ما بين استعادة الغوطة ودحر أميركا
| رزوق الغاوي
في أكثر من مناسبة تم طرح تحليلات سياسية تتحدث عن نيات أميركية لمواصلة احتلال منطقة شرق الفرات الغنية بالطاقة إلى أجل غير محدود، إما بصورة مباشرة من خلال الوجود العسكري الأميركي، أو غير مباشرة عبر تصنيع معارضة سياسية وعسكرية تقوم القوات الأميركية بتدريبها وتهيئتها لإدارة تلك المنطقة النفطية وفصلها تالياً عن الجسد السوري.
وعلى ما يبدو فإن تلك التحليلات قد تحولت إلى قناعة موثقة بأن لدى واشنطن مشروعاً لتقسيم سورية أعلنه على الملأ منذ أكثر من شهر، ديفيد ساترفيلد مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط، مؤكداً أن الإدارة الأميركية خصصت أربعة مليارات دولار سنوياً لتمويل هذا المشروع الهادف من جهة إلى ترسيخ السيطرة على شرق وشمال شرق الفرات، بما في ذلك توسيع إطار القواعد العسكرية الأميركية في تلك المنطقة النفطية، ومن جهة ثانية إلى تعطيل الجهود الروسية الرامية إلى إيجاد حلٍ سياسي للمسألة السورية يحفظ وحدة التراب السوري والسيادة السورية عليه.
إن المنطق الاستعماري الأميركي يشكل ترجمة دقيقة للسياسة الأميركية المعهودة سابقاً وحالياً والمنتظرة لاحقاً، ويعكس بمنتهى الدقة، السياسة العامة التي تنتهجها الإدارات الأميركية المتتالية منذ قيام الولايات المتحدة حتى الآن والقاضية بمناهضة حركات التحرر الوطني في مختلف قارات المعمورة ومحاربتها، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول بغية النيل من سيادتها الوطنية وجعل سياسات تلك الدول وقراراتها رهينة للأطماع الامبريالية الأميركية ومحكومة بها، ظناً من تلك الإدارات أنها قادرة على إنتاج واقع في سورية توظفه واشنطن في تحقيق مصالحها الامبريالية، على غرار ما أنتجته في العراق بعد غزوه عام 2003 وفي ليبيا عام 2011.
غير أن حسابات واشنطن على الحقلين العراقي والليبي، لم تنطبق على حساباتها على البيدر السوري، جراء تغير موازين القوى الدولية الإستراتيجية الناجم عن النهوض الروسي والتعددية القطبية ونشوء محور المقاومة، مع الأخذ بالحسبان الموقف الوطني السوري الحازم والمُدعّم بالحلف «الروسي الإيراني المقاوم»، وقرار دمشق التصدي للمشروع الأميركي وإسقاطه بعد الكشف عن زيف مزاعم وادعاءات واشنطن والغرب الاستعماري والأنظمة العربية والإقليمية الموالية لهم حول «محاربة الإرهاب وفصيله المتقدم تنظيم داعش».
إن إنجاز استعادة الغوطة الشرقية من حيث أهميته الكبيرة في مجرى التطورات الميدانية على الساحة السورية، يشكل خطوةً متقدمة على طريق مواجهة المشروع التقسيمي «الأميركي الغربي الرجعي العربي الصهيوني»، ستُتبَع حتماً بخطوات جديدة لاستعادة الضواحي الجنوبية للعاصمة دمشق وتالياً استعادة كامل الجنوب السوري ومن ثم استعادة مدينة إدلب ودحر الاحتلال التركي من الأرض السورية «بعد أن سقطت ذريعتا أنقرة محاربة داعش وإبعاد المقاتلين الأكراد عن حدودها»، والتفرغ تالياً للمواجهة الكبرى للاحتلال الأميركي للشرق والشمال الشرقي السوريين، وحشد مختلف المتطلبات العسكرية والشعبية الوطنية السورية والمستلزمات الكفيلة بدحر العدوان الأميركي الغاشم.