اعتراف سعودي: الوهابية خنجر أميركا المسموم!
| بسام أبو عبد الله
لسنا بحاجة لتصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الجديدة لـ«واشنطن بوست» التي قال فيها إن: «الاستثمار في المدارس والمساجد حول العالم مرتبط بالحرب الباردة، عندما طلبت الدول الحليفة من السعودية استخدام مالها لمنع تقدم الاتحاد السوفييتي في دول العالم الإسلامي»، واعتبر ابن سلمان أن الحكومات السعودية المتعاقبة فقدت المسار، والآن حسب زعمه «نريد العودة إلى الطريق» مقراً أن التمويل يأتي الآن من مؤسسات سعودية، وليس من الحكومة!
ويرى في التصريح نفسه أن الإسلام عقلاني، وبسيط، ولكن البعض يحاول اختطافه، من دون أن يحدد لنا من اختطفه ولأي غرض، طوال فترة حكم أجداده وآبائه وأعمامه!
الحقيقة أن هذا الاعتراف العلني من ابن سلمان هو أول إقرار يتضمن اعترافاً أن الوهابية «تهمة» كما تقول صحيفة «الأخبار» اللبنانية أي إن الوهابية ليست إسلاماً، وليست من قيم الدين الإسلامي المحمدي، بل هي بدعة إجرامية ارتبطت بالهيمنة على الآخرين عبر القتل، وسفك الدماء، وتكفير الآخر من أجل السيطرة عليه، ولا علاقة لها بأخلاق الإسلام وقيمه، ومنطلقه «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
يرى أليستر كرووك في مقال له في «هافينغتون بوست» الإنكليزية أنه لا يمكن لأي أحد أن يفهم داعش إذا لم يعرف تاريخ الوهابية في السعودية، ويشير إلى أن اعتماد الغرب على السعودية كان منذ اللقاء بين الملك عبد العزيز آل سعود، والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت على متن البارجة «كوينسي» بعد مؤتمر يالطا أربعينيات القرن الماضي، وحتى الآن، وأن السعوديين تعاونوا مع كل المشاريع الغربية لمواجهة الاشتراكية، البعثية، الناصرية، النفوذ السوفييتي، والآن الإيراني، من خلال إنشاء، ودعم وتجنيد الحركات التكفيرية لمواجهة الدول، والأنظمة غير المرغوب فيها بنظر الولايات المتحدة والغرب بشكل عام، إضافة لعوامل أخرى داخلية ترتبط بمحاولات توجيه الأنظار نحو أحداث خارجية لامتصاص عوامل النقمة الداخلية في مملكة آل سعود، وهو ما أشار إليه الصديق فؤاد إبراهيم في كتابه «مستقبل السعودية: الخطاب، العرش، التحالفات» إذ يرى أن الدعوة للجهاد في أفغانستان ثمانينيات القرن الماضي لم تكن مدرجة على جدول أعمال السياسيين، والدينيين السعوديين آنذاك، لكن ظهور تحديات خطيرة داخلية آنذاك منها: تحدي المشروعية، والهوية الدينية، واحتمالات هبات شعبية متجددة بعد حادثة الحرم المكي في 20 تشرين الثاني 1979، وانتفاضة المنطقة الشرقية، وقيام الثورة الإسلامية الإيرانية كنموذج إسلامي مقاوم، ومعاد للمشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة، لذلك كله كان لابد من تصريف فائض السخط، والنشاط لدى مئات الشباب ومشاغلة الداخل، إضافة للاتفاق مع واشنطن على تسخير ذلك للمصلحة الأميركية، كما يقر ابن سلمان في حديثه.
القضية نفسها تكررت مرة أخرى في العراق بعد سقوط بغداد عام 2003 تحت عنوان «نصرة أهل السنة»! على الرغم من أن السعودية هي من دعم حرب صدام ضد إيران الثورة، وهي من قدم التسهيلات لواشنطن لإسقاط صدام حسين ما بين آذار ونيسان 2003.
في حالة سورية، تكرر الشيء نفسه إذ عملت سلطات آل سعود على التحريض، وإصدار الفتاوى، وتقديم التسهيلات لآلاف الشباب من أجل ما أسموه الجهاد في سورية تحت العناوين الطائفية، المذهبية، وهي عناوين تمتص مخزون الاحتقان الاحتجاجي لدى جمهور السلطة السعودية عبر ضرورة الحضور غير المسبوق للمسألة السورية نظاماً، وطائفة، وتحالفات.
في الحالة السورية فإن آل سعود مع إسرائيل وأميركا، يواجهون إيران وحزب الله، وكبار منافسي أميركا أي روسيا والصين، وهو ما أسماه سيمور هيرش في مقاله الشهير «إعادة التوجيه» بـ«العناق الإستراتيجي» بين هذه الأطراف!
