متى أطلق أفلاطون مقولته الواردة أعلاه، لكن كتب التاريخ تجمع على أنه ولد في عام 428 قبل ميلاد السيد المسيح وهذا يعني أنه يفترض بكل أصحاب العقول الراجحة أن يحتفلوا، في هذا العام، مع هذا الفيلسوف الفذ بعيد ميلاده ذي الرقم 2443.
يعتبر أفلاطون واضع الأسس الأولى للفلسفة والعلوم الغربية، كما يعتبر مؤسس أكاديمية أثينا التي هي أول معهد للتعليم العالي في العالم الغربي. غير أنني لست هنا بصدد الكتابة عن حياة أفلاطون، فما يعنيني هنا بالدرجة الأولى هو مقولته المثبتة في مطلع هذا المقال. والتي يبدو لي أنها قد أثبتت صحتها في الماضي كما تثبت صحتها الآن، ومن المرجح أن تصمد طويلاً لامتحان الأزمنة القادمة.
إن نظرة سريعة على شاشات السينما والتلفزيون في العالم تكفي لكي نستنتج أن الأميركان هم الذين يروون القصص في معظم البلدان، وقد جاء في كتاب «العنف والسينما الأميركية» أنه لو قتل شخص أميركي في الواقع مقابل كل شخص يقتل في الأفلام والمسلسلات الأميركية على شاشات السينما والتلفزيون، داخل أميركا وخارجها، لفنيت أميركا التي يبلغ عدد سكانها 320 مليون شخص خلال خمسين دقيقة!
إن «قصص أميركا» التي تنتشر في مختلف أصقاع الأرض، هي مركز قوتها الناعمة التي تعزز هيمنتها على العالم، وبما أن إسرائيل هي الولاية الأميركية الحادية والخمسين فقد تفنن الصهاينة في استخدام نفوذهم في أهم وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة لنشر قصصهم والتصدي للقصص التي تعري وجوههم القبيحة. ولن ندرك مدى نجاحهم إلا إذا علمنا أنهم قد تمكنوا نسبياً من عكس قصة محمد الدرة، فحولوها من جريمة اقترفتها قوات الاحتلال بحقه كطفل، إلى جريمة اقترفها الأب من خلال الاحتماء بابنه.
وقد أوضح رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك هذه النقطة تماماً عندما قال: «موتاهم أرقام، أما موتانا فقصص».
لقد سبق لي أن قلت مراراً إنه علينا كعرب أن نجد طريقنا الخاص لتقديم قصتنا وصورتنا الحقيقية بشكل جذاب كي نستعيد وجهنا الإنساني في عيون العالم، وهذا لا يمكن أن يتم ما لم نطلق سراح عقولنا. وقد بدأت الدراما السورية خلال العقدين الماضيين بإنجاز خطوات معقولة في هذا الاتجاه، ولهذا تعاقب الآن، وتجرد من قصصها وعناصر تميزها، فأي عمل يمس القضية المركزية للأمة فلسطين فلن يجد جهة تموله الآن، وإن وجد من يموله، فهو محكوم بالخسارة لأن كل المحطات الغنية لديها توجيهات «عليا» بألا تشتريه، كي يبقى الأميركان وأذنابهم هم الذين يروون القصص ويحكمون المجتمع!