لا يمكن للسوريين أن ينسوا فتوى الشيخ صالح اللحيدان في 22 نيسان 2011 التي أطلقها منذ بداية الأحداث وهي: «يجوز قتل الثلث من أجل أن ينعم الثلثان بالحياة»، والدعاء بـ«التوفيق لمن يجاهدون الطغاة في سورية»، معتبراً أن من يموت منهم هو شهيد في سبيل الله، لكونه يقاتل لإعلاء كلمة الله.
ويؤكد فؤاد إبراهيم أن تعيين بندر بن سلطان رئيساً للاستخبارات السعودية في 11 تموز 2012 بعد زيارة قام بها مع ديفيد بيترايوس للملك عبد الله في جدة بتاريخ 9 تموز 2012 جاء لتنفيذ مشروع انتقال مقاتلي القاعدة لإسقاط الدولة السورية كهدف أميركي إسرائيلي سعودي ومن تبعهم من أدوات، عبر استنزاف الجيش العربي السوري في حرب طويلة مفتوحة وصولاً لإسقاط الرئيس بشار الأسد، إضافة لاحتواء خطر الإسلاميين في الخليج بعد ظهور بوادر لديهم بقبول اللعبة الديمقراطية بالاتفاق مع الأميركيين، وكان الملف السوري قد انتقل من قطر إلى السعودية في تلك الفترة بأمر أميركي.
إن اعتراف ابن سلمان بـدور الوهابية كخنجر أميركا المسموم في كل أنحاء العالم، في مواجهة خصومها وأعدائها ليس بجديد، ولا هو اكتشاف، ولا سبق صحفي وإنما هو محاولة لإعادة تسويق مملكة آل سعود بعناوين جديدة في الولايات المتحدة والغرب، بعد أن فاحت رائحة الإجرام والقتل الوهابي في المنطقة، وكنتيجة ضمنية لهزيمة مشروعهم في سورية والعراق، وتحويل هزيمة داعش إلى فرصة لنهوض قوى جديدة في العالم والإقليم، مثل روسيا والصين وإيران، تتحدى وتواجه قوى الهيمنة العالمية، وتدفع نحو عالم متعدد الأقطاب.
إن الوهم الذي يمكن أن يعيشه البعض مع تصريحات ابن سلمان في أنه يمكن تحديث الوهابية، أو تطويرها، هو وهم لا يجوز أن يعيشه أحد، أو يتصوره! حسب أليستر كرووك، ما دام مبدؤها الأساسي عليك التنفيذ والإيمان بما نقول أو أنك ستقتل! لا يمكن في الحقيقة التعايش مع السرطان، أو التسامح معه، بل لابد من استئصاله، لكن ليس بالاعتماد على المنافقين في بعض الدول الغربية الذين يقبضون لشركاتهم ثمن السكوت عن إجرام الوهابية الذي يستمدون منه نسغ الاستمرار، وإزالة العقبات، والمنافسين.
إن المواجهة مع الوهابية هي فكرية وثقافية وتنويرية، من خلال عمل وإشراف الدولة المباشر على نشاطات المساجد، ومحتوى الخطاب الديني، إضافة لمراقبة عمل ونشاطات الجمعيات الخيرية التي استخدمت في مرحلة ما كوسيط لتمرير التمويل للإرهاب في سورية، وغيرها من البلدان، وتحويل المحتاجين إلى تابعين إيديولوجيين لممولي هذه الجمعيات وأصحابها، بدلا من أن تكون مساهماً في بناء الإنسان ورفعته، وإضافة لذلك لا بد من مشروع ثقافي تربوي تعليمي نهضوي يزيد مساحة العلم والتنوير والشفافية، في التعاطي مع هذه القضايا، من خلال الحوار الهادئ والوطني، عبر المؤسسات المعنية، من أجل مواجهة أي فكر، أو دعوة تكفيرية، أو إقصائية تستخدم الدين لأغراض دنيئة وإجرامية، واعتراف محمد بن سلمان منشور ومعلن للاستفادة منه، يقول: الوهابية هي خنجر أميركا المسموم، ومواجهة هذا الخنجر المسموم مستقبلاً، غير ممكنة إلا من خلال التنوير والتعليم والثقافة وإعمال العقل، ونشر الأخلاق كممارسة، وسلوك حضاري، واحترام للقانون، بدلا من الوعظ والإرشاد، والشكل على حساب المضمون، وهو ما ينطبق ليس فقط على الخطاب الديني التنويري، ولكن على الخطاب السياسي أيضاً.